هل الالم نعمة؟ من الشريعة 2024.

هل الالم نعمة؟

نعمة الألم – عائض القرني
الألم ليس مذموماً دائماً، ولا مكروهاً أبداً، فقد يكون خيراً للعبد أن يتألم.
إن الدعاء الحار يأتي مع الألم، والتسبيح الصادق يصاحب الألم، وتألم الطالب زمن التحصيل وحمله لأعباء الطلب يثمر عالماً جهبذاً لأنه احترق في البداية فأشرق في النهاية. وتألم الشاعر ومعاناته لما يقول تنتج أدباً مؤثراً خلاباً؟ لأنه انقدح مع الألم من القلب والعصب والدم فهز المشاعر وحرك الأفئدة. ومعاناة الكاتب تخرج نتاجاً حياً جذاباً يمور بالعبر والصور والذكريات.
إن الطالب الذي عاش حياة الدعة والراحة ولم تلذعه الأزمات، ولم تكوه الملمات، إن هذا الطالب يبقى كسولاً مترفلاً فاتراً.
وإن الشاعر الذي ما عرف الألم ولا ذاق المر ولا تجرع الغصص، تبقى قصائده ركاماً من رخيص الحديث، وكتلاً من زبد القول، لأن قصائده خرجت من لسانه ولم تخرج من وجدانه، وتلفظ بها فهمه ولم يعشها قلبه وجوانحه.
وأسمى من هذهِ الأمثلةِ وأرفع: حياةُ المؤمنين الأوَّلينَ الذينَ عاشوا فَجر الرسالةِ ومَولِدَ الملةِ، وبدايةَ البعث، فإنهُم أعظمُ إيماناً، وأبرُّ قلوباً، وأصدقُ لهجةً، وأعمقُ عِلماً، لأنهم عاشوا الألَمَ والمعاناةَ: ألمَ الجوع والفَقرِ والتشريدِ، والأذى والطردِ والإبعادِ، وفراقَ المألوفاتِ، وهَجرَ المرغوباتِ، وألمَ الجراع، والقتلِ والتعذيب، فكانوا بحقٍّ الصفوة الصافيةَ، والثلَّةَ المُجتَبَاةَ، آياتِ في الطهرِ، وأعلاماً في النبل، ورموزاً في التضحية، (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ))[التوبة:120].
وفي عالم الدنيا أناس قدَّموا أروعَ نِتاجَهُم، لأنهم تألمَّوا؛ فـالمتنبي وعَكَته الحُمَّى فأنشدَ رائعته:
<< وزائرتي كأنّ بها حياءَ فليسَ تزور إلا في الظلام >>
والنابغة خوّفَهُ النعمان بن المنذرِ بالقتلِ، فقدم للناس:
<< فإنكَ شمسٌ والملوك كواكبٌ إذا طلعتْ لم يَبْدُ منهنَّ كَوكبُ >>
وكثيرٌ أولئكَ الذين أثروا الحياة، لأنهم تألمَّوا.
إذن فلا تجزع من الألم، ولا تَخَف من المعاناة، فربما كانت قوةً لكَ ومتاعاً إلى حين، فإنكَ إن تعش مشبوبَ الفؤادِ، محروقَ الجَوَى، ملذوعَ النفسِ؛ أرقُّ وأصفى من أن تعيشَ باردَ المشاعرِ، فاترَ الهِمَّةِ، خامدَ النَّفسِ (( وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ))[التوبة:46].
ذكرت بهذا شاعراً عاش المعاناة والأسى وألم الفراق، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في قصيدة بديعة الحسن، ذائعة الشهرة، بعيدة عن التكلف والتزويق: إنه مالك بن الريب ، يرثي نفسه:
<< ألم ترني بعت الضلالة بالهدى وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا >>
<< فلله دري يوم أترك طائعاً بني بأعلى الرقمتين وماليا >>
<< فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا برابية إني مقيمٌ لياليا >>
<< أقيما على اليوم أو بعض ليلة ولا تُعجلاني قد تبين ما بيا >>
<< وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي وردا على عينَي فضل ردائيا >>
<< ولا تحسداني بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا >>
إلى آخر ذاك الصوت المتهدج، والعويل الثاكل، والصرخة المفجوعة التي ثارت حمماً من قلب هذا الشاعر المفجوع بنفسه المصاب في حياته.
إن الواعظ المحترق تصل كلماته إلى شغاف القلوب، وتغوص في أعماق الروح، لأنه يعيش الألم والمعاناة، (( عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ))[الفتح:18].
<< لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه >>
لقد رأيت دواوين لشعراء ولكنها باردة لا حياة فيها، ولا روح، لأنهم قالوها بلا عناء، ونظموها في رخاء، فجاءت قطعاً من الثلج وكتلاً من الطين.
ورأيت مصنفات في الوعظ لا تهز في السامع شعرة، ولا تحرك في المنصت ذرة، لأنهم يقولونها بلا حرقة ولا لوعة، ولا ألم ولا معاناة، (( يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ))[آل عمران:167].
فإذا أردت أن تؤثر بكلامك أو بشعرك، فاحترق به أنت قبل، وتأثر به، وذقه وتفاعل معه، وسوف ترى أنك تؤثر في الناس، (( إِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ))[الحج:5]

بارك الله فى شيخنا
خليجيةخليجية
شكرا
تسلم الايادي حبيبتي زمردة
موضوع مميز وطرح جميل
احسنت الاختيار

جزاكي ربي خيرا
بارك الله بك وجزاك الله خيرا
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©جزاكي الله خيرا
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©
.
.
.
.

ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.