تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فن التعامل مع الوالدين من الشريعة

فن التعامل مع الوالدين من الشريعة 2024.

فن التعامل مع الوالدين

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أما بعد:
فلما كان بر الوالدين بالمنزلة العظيمة في الشرائع الإلهية كافة، وبخاصة في الشريعة الإسلامية الخاتمة، فإن من المهم أن يتكرر التواصي به والحث عليه، إقتداء بالكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة.

1/ بر الوالدين فريضة ربانية :

قال الله جل وعلا: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا).
دلت الآية الكريمة على تعظيم بر الوالدين من وجوه، منها:
عظمة الموصي وهو الله تعالى خالق الإنسان، وأن الوصية وجهت للإنسان مطلقا، وشمول كلمة الإحسان الجامعة لكل خير.

2/ عناية الشرائع ببر الوالدين:

بر الوالدين مما أوحاه الله لرسله، فكل الأنبياء أمروا به ودعوا إليه. لكنه في الشريعة الإسلامية أجلى مظهراً وأوضح تفصيلاً ، فكان من بركات أهلها بحيث لم يبلغ بر الوالدين مبلغا في أمة مبلغه في المسلمين ، ويوضحه تكرر الوصايا ببر الوالدين في القرآن وعناية النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه في مواطن عديدة.

3/ بره بها أدخله الجنة:

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذاك البر، كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه.
حارثة بن النعمان النجاري الأنصاري، أبو عبد الله. شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فضلاء الصحابة.
وهذه البشارة له تأكيد لما جاءت به النصوص أن بر الوالدين باب للجنة وطريق موصل إليها.

4/ بر الوالدين فريضة محكمة:

أخبر الله عن نبيه عيسى عليه السلام أن مما أوصي به: (وبرا بوالدتي):
قال الحافظ القرطبي: دلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو من الثابت المحكم في كل الشرائع.
وفي شريعة الإسلام جاء تأكيد هذه الفريضة أوضح مما كان في الشرائع السابقة وعظم أجره وثوابه.

5/ نداؤهما والتحدث عنهما بأفضل وأحب الأسماء:

الأصل أن ينادي الولد والديه بهذا الوصف الجليل: يا أبي ، يا أمي، وإذا تحدث عنهما يقول: والدتي، والدي، كما أخبر الله في القرآن عن أنبيائه: إبراهيم : (يا أبت) وعيسى: (وبرا بوالدتي) وغيرهما.
وبهذا يعلم الخطأ في وصف الوالدين بـ الشايب أو العجوز ونحوهما بما يشعر بتنقصهما.

6/ بر الوالدين في حياة السلف:

بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان ألف درهم،فعمد أسامة رضي الله عنه إلى نخلة فنقرها وأخرج جمارها (الجمار قلب النخلة) فأطعمها أمه،فقالوا له:ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إن أمي سألتنيه،ولا تسألني شيئا أقدر عليه إلا أعطيتها.
كم نحن بحاجة لمراجعة أنفسنا في أساليب إدخال السرور على آبائنا وأمهاتنتا،ومنها الهدايا المناسبة والمفرحة.

7/ من البر أن تطعم مع والديك:

قال هشام بن حسان: قلت للحسن البصري: إني أتعلم القرآن وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: لأن تتعشى العشاء مع أمك وتقر بذلك عينها، أحب إلي من حجة تحجها تطوعاً.
فإذا أردت أن تنال هذا الأجر فاجعل لوالديك من أوقات الغداء أو العشاء أو القهوة ما تؤنسهما به.

8/ من صور البر النادرة:

قال عامر بن عبدالله بن الزبير رحمه الله: مات أبي فما سألت الله حولاً كاملاً إلا العفو عنه.
إنها صورة عزيزة من صور الإخلاص للآباء والبر بهم ، والتي يلازمها الأبناء والبنات ليس في حياة الوالدين فحسب بل حتى بعد موتهما.
فإن هذا البر والدعاء يصلهم وينفعهم في قبورهم بفضل الله كما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

9/ والداك حين تصبح وحين تمسي:

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما من مسلم له أبوان ، فيصبح وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة ، ولا يمسي وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة ، ولا سخط عليه واحد منهما فرضي الله عز وجل عنه حتى يرضى. رواه البيهقي وغيره.
ويؤيده حديث "الوالد أوسط أبواب الجنة".
فهنيئا لمن أصبح وأمسى بارا بوالديه.

10/ رفع الصوت نحو الوالدين:

قال الإمام ابن مهدي رحمه الله: صحبت عبد الله بن عون أربعا وعشرين سنة،وكان بارا بوالديه.
ثم يذكر من مظاهر بره:
أن أمه دعته يوما في حاجة فأجابها برفع الصوت، فأعتق ذلك اليوم رقبتين كفارة لرفع صوته على صوتها.
هكذا كان الأئمة في البر وإجلال الوالدين حتى أسلوب الخطاب، فكيف بنا اليوم ونحن نسمع من ينهر والديه ويصرخ في وجهيهما والله يقول: (فلا تقل لهم أف)؟!
وفَّق الله الجميع لما فيه الخير وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بعض الآداب في التعامل مع الوالدين
جزء من محاضرة بر الوالدين
للشيخ نبيل العوضي
هذا أبو هريرة يبصر رجلين، فقال لأحدهما: من هذا منك؟ فقال: إنه فلان أبي، فقال: لا تسمه باسمه، ولا تناد أباك باسمه، فلا تقل: يا فلان! بل تسميه بصفته فتقول: يا أبي أو يا أبتاه.
فيعتبر أبو هريرة هذا عقوقاً، وهذا من تمام البر أنك لا تسميه باسمه.
قال: ولا تمش أمامه.
فانظر كيف وصلوا إلى البر، يقول: إذا مشيت فامش خلفه، تواضعاً واحترماً ومن خفض الجناح بالذل له.
قال: ولا تجلس قبله.
إذا دخلت في مجلس وهو قائم فقم معه، ولا تجلس في مجلس قبله، انظروا كيف وصلوا إلى البر.
وهذا رجل -يا عبد الله- لا يصعد إلى الطابق الأعلى إذا كانت أمه في الطابق الأسفل، يقول: كيف أصعد على طابق وأمي تحتي، فهو يعتبر هذا من العقوق.
وذاك رجل لا يأكل مع أمه في صحن واحد، فيُسأل: لم يا فلان لا تأكل مع أمك في صحن واحد؟ فيقول: أخاف أن تمتد يدي إلى لقمة وأمي تنظر إليها، أخاف أن آكل لقمة وأمي قد اشتهتها.
انظر كيف وصلوا إلى البر، وانظر كيف أصبح الناس هذه الأيام في العقوق.
ويأتي رجل فيبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، فيقول له: (كيف تركت أبويك؟ فيقول: تركتهما يبكيان، فيقول له: ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما ).
ويأتي رجل يريد الجهاد فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألك أم؟ فيقول: نعم. قال: أتريد الأجر والمثوبة من الله؟ قال: نعم. قال: الزم قدمها فثم الجنة ).
ولنرجع إلى البيوت -يا عباد الله- فلنلزم أقدامهن، فهناك الجنة، وهناك الروح والريحان، وهناك الجنان، وهنالك الأنهار، وتلك هي القصور، فباب الجنة -يا عبد الله- عند قدم أمك؛ فكيف ضيعت ذلك الباب؟ وكيف فرطت في الجنة وأبوابها؟
واسمع إلى هذا العاق، هذا الرجل العاق كيف وصل به العقوق إلى هذه الدرجة، فهو يضرب به المثل، واسمه منازل، وهذا الرجل كان فاجراً عاصياً عاقاً لأبيه، أتاه أبوه يوماً من الأيام، فأمره بالطاعة، وأمره بالإحسان، وأمره بالاستجابة لله جلَّ وعلا، فهل تعرف ماذا فعل؟ لطم أباه على وجهه، فذهب أبوه يبكي، وقال: والله! لأحجن إلى بيت الله الحرام وأدعو عليه هناك، فحج الأب إلى بيت الله الحرام، وتعلق بأستار الكعبة، ثم رفع يديه، فقال:

يا من إليه أتى الحجاج قد iiقطعوا أرض المهامه من قرب ومن بعد
إنـي أتيتك يا من لا يخيب iiمن يـدعـوه مبتهلاً بالواحد iiالصمد
هـذا منازل لا يرتد عن iiعققي فـخذ بحقي يا رحمان من iiولدي
وشـل مـنه بحول منك iiجانبه يـا مـن تقدس لم يولد ولم iiيلد

فما أنزل الأب يديه إلا وقد شل الله نصف جسده، وأصبح مشلولاً إلى أن مات: (ثلاث دعوات مستجابات -لا شك فيهن- منها: دعوة الوالد على ولده ).
إذا أردت الدعوة يا عبد الله، فاذهب إلى أمك، واذهب إلى أبيك، وسلهما دعوة صالحة، وسلهما دعوة خالصة.
واسمع إلى العاق، كيف يصفه الله جلا وعلا: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } [الأحقاف:17] يا بني صلِّ.. يا بني اذهب إلى المسجد.. يا بني اترك الفساد.. يا بني اترك المعاصي.. يا بني اترك هؤلاء الصحبة.. يا بني لا تنفعك هذه الأغاني.. فيرد عليهما: { أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [الأحقاف:17] أتعرف ما عقوبته؟ { أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } [الأحقاف:18].
اسمع إلى هذا الرجل الذي ملَّ والده، وقد أحسن إليه وبره لكن طال عليه الأمر وشق عليه العمل، وكبر أبوه فتأفف من أبيه، وكم نسمع هذه الأيام -والعياذ بالله- من رجل يُسأل: من هذا؟ فيستحي أن يقول: هذا أبي، فيقول: هذا السائق، وكم سمعنا من فتاة يُقال لها: من هذه؟ فتستحي فتقول: هذه الخادمة. أو هذه المربية. أو هذه الغسالة. أف لهذه الكلمات، وتعس أولئك الذين يستحون أن يقول أحدهم: هذا أبي. وتستحي أن تقول: هذه أمي. ولا يدعوه إلى وليمة، ولا يدعوه إلى وجبة، يستحي أن يراه أصحابه، كم وكم من العاقين من أمثال هؤلاء

قواعد أساسية في التعامل مع الوالدين :
1- أجزل عطاياك لهما ماإستطعت وإياك إياك أن تمن عليهما بشيء أبدا.

2- عاملهم بقاعدة الإحسان الإلهيه لا بقاعدة العدل . فلا تقول إن أبي لا يعطيني فأنا لاأعطيه , أو لا يحترمني فأنا لا أحترمه لا فلا .

3- قدم شكرك لهما على طبق من التقدير والإحترام , وإعترف دائماً بفضلهم الكبير عليك.

4- كن إبناً باراً بوالديك.

5- لا تتقدمهما في المشي والجلوس.

6- عدم رفع صوتك فوق صوتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تتقدم امامهما ولا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا بالرحمة.

7- إكسب رضاهما دائماً , وإستشرهما في أغلب الأمور.

8- بادر إلى زيارتهما وابدهما بالسلام والتحية وشجع أبناءك على ذلك.

9- لا تسمح لأبنائك وزوجتك أن يسيئوا لهما.

10- لا تنحرج من وقوفك إلى جنبهما أمام أصدقاءك .

11- إطبع قبلاتك على جبينهما كل صباح ومساء.

12- لا تجرح شعورهما أبداً.

13- خذ بنصائحهما وإرشاداتهما وحاول أن تعمل بما هو صحيح .

14- صلهما وإن كانا ميتين وذلك بقراءة القرآن لهما والصدقة لهما .

15- إدع دائماً لهما بالخير والصحة والعافيه.

16- لا تقل لهما بأن زمانكما قد ولى ونحن في زمان يختلف عن السابق فإن الحكمة والتجربة تنفع.

17- لا ترمهما في دور العجزه ليعيشا هناك.

18- لاتحزنهما ولاتغضبهما

بر الوالدين
كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما. وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا وصعبًا؛ حيث قال له: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102] فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي بقضائه: {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}
[الصافات: 102].
وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً لإسماعيل، قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107].
يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال اضطروا إلى أن يبيتوا ليلتهم في غارٍ، فانحدرت صخرة من الجبل؛ فسدت عليهم باب الغار، فأخذ كل واحد منهم يدعو الله ويتوسل إليه بأحسن الأعمال التي عملها في الدنيا؛ حتى يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحضر لهما اللبن كل ليلة ليشربا قبل أن يشرب أحد من أولادي، وتأخرت عنهما ذات ليلة، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما أو أعطي أحدًا من أولادي قبلهما، فظللت واقفًا -وقدح اللبن في يدي- أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر، وأولادي يبكون من شدة الجوع عند قدمي حتى استيقظ والدي وشربا اللبن، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، وخرج الثلاثة من الغار.
[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
ما هو بر الوالدين؟
بر الوالدين هو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما، وقد جعل الله للوالدين منزلة عظيمة لا تعدلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرض عظيم، وذكره بعد الأمر بعبادته، فقال جلَّ شأنه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23].
وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}
[النساء: 36]. وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير} [لقمان: 14].
بر الوالدين بعد موتهما:
فالمسلم يبر والديه في حياتهما، ويبرهما بعد موتهما؛ بأن يدعو لهما بالرحمة والمغفرة، وينَفِّذَ عهدهما، ويكرمَ أصدقاءهما.
يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) [ابن ماجه].
وحثَّ الله كلَّ مسلم على الإكثار من الدعاء لوالديه في معظم الأوقات، فقال: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41]، وقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات}
[نوح: 28].
فضل بر الوالدين:
بر الوالدين له فضل عظيم، وأجر كبير عند الله -سبحانه-، فقد جعل الله بر الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها).
قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) _[متفق عليه]. ومن فضائل بر الوالدين:
رضا الوالدين من رضا الله: المسلم يسعى دائمًا إلى رضا والديه؛ حتى ينال رضا ربه، ويتجنب إغضابهما، حتى لا يغضب الله. قال صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) [الترمذي]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) [البخاري].
الجنة تحت أقدام الأمهات: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه. وفي المرة الثالثة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك! الزم رِجْلَهَا فثم الجنة) [ابن ماجه].
الفوز بمنزلة المجاهد: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: (هل بقي من والديك أحد؟). قال: أمي. قال: (فاسأل الله في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمر ومجاهد) [الطبراني].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (ففيهما فجاهد) [مسلم].
وأقبل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (فهل من والديك أحد حي؟). قال: نعم. بل كلاهما. فقال صلى الله عليه وسلم: (فتبتغي الأجر من الله؟). فقال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع إلى والديك، فأَحْسِنْ صُحْبَتَهُما) [مسلم].
الفوز ببرِّ الأبناء: إذا كان المسلم بارًّا بوالديه محسنًا إليهما، فإن الله -تعالى- سوف يرزقه أولادًا يكونون بارين محسنين له، كما كان يفعل هو مع والديه، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بِرُّوا آباءكم تَبرُّكم أبناؤكم، وعِفُّوا تَعِفُّ نساؤكم) [الطبراني والحاكم].
الوالدان المشركان:
كان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بارًّا بأمه، فلما أسلم قالت له أمه: يا سعد، ما هذا الذي أراك؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتُعَير بي، فيقال: يا قاتل أمه. قال سعد: يا أمه، لا تفعلي، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. ومكثت أم سعد يومًا وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها الجوع، فقال لها سعد: تعلمين -والله- لو كان لك مائة نَفْس فخرجت نَفْسًا نَفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكُلِي، وإن شئتِ فلا تأكلي.
فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام أكلت. ونزل يؤيده قول الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]. وهكذا يأمرنا الإسلام بالبر بالوالدين حتى وإن كانا مشركين.
وتقول السيدة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قَدِمَتْ وهي راغبة (أي طامعة فيما عندي من بر)، أفَأَصِلُ أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، صلي أمَّكِ) [متفق عليه].
عقوق الوالدين:
حذَّر الله -تعالى- المسلم من عقوق الوالدين، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما، وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة (أف) أو بنظرة، يقول تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء: 23]. ولا يدخل عليهما الحزن ولو بأي سبب؛ لأن إدخال الحزن على الوالدين عقوق لهما، وقد قال الإمام علي -رضي الله عنه-: مَنْ أحزن والديه فقد عَقَّهُمَا.
جزاء العقوق:
عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، بل من أكبر الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين…) [متفق عليه].
والله -تعالى- يعَجِّل عقوبة العاقِّ لوالديه في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات) [البخاري].
1
البر بالوالدين معناه طاعتهما وإظهار الحب والاحترام لهما ، ومساعدتها بكل وسيلة ممكنة بالجهد والمال ، والحديث معهما بكل أدب وتقدير ، والإنصات إليهما عندما يتحدثان ، وعدم التضجر وإظهار الضيق منهما .

وقد دعا الإسلام إلى البر بالوالدين والإحسان إليهما ، فقال تعالى :

" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) " (الإسراء 23 ، 24)

ويعتبر الإسلام البر بالآباء من أفضل أنواع الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى ، لأن الوالدين هما سبب وجود الأبناء في الحياة وهما سبب سعادتهم ، فقد سهرت الأم في تربية أبنائها ورعايتهم ، وكم قضت ليالي طويلة تقوم على رعاية طفلها الصغير الذي لا يملك من أمره شيئًا ، وقد شقي الأب في الحياة لكسب الرزق وجمع المال من أجل إطعام الأبناء وكسوتهم وتعليمهم ومساعدتهم على تحقيق أحلامهم ، لذا نلاحظ أن الله تعالى جعل طاعة الوالدين بعد الإيمان به فقال :
" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23)" (الإسراء :23)
وبلغت وصية الله سبحانه وتعالى بالوالدين أنه أمر الأبناء بالتعامل معهما بالإحسان والمعروف حتى ولو كانا مشركين ، فقال تعالى :
" وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)" (لقمان : 15)

· حقوق الوالدين :

إذا كان من الطبيعي أن يشكر الإنسان من يساعده ويقدم له يد المساعدة ، فإن الوالدين هما أحق الناس بالشكر والتقدير ، لكثرة ما قدما من عطاء وتفانى وحب لأولادهما دون إنتظار مقابل ، وأعظم سعادتهما أن يشاهدا أبناءهما في أحسن حال وأعظم مكانة ..

وهذه التضحيات العظيمة التي يقدمها الآباء لابد أن يقابلها حقوق من الأبناء ومن هذه الحقوق التي وردت في القرآن الكريم :

1- الطاعة لهما و تلبية أوامرهما .

2- التواضع لهما ومعاملتهما برفق ولين .

3- خفض الصوت عند الحديث معهما .

4- استعمال أعذب الكلمات وأجملها عند الحديث معهما .

5- إحسان التعامل معهما وهما في مرحلة الشيخوخة وعدم إظهار الضيق من طلباتهما ولو كانت كثيرة ومتكررة .

6- الدعاء لهما بالرحمة والغفران .

· أحق الناس بحسن الصحبة :

أن أعظم صحبة للإنسان هي صحبة الوالدين ، وهى صحبة يرضى بها الإنسان ربه ويرجو بها حسن الثواب في الآخرة ، ومعنى الصحبة ، هو أن يحاول الإنسان أن يرد الجميل لوالديه ، ويعمل على رعايتهما ، وبخاصة إذا كبرا في السن واحتاجا إلى العون والرعاية .

وجاء في الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- ،

فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟

قال : أمك .

قال : ثم من ؟

قال : أمك .

قال : ثم من ؟

قال : أمك .

قال : ثم من ؟

قال : أبوك . (رواه البخارى ومسلم)

وقال -صلى الله عليه و سلم- : "إن الله يوصيكم بأمهاتكم (ثلاثا) إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب " (سنن ابن ماجة – كتاب الأدب – باب بر الوالدين) .

· بر الوالدين قبل الجهاد :

حرص الإسلام على إكرام الوالدين ورعايتهما ، وجعل ذلك جهادًا يعادل الجهاد في سبيل الله ، فلا يخرج أحد إلى القتال وأبواه أو أحدهما يحتاج إلى عونه .

– أتى رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يبايعه على الجهاد والقتال ، فسأله النبي -صلى الله عليه و سلم- هل من والديك أحد ؟ قال الرجل : كلاهما حي يا رسول الله ، قال -صلى الله عليه و سلم- : ارجع إلى والديك وأحسن صحبتهما . (البخارى 3004 ، ومسلم 2549)

– وفى رواية ثانية أن رجلاً من اليمن هاجر إلى النبي -صلى الله عليه و سلم- يستأذنه في الجهاد ، فقال -صلى الله عليه و سلم- : هل لك أحد باليمن ؟ قال : أبواي ، قال : أذنا لك ؟ قال : لا .

قال : فارجع إليهما ، فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد والإ فبرهما

(رواه أبو داود 2530) .

· بر الوالدين بعد وفاتهما :

لا ينتهي البر بالوالدين بموتهما أو بموت أحدهما ، بل يستمر إلى ما بعد الموت ، فقد روى إن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فقال :

يا رسول الله هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال : نعم الصلاة عليهما ، والإستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما (مسند أحمد 3/497)

وفى الحديث حث على بر الوالدين في حياتهما وما بعدها ، ويكون ذلك بالاستغفار لهما ، والوفاء بالعهود والمواثيق التي عقداها في حياتهما وإكرام أصدقائهما وصلة أرحامهما .

· بر الوالدين ولو كانا غير مسلمين :

الأباء هم الأباء مهما اختلفت ديانتهم عن دين أبنائهم يشعرون بالحب والمودة تجاة أبنائهم ، وتربطهم بهم علاقة الدم التي لا يمكن أن تضيع ، وفى الوقت الذي حرص فيه على الإلتزام بالدين الحق دعا إلى بر الوالدين غير المسلمين وعدم عقوقهما ما داما لم يطلبا من أبنائهم ترك الإسلام أو معصية الله تعالى كما جاء في الآية الكريمة :

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
(لقمان : 15 )

وقد طلب الرسول -صلى الله عليه و سلم- من أصحابه البر بآبائهم غير المسلمين:

تقول أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنه : قدمت على أمي وهى مشركة في عهد رسول -صلى الله عليه و سلم- فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قلت : قدمت على أمي وهى مشركة ، أفأصلها ؟ قال : نعم : صِلى أمك . البخارى 5979 ، مسلم 1003)

· أحاديث في الترغيب في بر الوالدين والترهيب من عقوقهما :

– قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: "رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد "

(الترمذى :1899)

– قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- :" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" ، قلنا : "بلى يا رسول الله "، قال رسول الله :" إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات "(البخارى:3677)

· صور من البر :

ضرب لنا صحابة رسول الله -صلى الله عليه و سلم- والسلف الصالح أروع الأمثلة في البر بالوالدين والإحسان إليهما ، ومن ذلك ما يروى من أن "أسامة بن زيد" كان له نخل بالمدينة ، وكانت النخلة تبلغ نحو ألف دينار ، وفى أحد الأيام اشتهت أمه الجمار ، وهو الجزء الرطب في قلب النخلة ، فقطع نخلة مثمرة ليطعمها جمارها ، فلما سئل في ذلك قال : ليس شيء من الدنيا تطلبه أمي أقدر عليه إلا فعلته .

وكان "على بن الحسين" كثير البر بأمه ، ومع ذلك لم يكن يأكل معهما في إناء واحد،

فسئل : إنك من أبر الناس بأمك ، ولا نراك تأكل معها ؟!

فقال : أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها ، فأكون قد عققتها .

ويحكى أن إحدى الأمهات طلبت من ابنها في إحدى الليالي أن يسقيها ، فقام ليحضر الماء ، وعندما عاد وجدها قد نامت ، فخشى أن يذهب فتستيقظ ولا تجده ، وكره أن يوقظها من نومها ، فظل قائمًا يحمل الماء حتى الصباح

جـًزًأكـً الله خِيَرْ
مًوُضَوًعَ بِقِمْةُ
أًلأً بـِدًأًعٍ.ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©:
وًاًصِلِىِ عًزِيِزًتًيِ.:
أًنًـتًضَـرً جًدِيَدًكً
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط© بشً ـوَقٌ
تًحيًَاإًأِتـيًُ
نعومه’

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.