بما أن موضوع هذا البحث هو معيقات التواصل داخل القسم،أرى أنه لابد من التطرق إلى مفهوم التواصل عموما، تم الإنتقال فيما بعدإلى معيقاته أوالعوامل التي تحول من نجاحه بالشكل لمرغوب فيه.
I. تعريف بعض المفاهيم:
التواصل:
جاء في معجم علوم التربية عن التواصل مايلي :
التواصل لغة،الإبلاغ و الإطلاع و الإخبار،أي نقل خبر ما من شخص إلى أخر و إخباره به و إطلاعه عليه.و يعني التواصل وحدتي التوصل و التوصيل،أي إقامة علاقة مع شخص أو شيء ما،كما يشير إلى فعل التوصيل كما أنه يعني التبليغ.
و في تعريف أخر حسب نفس المرجع، جاء عن Mucchieilli,R:
التواصل أيضا نقل معلومات من مرسل إلى متلقي بواسطة قناة،بحيث يستلزم ذلك النقل من جهة وجود شفرة،و من جهة ثانية تحقق عمليتين إثنين: ترميز المعلومات encodage،و فك الترميز décodage،مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التفاعلات التي تحدث أثناء عملية التواصل،و كذا أشكال الاستجابة للرسالة و السياق الذي يحدث فيه التواصل.
و في تعريف ثالث عن هيدجر:
"التواصل في حقيقته ، علاقة مباشرة بالآخرين ؛ إنها علاقة إنسانية وجدانية إنها علاقة الوجود مع ، طبيعتها عاطفية أكثر منها ذرائعية".
التواصل البيداغوجي:" هو كل أشكال و سيرورات و مظاهر العلاقة التواصلية بين مدرس و تلاميذ أو بينهم أنفسهم،إنه يتضمن نمط الإرسال اللفظي و غير اللفظي،كما يتضمن الوسائل التواصلية و المجال و الزمان،و هو يهدف إلى تبادل أو تبليغ و نقل الخبرات و التجارب و المواقف مثلما يهدف إلى التأثير على سلوك المتلقي"
و يهدف التواصل إلى:
– التبليغ:نقل المعارف و الخبرات من المدرس إلى التلاميذ(تواصل عمودي)..
– التبادل:حيت يكون توازن بين الطرفين المشاركين في التواصل..كلاهما يملك معارف ..
– التأثير:يقصد به إحداث تغيير عند المتعلم.
II. بعض نظريات التواصل:
نظرا لتعدد نماذج و نظريات التواصل، سوف لن أتطرق لكثير منها، فقط سأقتصر على نموذجين،النمودج القبطاني و النموذج النسقي .
1. النموذج القبطاني:
في هذا النموذج من التواصل يركز على أشكال الخطاب و الكيفية التي ينتقل بها ،بينما يتم تغافل البعد العاطفي و مقومات الماضي و المستقبل و المقومات الأخرى للتواصل.
2. النموذج النسقي:
تمثله مدرسة Palo Alto، و حسب هذا النموذج فكل سلوك هو تواصل،كما أن كل موقف تواصلي هو بنية.ذلك أن كل موقف هو لقطة ضمن كل أو نسق.و لا يمكن فهم اللقطة التواصلية إلا ضمن كل أو نسق.
و يمكن التعبير عن التواصل حسب هذا النموذج وفق الخطاطة التالية:
قناة
3. نماذج من التواصل الصفي :
يمكن تحديد أنماط من التواصل الصفي وفقا للطريقة التعليمية السائدة وأسلوب التدريس داخل الفصل،ويحدد دور كل من المدرس و التلميذ ونمط المنهاج الدراسي وكذلك التصورات المحددة للعلاقات بين هذه العناصر نموذجا تواصليا معينا..هكذا يمكن أن نجد:
نموذج التواصل الصفي التقليدي: تطبعه العلاقة السلطوية العمودية في التواصل بين المدرس و تلامذته وهي علاقة ترتكز في أغلبها على إعطاء الأوامر و انتظار الردود، و لا يسمح فيها بالتعبير عن الرغبات الذاتية أو الحاجات.كما أن التواصل الأفقي بين التلاميذ يكون ناذرا إلى منعدما.
و يعبر عن هذا النموذج من التواصل بالخطاطة التالية:
أ(المدرس)
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــع
(التلاميذ) ب ج د ه
نموذج التواصل الصفي الفعال المرتكز على الفرد: يركز على التواصل الإيجابي بين المدرس و التلاميذ بشكل فردي حيث أن الأهمية الكبرى تعطى للعلاقة الثنائية(مدرس/تلميذ) في إحترام لخصوصيات كل تلميذ..ومستوى العلاقة التواصلية علاقة أفقية مفتوحة و متبادلة،و يستطيع التلميذ أن يعبر عن مواقفه و مشاعره بكل حرية..
تلميذ ب
تلميذ ج
المدرس أ تلميذ د
تلميذ ه
نموذج التواصل الصفي الفعال المرتكز على الجماعة: نموذج متحرر يؤمن بفعالية المتعلم و حريته،كما يؤمن بأن التعلم لا يمكن أن يتم بشكل إيجابي ألا أذا ارتكز على دافعية ذاتية حقيقية لدى المتعلم.و لا يحتكر فيه المدرس قنوات التواصل،بل يعتبر واحدا من أفراد الجماعة و يكون عليه تأمين وجود قنوات بين الجميع و حل أي مشكل يعيق التواصل..
ب
د ه
ج
أ(المدرس)
III. شروط التواصل الفعال:
تعددت الشروط التي حددها الأخصائيون من أجل تحقيق تواصل فعال(إيجابي،يحقق أهدافه)،و في ما يلي أعرض تلك التي أوردها العربي اسليماني في كتابه التواصل التربوي
– مبدأ الانسجام: إن التواصل الفعال يقتضي أن يتلقى المستقبل الرسالة و يفهمها وفق مقصدية المرسل.
– مبدأ التبادل المستمر: لإقامة تواصل فعال بين الأطراف يجب أن يحصل الفيدباك أو التغذية الراجعة (feed back). إن التغذية الراجعة هي " المعلومات المرجعة إلى فرد قام بعملية تقويم، و التي تفيده في تصحيح الفارق بين الهدف المتوخى و النتيجة التي حصل عليها
– مبدأ الإدراك الشامل : إن التواصل لا يمر فقط عبر الكلمات الملفوظة أو المنطوقة، و إنما ينبغي الانتباه إلى ما يمكن أن يحس به كل طرف من أطراف العملية التواصلية.
و يرى أن التواصل الفعال بين المدرس و التلميذ يتطلب دينامية الكلام و الكتابة من خلال أربعة عناصر رئيسة هي :
أ ) استعمال أسلوب متين ومتسق يتميز بما يلي :
– البساطة والإيجاز
– كلمات قليلة و بسيطة
– جمل قصيرة
– جمل بسيطة خالية من الاستطرادات
ب) استعمال أسلوب حي يتميز بما يلي:
– الحوار
– استعمال المخاطب بالجمع Vous ، إعطاء الأسبقية لصيغة الأمر و الصيغة التي لا يكثر فيها المبني للمجهول
ج) استعمال البناء المنطقي من خلال ما يلي :
– إعلان منطق الأفكار
– استعمال العلاقات و الروابط الكرونولوجية مثل : قبل كل شيء، بعد هذا ، من أجل ذلك ، الشيء الذي أدى إلى، و ينتج عن هذا، و سبب ذلك، و هذا ما يجعلنا نقول …. والتعارض مثل: خلافا لهذا، على عكس ذلك….و الهوية مثل: و في هذا الصدد، و في نفس السياق، في هذا الإطار.
د) تنمية الأفكار الرئيسة عن طريق:
– تحديد المراحل، كأن يقول الأستاذ مثلا: " يمكن أن نتناول هذا الموضوع من خلال ثلاثة محاور رئيسة هي…" ثم يسجلها على السبورة بخط بارز.
IV. متغيرات التواصل البيداغوجي:
تتأثر سيرورة العملية التواصلية داخل القسم بمتغيرات عدة.من بينها ثلاثة أساسية.
متغير المرسل:و يتمثل في خلفيته المرجعية من أفكار و قيم و مبادئ.. و مواقفه اتجاه الآخرين..
متغير الرسالة: و تتداخل فيه ثلاث أبعاد:الشفرة، شكل الرسالة(ذات دلالة مباشرة/ دلالة غير مباشرة) تم المحتوى(و هو مضمون الخطاب).
متغير المتلقي:تتمثل في طبيعة العلاقة الوجدانية بين التلميذ و الأستاذ وكذا التحفيز و الاستعدادات،مدى قدرته على فك رموز الرسالة،ردود فعله (التي قد تكون ظاهرة/ خفية،لفظية/ غير لفظية،إيجابية/ سلبية).
V. معيقات التواصل:
1. تعريف العائق:
عن le petit Robert، العائق هو ما يعترض المرور، يضايق الحركة، يعترض الفعل، و هو الصعوبة..
كما أنه هو ما يعوق الفكر أو الإدارة من شواغل داخلية أو موانع خارجية تمنع تحقيق الهدف أو تحول دون اكتماله .
و في موضوعنا، هو كل ما ينقص، يحد أو يمنع من إجراء التواصل.
2. أنواع معيقات التواصل داخل القسم (تصنيفها):
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــع
– الصعوبات الدلالية: ترتبط هذه الصعوبات بالشحنة الدلالية التي تعطى للألفاظ والكلمات. و لذلك تتحدث اللسانيات عن التضمين و التصريح و الإيحاء.
– صعوبات التمركز على الذات: و تتسبب في اختلال التوازن، و فقدان الحوار و التفاعل بين أطراف العملية التواصلية التي يجب أن تتبادل التأثير والتأثر .
– التوجه المادي: كأن يعتبر المتكلم ( الأستاذ ) تلاميذه عبارة عن أشياء أو موضوعات ( التشييء أو التبضيع ) غير آخذ بعين الاعتبار مشاعرهم و ميولهم.
– إغفال تمثلات التلاميذ : الأستاذ الذي لا ينطلق من تمثلات تلاميذه غالبا ما لا يوفق في تحقيق التواصل التربوي معهم. لأن عملية الاكتساب والاستيعاب تتم باستدخال المعرفة الجديدة في البنيات الذهنية القبلية وفي نفس الآن يحصل التلاؤم Accommodation الذي هو تكيف وملائمة الشيمات الذهنية القبلية(les schèmes mentaux pré existants) مع المعرفة الجديدة. و هذا يعني أن التمثلات، كنظام تفسيري و صيرورة معرفية و نتاج لهذه الصيرورة، تلعب دورا مهما في جعل الألفاظ تكتسي المعنى و الدلالة.
– الاستغلال و الموثوقية: يتمثل في استغلال سذاجة التلاميذ المعرفية، و تقديم معطيات خاطئة على أنها صحيحة، أو عدم الاعتراف بكونه معرضا للخطأ كغيره من الناس و الأساتذة. ومن عوائق التواصل التربوي كذلك نقص المعلومات أو تضخمها، وعدم مناسبة المقال للمقام، واللحن والتلعثم ، والآثار الناتجة عن الآراء والأحكام التي يكونها الأستاذ عن تلاميذه ( أثر بيجماليون effet pygmalion ) ، و كون الأستاذ يساير تلاميذه أو كون التلاميذ لا يعترض بعضهم على بعض. و ظاهرة " المجاملة الثقافية " هاته تولد التضليل وعدم الكشف عن الأخطاء لتصحيحها و استثمارها.إن بعض الأساتذة يتجنبون الدخول في حوار مع تلاميذهم لأسباب ذاتية. كما أن البعض يتقبل أجوبتهم وتعاليقهم تفاديا للوقوع في وضعية حرجة تجعله مطالبا بتصحيحها.
– ضعف الثقة في النفس: تتولد الثقة في النفس من فعل الاحتكاك و التفاعل و إتاحة الفرصة لنشوء الصراعات السوسيومعرفية ، إن الأستاذ الذي يمنح التلميذ فرصة التعبير و الاختلاف و الخطأ يكون أقرب إلى منحه الثقة في النفس من أستاذ لا يقبل الأجوبة الخاطئة، و ينهج أسلوب القمع والتقرير.
– الضجيج : يعتبر من بين العناصر الخارجية الطفيلية التي تشوش على عملية الاتصال .
و يمكن أن نصنف عوائق التواصل حسب طبيعتها إلى عوائق داخلية و أخرى خارجية :
أ) عوائق داخلية : وهي في جملتها ثلاث مظاهر أو تجليات :
– عوائق داخلية ذات طبيعة نفسية نابعة من ذات المرسل أو كامنة في نفس المتلقي وتتمثل في بعض العوامل النفسية كالخجل والاضطراب، والشعور بالحرج، والخوف، وعدم الإحساس بالحرية والتلقائية.
بعضها طبيعي في نفس المتلقي، والبعض الأخر قد يتسبب فيه المرسل أو المدرس بتصرفاته غير المدروسة، وعدم مراعاته قواعد بيداغوجيا الفوارق، ذلك أن مدرس المجموعة يجد أمامه خليطا من التلاميذ المختلفي الشخصيات والتكوين النفسي. وإنّ قمعه للمغرور المتعالي أو تتفيهه لإجابة الثرثار لسوف تكون له آثاره على الخجول والجبان وضعيف الشخصية فتقتل فيهم روح الرغبة في المشاركة، فيكون ذلك من أقوى موانع التواصل بينهم وبين الأستاذ.
– عوائق داخلية ذات صبغة ذهنية وتتمثل في جملة العوامل الذهنية مثل قصور المتلقي عن فك الترميز، ومثل اختلاف المرجعية وتباين المفاهيم بين المرسل والمتلقي.
– عوائق داخلية ذات صبغة وجدانية وتتمثل في جملة المشاعر والأحاسيس الجاذبة أو المنفرة وفي مقدمتها تأثير الأستاذ في نفوس تلاميذه بشخصيته وهيئته ودرجة حيوية مما يشدهم إليه ويرغبهم في التواصل معه أو ينفرهم منه ويصرف نفوسهم عنه.
ب) عوائق خارجية: وهي جملة الموانع المادية التي تعيق التواصل أو تمنع فاعليته، ومنها:
– قصور في وسائل التبليغ لدى المرسل
– ضعف وسائل الاستقبال لدى المتلقي
– صعوبات تتعلق بمضمون الرسالة البيداغوجية أو بشكلها وبنيتها
– عوامل معيقة يشتمل عليها المحيط الذي يكتنف العملية التواصلية
– عوامل متولدة عن الوسط الثقافي والمستوى الحضاري
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــع
كما يمكن أن نصنفها حسب مصدرها إلى:
أ) معيقات ترتبط بالمرسل:
يمكن أن تكون مرتبطة بقناة التواصل، كرداءة الخط أوخلل في النطق :كلكنة غير واضحة ،السرعة في الكلام، صوت مرتفع/ خافت.عدم استعمال الوسائل التعليمية(بما فيها السمعية البصرية) بطريقة جيدة،رداءة الخط…
و يمكن أن تكون نفسية:كعدم رغبة المدرس في عملية التعليم نظرا لاتجاه سلبي لذيه،أو له موقف سلبي من المستقبل،أو أن يكون المرسل خجولا،منكمشا،ضعيف الثقة بنفسه، سريع الغضب …
ب) معيقات ترتبط بالمستقبل: ( التلميذ أو الأستاذ):
يمكن أن نذكر منها عدم رغبته في استقبال الخطاب.كما يمكن أن تكون المعيقات مرتبطة في هذا الباب،بتصوراته و مواقفه من المرسل و بتصوراته لردود فعله عن مستوى استقباله لخطاب ذلك المرسل .
أو عجز المستقبل عن فك ترميز الرسالة الموجهة أو ضعف حافزيته على التعلم إذا لم يقتنع بحيوية الخطاب الموجه إليه و لا يوجد فيه ما يثير إنتباهه. أونفسية كشعور التلميذ بالخوف من العقاب أو من السخرية أو الخجل أو عدم الإحساس بالحرية و التلقائية.
أو وجود إختلالات أو قصور على مستوى السمع أو البصر..
ج) معيقات ترتبط بالمجال(المحيط):
و هي عوائق مرتبطة بالمعطيات المادية للفصل و المعطيات التنظيمية و المناخ الإجتماعي السائد داخله،ومنها نذكر:
– الضجيج: سواء كان مصدره من داخل القاعة أو من خارجها..
– مستوى الإنارة و التهوية داخل مجال التواصل.
– الإكتضاظ داخل القسم حيث لايسمح بإقامة تواصل حقيقي بين الأستاذ و أكبر عدد من التلاميذ مختلفين في إمكانية و طرق تواصلهم.
– موقع كل من التلاميذ و الأستاذ داخل القسم، وأعني هنا تنظيم المقاعد و السبورة و مكتب الأستاذ.
د) معيقات ترتبط بالخطاب :
و ذلك إذا كانت مسافة كبرى بين مستوى مضمون الرسالة و إمكانيات المستقبل و قدراته، كأن يكون خطاب المدرس أكبر بكثير من قدرات التلميذ مما قد يسقط المتواصلين فيما يسمى بحوار الصم.
م/ن للفـــــــــــــــــــــآأأئده
يسلمووووووووووو
نورتي هيناد
الله يعطيك العافيه مجهود تشكر ي عليه
دمتِ بحفظ الله