صابرين والمحفظة العجيبة
في حي ليس بعيدا عن العاصمة الجزائر، كانت تقطن صابرين ،وسط عائلة تتكون من تسعة أفراد، أكبرهم كان يدعى عبدا لله وأصغرهم عبد الرحمان. أ ما صابرين فكانت في المرتبة الثالثة بين الإخوة. صابرين طفلة حلوة وديعة ومهذبة ومطيعة وخجولة، لقد تلقت المحبة والاحترام من طرف الجميع. وعندما بلغت السادسة من عمرها التحقت بالمدرسة كأي طفل في سنها.أحبت صابرين المدرسة كثيرا ، وتحصلت على نتائج جيدة كان حبها للعلم والمعرفة يزداد يوميا حتى أصبحت المدرسة مكان للتحقيق رغباتها في ملأ فراغها وشغفها للعلم…نجحت صابرين في الانتقال إلى المرحلة المتوسطة…وكانت تحلم دائما أن تصبح طبيبة ماهرة…في يوم من أيام التمدرس عادت صابرين إلى البيت لكي تتناول الغداء وتعود إلى المدرسة في الظهيرة… لكن لسوء حضها وجدت أمها لم تنهي بعد أشغال البيت، فطلبت منها تنظيف البلاط قبل العودة إلى المدرسة…قامت الطفلة الوديعة بتنظيف البيت وبعد انتهائها من ذلك، لم يسعها الوقت لتتناول الغداء وسارعت في الذهاب إلى المدرسة…وكانت المفاجأة ثقيلة عليها حيث كانت الحافلة قد غادرت الموقف…حزنت صابرين كثيرا لذلك وانتظرت طويلا…طويلا حتى تعبت قدميها…وقالت في نفسها سأسند قدمي للحائط كي أستريح قليلا. وبقيت على ذلك الحال تنظر إلى العابرين من الناس وفجأة يمر بها أخوها عبد الله فينظر إليها غاضبا متوعدا بإشارة الوجه قائلا لها لي موعد مع أبي في المساء…قالت صابرين في نفسها لماذا قال لي هذا ولما يتوعدني…هزت رأسها مطمئنة ببراءة الأطفال لم أفعل شيئا مسيئا…وأخيرا وصلت الحافلة و نقلت صابرين إلى المدرسة التي تبعد عن البيت بحوالي عشرة كيلو مترات. في المساء… بعد أن رتبت صابرين أدواتها وأنجزت واجباتها المدرسية ذهبت للعب قليلا …. وبينما هي تلعب حضر البابا… وجلس مع ابنه الأكبر جلسة الرجال ليتداول فيها مستقبل الطفلة البريئة في غرفة الأكل… سمعت صابرين حديثهما في إبطال تمدرسها …توقفت صابرين عن اللعب عندما سمعت البابا يلبي رغبة أخيها في إبقاء صابرين بالمنزل حزنت صابرين عند سماع كلمة كفى لن تذهب بعد اليوم إلى الدراسة…صعدت صابرين الدرج مهرولة ،باكية، شاهقةو متسائلة لماذا ؟…لماذا؟ …وصلت إلى غرفتها لتتفقد محفظتها والدموع على خديها …فوجدت عبد الله قد سبقها وهم بتمزيق كتبها وكراريسها وهي تنظر إليه بعين حاقدة كارهة ومتحسرة و لم تستطيع فعل شيئا… حاولت الماما أن تجعل البابا يتراجع عن قراره لكن بدون جدوى…استجمعت صابرين قوها وحسرتها وحزنت حزنا شديدا على محفظتها ومستقبلها…وباتت تبكي ليلتها وليالي كثيرة بعدها…بعد ثلاثة أيام من غيابها عن المدرسة تساءلت المعلمة عن السبب وطلبت من زميلاتها الذهاب إلى منزلها للسؤال عنها… في البيت، كانت صابرين جالسة على الدرج عند مدخل البيت عندما سمعت صوت ينادي: صابرين…صابرين…صابرين… اتجهت صابرين إلى الباب لترى من المنادي فوجدت زميلاتها…فقالت لهن لما أتيتن ؟ قالت الفتيات لماذا تغيبت عن المدرسة ؟ هل أنت مريضة ؟ المعلمة تبحث عن سبب غيابك واشتاقت إليك….أجابت صابرين مطأطئة الرأس خجولة مما حدث وأخذت تبكي لن أعود إلى المدرسة…لن أعود إلى المدرسة … أبي منعني من ذلك … تحسرت الفتيات من الحدث ونقلت الخبر للمعلمة…طلبت المعلمة من والدها الحضور إلى المدرسة لاستجوابه وإقناعه بعودة صابرين إلى مقاعد الدراسة. تجاهل البابا مطلب المعلمة ومدير المؤسسة، مقررا عدم عودة صابرين نهائيا إلى المدرسة….بقيت صابرين في البيت بجوار أمها تساعدها في أشغال البيت…وفي وقت فراغها تجلس عند شرفة البيت تناجي العصافير تارة وتلاحق التلاميذ بنظراتها الحالمة بمستقبل زاهرا… وهي تحلم بمقاعد الدرس، فتغمر عينيها دموع الحزن ويتكبد قلبها اكتأب شديد. ظلت صابرين على تلك الحال إلى أن مرت بها عائلة فرنسية تتكون من عجوز وأبنتها وسهرها في جولة حول الحي… كانت صابرين تنظر إليهم بوجه كئيب فنادتها السيدة الفرنسية التي كانت تدعي بمدام لورنس، وكانت تعمل معلمة بمدرسة الحي : مااسمك ياصغيرة فردت صابرين: صابرين ياسيدتي. ثم استأنفت السيدة حديثها أتدرسين؟ … أجابت صابرين بإشارة الرأس: لا… وقالت السيدة: لماذا؟… أنت صغيرة ولا تعملي شيئا هل ستبقي كفيك مطبقتينِ ؟…ردت صابرين باكية ليست لي حيلة… أبي منعني من الذاهب إلى المدرسة…تأثرت السيدة من موقف الصغيرة وقالت لها لا تحزني سأحدث أباك بالأمر وسأحاول إقناعه…سرت صابرين لقولها وقالت في قرار نفسها لا اضن أن أبي سيقتنع انه عنيد ورأسه من حجر… في المساء أتت السيدة لورنس لزيارة البابا وحدثته بقضية صابرين لكن لم يوافق فطلبت منه أن تأخذها معها إلى مستشفى بارني لتعلميها فن التمريض لكن البابا رفض رفضا قاطعا وقال لها لا تتدخلي فيما لا يخصك…خرجت السيدة لورنس من بيت صابرين يائسة جدا…وفي الغد عادت لترى والدة صابرين وتستشرها في أن تأخذ صابرين إلى بيتها كل مساء تعلمها فن النسيج والطرز سرت الأم وقالت لا أظن أن والدها سيرفض و فعلا وافق البابا واشترت الماما لصابرين لوازم الطرز والنسيج… وهكذا أصبحت صابرين تدرس وتحمل محفظة مليئة بالصوف وخيوط الطرز عوض الكراريس والكتب وكانت صابرين سعيدة بذلك… مرت أيام وأصبحت صابرين ماهرة بفن الطرز والنسيج….وصادف تعلمها ولادة أخيها الأصغر عبد الرحمان الذي كانت تحبه كثيرا، فأصبحت تهتم به كأنها أمه ولا تغادره ليلا…غادرت السيدة لورنس الحي وبقيت صابرين في البيت تهتم بشؤون عبد الرحمان وتنسج له أثواب الشتاء مستخدمة ذكائها في الإبداع…كبرت صابرين وأصبحت شابة جميلة و مهذبة…وذات يوم جاء لزيارتهم ابن عمتها وعندما رائها أعجب بها وتمنى أتكون زوجة له وأما لأولاده…تردد قليلا ابن العمة في طاب يدها ولكنه جمع قواه وطلبها من خاله فوافق هذا الأخير و زوجها من ابن عمتها…عاشت صابرين حياة زوجية سعيدة وأنجبت خمسة أطفال منهم ثلاثة ذكور وبنتين وحرست على تعلميهم وسهرت على تربيتهم تربية حسنة فتكونوا جمعيا في أحسن الجامعات وتحصلوا عل أعلى الشهادات و فرحت صابرين كثرا لنجاحهم، إلا إنها لازالت تتذكر محفظتها وكتبها التي مزقت على مرئ عينيها. فتبكي وتبكي متأثرة بجراح طفولتها…
كريمة صيام
سلمت يداك اختي
ننتظر المزيد من قصصك الجميله