سقوط دولة الفاطميين
سقوط دولة الفاطميين
[IMG]https://****.chatal3nabi.com/storeimg/img_1365578419_770.jpg[/IMG]حين تستعين بعدوك التاريخي، وتفقد القدرة على الرؤية الصحيحة، فلا ضير في أن تموت.. فأنت -في البدء- إنسان منتحر!!
والتسامح قضية كبرى من قضايا حضارتنا، ومبدأ عظيم من مبادئ إسلامنا، لكن هذا التسامح -بترك الناس يحيون وفق معتقداتهم- شيء، وتسليمك مقاليد الأمور لهذا الذي ينتمي رُوحيًّا إلى أعدائك، ويشعر بتعاطف نحو من تحارب، وتقل حضانته -مهما يكن- عن أخيه المسلم.. تسليمك هذا شيء آخر بعيد عن التسامح.. إنه نوع من الغفلة والحماقة، أو بتعبير آخر نوع من الانتحار!!
الاعتماد على اليهود والنصارى
وفي الدولة العبيدية (المسماة زورًا بالفاطمية) التي قامت في المغرب العربي سنة 298هـ/ 910م وانتقلت قيادتها إلى مصر سنة 362هـ/ 972م، كانت ظاهرة الاعتماد على اليهود والنصارى سمة من سمات الحكم في الدولة، فمن هؤلاء كان كثير من الوزراء وجباة الضرائب والزكاة، والمستشارين في شئون السياسة والاقتصاد والعلم، ومنهم الأطباء والثقات لدى الحكام، وإليهم تُحال معظم الأعمال الجسام.
ولقد أحدثت هذه الظروف انفصاما بين الفاطميين والشعب -إلى جانب عوامل أخرى مهمَّة- حتى لقد كان الناس يستجيرون من تسلُّط اليهود في البلاد فلا يُجارون، وقد ظهرت في ذلك أشعار كثيرة معروفة، بل إن الناس قد اضطروا إلى أن يلفتوا نظر العزيز (الحاكم الثاني في مصر) إلى هذه الظاهرة التي كان يُبدِي تغافلاً عنها، وقد وضعوا له صورة من الورق لرجل يطلب حاجة أثناء مرور موكبه، وقد مد الرجل يدًا بورقة مكتوب فيها : "بالذي أعز اليهود بمنشا[1]، وأعز النصارى بعيسى بن نسطورس، وأذلَّ المسلمين بك إلا كشفت ظلامتي"[2].
مكانة اليهود والنصارى عند العبيديين
وقد لمعت في سماء الدولة الفاطمية أسماء كثيرة من هؤلاء، فقد لمع يعقوب بن كلس، ومنصور بن مقشر النصراني الطبيب صاحب الكلمة السامية في قصر العزيز، وعيسى بن نسطورس الكاتب، والمنجم ابن علي عيسى، ويجين بن وشم الكواهي، ومنشا اليهودي الذي كان نائب العزيز في الشام، وغيرهم كثير. وعندما وصل الحاكم بأمر الله إلى الحكم -وهو رجل أجمع المؤرخون على اضطراب عقله حتى أنه كان يأمر بالشيء وينهى عنه- أمر بهدم الكنائس التي بمصر، لكنه سرعان ما عاد فأمر ببنائها، وأطلق من جديد يد اليهود في البلاد. واستمر أمر اليهود والنصارى في عهد الظاهر، وعندما قدر للحاكم العبيدي (الفاطمي) السادس في مصر "المستنصر بن علي الظاهر" أن يصل إلى الحكم سنة 427هـ/ 1035م كانت الحالة قد بلغت قمتها من التدهور. وفي ظل سياسة اليهود وتحكمهم في مرافق البلاد أصبح قصر هذا الحاكم زاخرًا بالدسائس التي يحيكها القوّاد ورجال البلاط والخصيان والنساء، ويقف وراء كل هؤلاء هذه الطوائف يديرون المعارك لصالحهم، ويرقبون الفائز، ويفسحون في شُقَّة الخلاف.
سوء الأوضاع وتحكم الوزراء
وقد ذاقت البلاد من الجوع والبؤس والنزاع على السلطة ما أحالها إلى فوضى لم يشهد تاريخ مصر مثلها، وقد صوّر المقريزي هذه الحالة في قوله: "لم تجد البلاد صلاحًا ولا استقام لها أمر، وتناقضت عليها أمورها، ولم يستقر عليها وزير تحمد طريقته... " إلى آخر كلامه الطويل الذي قال في آخره بأنه: "تلاشت الأمور واضمحل الملك"[3]. وقد فكر ابن حمدان زعيم الأتراك في مصر في تغيير الخلافة الفاطمية إلى العباسية، وكانت حال البلاد والفاطميين تسمح بتحقيق كل ذلك، لولا سوء سياسة ابن حمدان لأتباعه وانقلابهم عليه. وفي هذه السنوات أكل الناس بعضهم بعضًا، وبيع الرغيف بمائة دينار، وأكل الناس لحوم الكلاب والحمير، ولم ينتهِ الأمر إلا بسقوط الدولة الفاطمية السقوط الحقيقي؛ حين ترك حكامها السلطة تمامًا، وقبعوا في قصورهم، وحمل أمانةَ الحكم الوزراءُ العظام الذين كان أوَّلهم وأعظمهم "بدر الجمالي".
وقد أصبح بيد هؤلاء الوزراء كل مقاليد الأمور حتى إنهم لم يدعوا للخلافة ولا للخليفة -في أغلب الأوقات- إلا بالاسم، وكانوا يتحكمون في اختيار الخلفاء وفي عزلهم. والمؤرخون المنصفون يعتبرون سقوط الدولة هو تاريخ تولية بدر الجمالي أمورَ مصر سنة 464هـ/ 1071م، ولم يفعل صلاح الدين الأيوبي حين أسقط الخطبة للفاطميين -دون أية معارضة أو مقاومة حقيقية سنة 567هـ/ 1171م- إلا إسقاط عهد الوزراء العظام الذين كان آخرهم شاور، أما الفاطميون فقد سقطوا منذ مدة طويلة، أي قبل ذلك بقرن.
اليهود والدعوة للمذهب العبيدي !
ومن الغريب أن العزيز الفاطمي بلغ من حبِّه لوزيره يعقوب بن كلس اليهودي أن ترك له أمر الدعوة إلى المذهب العبيدي (الفاطمي)، وكان هذا الأخير يجلس بنفسه يعلِّم الناس فقه الطائفة الإسماعيلية، وقد ألّف كتابًا يتضمن الفقه على ما سمعه من المعز والعزيز الذي قال له : "وددتُ لو أنك تُباع فأبتاعك بملكي"[4]. ولم يدرك العزيز أن ملكه كان قد بيع فعلاً بهذه السياسة التي جعلت عهد الفاطميين في مصر عهد شدة وتناطح وبؤس، ووقف هؤلاء يستثمرون كل هذا ويتملقون الغرائز.. وبقيت عِبرة التاريخ عبرة للذين يطلبون النصر من الأعداء، والذين يطلبون الحياة من السم، والذين ينسون "الاستراتيجية الإسلامية العالية": {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].