السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : فهذه تذكرة بسيطة تحث قارئها على المبادرة للتزود بسويعات من الليل ليوم الفقر
والحاجة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إخاوتي المسلمات، يقول الحق تبارك وتعالى :
{وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة : 223]
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( بادروا بالأعمال، فتناً كقطع الليل المظلم يصبح
الرجل مؤمنا ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا ).
وهذا هو زمن الفتن المظلمة الذي يُباع فيه الدين بالدنيا، ويُكفر فيه بالله عز وجل استحباباً
للحياة الدنيا على الآخرة، ومن لم يتزود بالتقوى والعمل الصالح، ويتمسك بالكتاب والسنة،
أوشك أن يهلك مع الهالكين، ومن لم يحرص على دينه ويتفقده بين الحين والآخر أوشك أن يتنازل عليه عند أول محنة .
وكم رأينا ممن باع دينه حرصاً على دنيا فانية، ومن ارتد طمعاً في مالٍ أو خوفاً على جاهٍ،
ومنهم من صعبت عليه تكاليف العقيدة وشق عليه حملها فتركها واختار الحياة البهيمية
الذليلة، يظن أنه سيجد الراحة والسعادة! وهيهات هيهات لقلب أن يسعد ويهنأ مع غير الله.
فاحرصوا أن تكونوا ممن قال الله فيهم :
{ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ }
وقوله : { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } .
فما أجمل الحياة عندما يعيشها الإنسان لله، وما أجمل الإنسان عندما تكون حياته كلها لله .
وصدق من قال : لولا الليل ما أحببت الحياة . وهل يطيب ليل المحبين إلا بمناجاة من
يحبون والخلوة به والأنس بذكره وترتيل كلامه .
قال تعالى : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ
سْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } .
روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : من أحب أن يهوِّن الله عليه الوقوف يوم
القيامة فليََرَه الله في سواد الليل ساجداً أو قائماً .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم إلى
ربكم، ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد ) .
وقد جعل الله عز وجل قيام الليل فرضاً على الجماعة المسلمة في بداية نشأتها، فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم وتورمت، ثم أنزل الله عز وجل
التخفيف فصار قيام الليل تطوعاً في حق المؤمنين وظل فرضاً في حقه صلى الله عليه وسلم ؛
فكان لا يدع قيام الليل، فإذا مرض أو كسل يصلي قاعداً، وإذا عجز عنه لشغل أو مرض قضاه بالنهار .
وعن أنس رضي الله عنه قال : وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة شيئاً فلما
أصبح قيل يارسول الله، إن أثر الوجع عليك لَبَيِّنٌ . قال: أما أني على ما ترون بحمد الله قد
قرأت البارحة السبع الطوال .
وعن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الرب أقرب ما
يكون من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ).
وعن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن في الليل لساعة لا يوافقها
رجل مسلم يسأل الله فيها خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة ).
فبادروا يا أصحاب الحاجات وانتهزوا هذه السويعات مادام الباب مفتوح، وتضرعوا إلى الله
في جوف الليل عسى أن توافقوا هذه الساعة فلا يرد لكم دعاء.
وقد قال عليه السلام في الحديث الصحيح : ( من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا
شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله
والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ
وصلى قبلت صلاته ) .
قال العلماء : ينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ويخلص نيته لربه سبحانه
وتعالى .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ينزل ربنا تبارك
وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يدعوني فأستجيب
له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له ) .
وفي رواية لأحمد : ( من ذا الذي يسترزقني فأرزقه، من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفه عنه ) .
إنه واللهِ لفضل عظيم من رب كريم، فالمبادرة المبادرة يا أهل لا إله إلا الله، لا يفوتنكم هذا
الفضل العظيم، فإن ركعة في جوف الليل تناجي فيها ربك وتشكو إليه حاجتك وتظهر فقرك و
ضعفك خير لك من الدنيا وما فيها.
وقد قال عليه السلام ( ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها
ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم ) .
يتبع في اول رد . . .
وقد جاء في الأثر : ( واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس ) .
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قالت أم سليمان بن داود لسليمان: يابني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرا يوم القيامة ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يبغض كل جعظريٍ جوّاظٍ صخّابٍ في الأسواق،جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة ). والجعظري: الشديد الغليظ، والجواظ : الأكول، والصخّاب: الصياح .
وقد مدح الله عباده المتقين بقلة نومهم وكثرة صلاتهم، فقال تعالى : { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } . وقال : { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } .
فطوبى لمن كان منهم، أو سار على نهجهم، أو تشبّه بهم، فإن من تشبه بقوم فهو منهم .
وأنت ياعبد الله، إن لم تقدر على قيام الليل فاعلم أنك محروم، وأن ذنوبك قد قيدتك وأقعدتك على نيل تلك الدرجات، ففتش نفسك تجد أن العيب فيها، وبادر إلى الله بتوبة نصوحا لعلك تدرك ما فات قبل أن يداهمك الممات فلا يبقى إلا التحسر والندمات .
ومما يعين على قيام الليل:
كثرة التضرع والدعاء فإنه لا يسير إلا ما يسره الله ؛ وترك الذنوب وتجديد التوبة، وقصر الأمل بكثرة ذكر الموت والآخرة . وسلامة القلب من فضول هموم الدنيا، وأن يذكّر نفسه بفضل قيام الليل بين الحين والآخر .
وأن لا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام .
وأن لا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال التي تعيا بها الجوارح وتضعف بها الأعصاب .
وأن يأخذ بحظه من القيلولة بالنهار فإنها سنة للاستعانة على قيام الليل .
وأن يترك السهر بعد العشاء من غير فائدة، وليجتهد أن ينام مبكراً، فإن الذي ينام مبكراً لا يجد صعوبة في الاستيقاظ لأن جسمه قد أخذ بحظه من النوم والراحة .
وأن يأتي بالأذكار المشروعة قبل النوم، وليكن آخر كلامه ذكر ربه فإن من نام ذاكراً أعانه الله على قيام الليل ووكل به ملكاً يحفظه حتى يصبح .
وأن يحتسب نومه فيكون له طاعة، وتكون هذه الطاعة عوناً له على الطاعة بعدها من قيام الليل .
ومن أعظم ما يسهِّل قيام الليل : أن يمتلئ القلب بمحبة الله والشوق إلى لقائه حتى تصبح مناجاة ربه والخلوة به والأنس بذكره من أعظم ما يتلذذ به في هذه الحياة، وهو من أعظم ما أنعم الله به على أهل القيام، وإنك لتراهم يشتاقون إلى الليل اشتياق الحبيب إلى حبيبه، وهم الذين قال الله عنهم : {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
وفي ختام هذه الموعظة نذكر شيئا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته بالليل، نقلاًً عن الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد وذلك باختصار :
فصل في سياق صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل ووتره وذكر صلاة أول الليل
قالت عائشة رضي الله عنها ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل عليّ إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات ثم يأوي إلى فراشه .
وكان إذا استيقظ بدأ بالسواك ثم يذكر الله تعالى، ثم يتطهر ثم يصلي ركعتين خفيفتين، كما في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين وأمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ) رواه مسلم.
وكان يقوم تارةً إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، وربما كان يقوم إذا سمع الصارخ وهو الديك، وهو إنما يصيح في النصف الثاني وكان يقطع ورده تارة ويَصِلُه تارة وهو الأكثر .
يكون من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ).
وعن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن في الليل لساعة لا يوافقها
رجل مسلم يسأل الله فيها خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة ).
جزاك الله خير الجزاء وبارك فيك