قال الله تعالى
] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الأَلْبَابِ [
[آل عمران/190]
إن الله عز وجل بحكمته ورحمته خَلَقَ الليلَ والنهار، والشمس والقمرَ،
والظلماتِ والنور، والحرَّ والبرد، والشتاء والصيف؛ لحِكَمٍ عظيمة، ومنافعَ جسيمةٍ،
إن هذه المخلوقات من آياته، ودلائل قدرته وعظمته وتوحيده، فيها مصالحُ للعباد في ليلهم ونهارهم، في أمور دينهم ودنياهم.
يقول ابن الجوزي وابن القيم رحمها الله " ومن آياته سبحانه وتعالى الليلُ والنهار،
وهما مِن أعجب آياته، وبدائع مصْنوعاته؛ ولهذا يُعيد ذِكرهما في القرآن "
فلتأمَّل في هذا الفَلَك الدَّوَّار بشمْسِه وقمرِه، ونجومِه وبروجه، وكيف يدورعلى هذا العالَم هذا الدوران الدائم ،
على هذا النحو والترتيب والنظام، وما في ذلك من اختلاف الليل والنهار والفصول،
والحرّ والبَرد، وما فيه من مصالِح لشتى انواع الحيوان والنبات!
ثم نتأمَّل في الحكمة البالغة في الحر والبَرد ، وفي دخول أحدهما على الآخر بالتدريج،
والمُهْلَة حتى يبلغ نهايته، ولو دخل كل فصل على الاخر ما يترتب عليه مُفاجأة والأضرَّار بالأبدان وبالنبات،
فكل ذلك من العنايةُ والحكمة والرحمة والإحسان رب البرية فلله الحمدُ والمنة.
أقوال الصحابة والعلماء عن فصل الشتاء
كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : ألا أدلكم على الغنيمة الباردة ، قالوا : بلى،
فيقول : الصيام في الشتاء
[وصححه الألباني رحمه الله]
قال عمر رضي الله عنه: "الشتاء غنيمة العابدين".
وقال ابن مسعود: "مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
وقال الحسن: "نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".
ويقول رحمه الله: "لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباً".
وروى الإمام أحمد من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((الشتاء ربيعُ المؤمن))؛
وأخرجه البيهقي وغيرُه،
وزاد فيه: ((طال ليلُه فقامَه، وقصر نهارُه فصامَه)).
لماذا كان الشتاء ربيع المؤمن ؟
لأن المسلم يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزِّه قلبَه في رياض الأعمال الميسَّرة فيه،
يصلح دينُ المؤمن في الشتاء؛ بما يسَّر الله فيه منَ الطاعات؛ فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره
من غير مشقَّة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش؛ فإن نهاره قصير بارد،
فلا يحس فيه بمشقَّة الصيام، ففي المسند والترمذي،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصِّيام في الشتاء الغنيمة الباردة))،
وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يقول: ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟
قالوا: بلى، فيقول: الصيام في الشتاء.
ومعنى كونها غنيمةً باردة: أنها غنيمة حصلتْ بغير قتال، ولا تَعَب ولا مشقة،
فصاحبُها يحوز هذه الغنيمةَ عفوًا صفوًا بغير كُلفة .
وأما قيام ليل الشتاء، فلطولِه يُمكن أن تأخذ النفْسُ حظَّها من النوم، ثم بعد ذلك إلى الصلاة،
فيقرأ المصلِّي وردَه كلَّه من القرآن، وقد أخذتْ النفسُ حظَّها منَ النوم، فيجتمع له النومُه المحتاج إليه،
مع إدراك الورد من القرآن، فيكمل مصْلحة دينه، وراحة بدنه،
عن عبيد بن عمير أنه كان إذا جاء الشتاء قال:
يا أهل القرآن، طال ليلكم لقراءتكم، فاقرؤوا، وقصر النهار لصيامكم، فصُومُوا .
قال الله تعالى ﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
[الذاريات: 17، 18]،
وقوله: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
[السجدة: 16]
وقوله: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
[الزمر: 9] .
طرح راائع بارك الله فيك وسدد خطاك لكل خير
وهذه رحمة الله بنا ان جعل النهار قصير للصوم وفيه
الله يشرح صدرك للايمان وينور وجهك بنور طاعته
أسأل الله أن يسدد خطاك و أن يوفقك لمرضاته