المرض دون القساوة ، والقلب المريض هو المتذبذب بين السلامة والقساوة ، فهو يعلو حينا ويهبط حينا ، وهو القلب الذي تمده مادتان : مادة إيمان ومادة كفر ، وهو إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسى ، وإن غلبت عليه صحته التحق بالقلب السليم ، وخطورة هذا القلب وأهميته تتمثَّل في أن الشيطان لا يقرب القلب القاسي الميت فهذا لا مطمع له فيه ، ولا يستطيع أن يقرب القلب الحي وإلا احترق ، إنما يهاجم القلوب المريضة.
وخطورة هذا القلب كذلك في أن أمراض القلوب تفوق أمراض الأبدان كمّا وكيفا ، بل تتفاوت تفاوتا عظيما من حيث مدة المرض ، فالأمراض لها أعمار ، فمن مرض موسمي عارض إلى مرض مستحكم دائم ، ومن مرض ساعة إلى مرض شهر إلى مرض لا يزول إلا بموت صاحبه ، فكم سيطول مرضك ، ومتى الشفاء من العناء؟! كما تتفاوت خطورة المرض الواحد تفاوتا شديدا ، فمن إصابة حادة إلى إصابة مزمنة ، ومن مرض مؤلم إلى آخر مميت ، ومن مرض محدود الأثر لا يتعدَّى صاحبه إلى مرض مُعدي يضر بالمجتمع ، لكن .. وقبل الدخول في التفاصيل ..
ماهو المرض؟!
قال ابن القيِّم :
" والمرض يدور على أربعة أشياء فساد وضعف ونقصان وظلمة ، ومنه مَرِض الرجل في الأمر إذا ضعف فيه ولم يبالغ ، وعين مريضة النظر أي فاترة ضعيفة ، وريح مريضة إذا هَبَّ هبوبها كما قال :
راحت لأربعك الرياح مريضة ، أي لينة ضعيفة حتى لا يعفى أثرها ، وقال ابن الأعرابي : أصل المرض النقصان ومنه بدن مريض أي ناقص القوة ، وقلب مريض : ناقص الدين ، ومَرِض في حاجتي إذا نقصت حركته ، وقال الأزهري عن المنذري عن بعض أصحابه : المرض إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها. قال : والمرض الظلمة وأنشد :
وليلة مرضت من كل ناحية ** فما يُضيء لها شمس ولا قمر
هذا أصله في اللغة " .
أما من حيث الواقع والمشاهد ، فيكمل ابن القيِّم كلامه في موضع آخر فهو فارس هذا الميدان بلا جدال :
" كل عضو من أعضاء البدن خُلِق لفعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه ، ومرضه : أن يتعذر عليه الفعل الذي خلق له حتى لا يصدر منه أو يصدر مع نوع من الاضطراب ، فمرض اليد : أن يتعذر عليها البطش ، ومرض العين : أن يتعذر عليها النظر والرؤية ، ومرض اللسان : أن يتعذر عليه النطق ، ومرض البدن : أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف عنها ، ومرض القلب : أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة " .
نوعا المرض
وأمراض القلوب نوعان : أمراض تتعلق بالجوارح وهي الشهوات ، وأخرى تتعلق بالعقول وهي الشبهات ، وقد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي برزة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ، ومضلات الهوى » .
ومضلات الهوى هي الشبهات. قال ابن القيم :
" وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع والهوى على العقل ، فالأول : أصل فتنة الشبهة ، والثاني : أصل فتنة الشهوة ، ففتنة الشبهات تُدفع باليقين ، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين ، فقال : ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [ السجدة : 17 ] ، فدلَّ على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين "
كالعادة مواضيع قيمة ومفيدة ومهمة جدا
مشكووورة يا غالية
تحياتي الك
شوكو =)
جزاك الله خير جزاء الدنيا والاخرة