من الذي يكشف عما بداخل صدرك غير تلك اللغة ، ونبرة صوتك ..
من الذي يغرف آهات وأحزان قد تعصف بقلبك …
لغتك بالدرجة الأولى تسفر عن مكنون شخصيتك وتوجهاتك ،
فتنعكس آثار تلك اللغة إيجابا أو سلباً على من حولك ..
ما ظنكم بمن يملك لغة تبعث على الأسى والحزن ..
لغة يعصف بها اليأس والإحباط والتشاؤم ..
ترى في بعض المجالس نوعيات من البشر تحمل الطابع السلبي فهي يائسة محبطَة
لا تنظر للحياة نظرة شاملة ، بل نظرة من ركن ضيق وكأن الدنيا بأكملها تعني هذه النافذة الضيقة .
إن نفساً مشحونة بالأفكار السلبية ، ومترعة باليأس والإحباط لا تعرف سوى لغة واحدة
هي لغة النقد والتثبيط والتسخط والتشكي مع ما يتبعها من زفرات وأنات موجعه ..
إن الكون في نظر هؤلاء يحتاج إلى إعادة نظر بدءاً بالقارات والمحيطات
وانتهاءً بحدود دولتهم التي سيكون لها أوفر الحظ والنصيب من النقد اللاذع ، وتصيد الأخطاء
وتتبع العثرات بكل وجهٍ ممكن .
لو ابتعدت قليلاً عن هذه النوعيات ، وفكرت بأن تتابع ما يجري حول العالم عبر
ما تبثه الأخبار ستجد اللغة نفسها إحباط مخيم ، ويأس مدلهم ، وتضخيم للأحداث ،
وكأن العالم غرق بالطوفان فما عاد هناك بصيص أمل يبشر بخير .
وإذا جئت تتناول قهوة الصباح وقلبت يداك صحيفة يومية ، فقط بعد دقائق معدودة
ستظلم الدنيا في عينيك ، وما عليك هنا سوى إعادة برمجة ذاتك من جديد .
ونحن نتأمل هذه اللغة اليائسة المحبطة لشريحة ليست بقليلة من الناس ندرك أن أفهامهم قاصرة
؛ إذ العاقل اللبيب هو الذي يرى الواقع بعين منصفة ، فلا يقصر نظره على المساحات المظلمة
، بل ينظر بنفس العين للمساحات الشاسعة لدروب الخير ؛ حتى لا يصيبه اليأس والإحباط ،
ومن ثم ينزوي على نفسه ، وينكفئ على ذاته ، ولربما اعتزل مجتمعه .
إن التفاؤل في أحلك الظروف ، والنظر بعين أوسع شمولية يمنحنا فرصة لتغيير مسار
حياتنا نحو الأفضل ، وهذا خيرٌ لنا وأفضل من أن نندب حظنا ونبكي على الأطلال .
نحن بحاجة لأن نشحن نفوسنا ببطاقة ايجابية تمنحنا الشعور بالرضا عن أنفسنا أولاً
، ثم لمن حولنا ، وهذا لا يعني أن نتعامى عن الأخطاء التي نراها هنا وهناك فنرتضيها
جملةً وتفصيلاً ، إذ وجود الأخطاء ليس مبرراً أن تتحول لغتنا إلى يأس وإحباط ما تلبث
عدواه إلا وتنتقل لمن حولنا فتصيبهم بخيبة أمل ، ومهما يكن من أمر فلا يزال في الأمة
خير كثير ، لكننا لم نفسح له المجال أن يُترجم إلى صورة حية تبعث في النفس الأمل .
كم هو جميل أن نلتقط أروع الصور لتلك الايجابيات التي تملأ الواقع بدل أن نعتمه
بنظرات سوداوية يائسة تجعل الحياة عبئاً لا يُطاق .
وكم هو أجمل أن نتقن فنون إدخال السرور على الآخرين بخبر سار ، أو قصة جميلة
، أو انجاز رائع ، أو فكرة جيدة .
ما أجمل أن نُعَوِّد ألسنتنا على التلفظ بالعذب السلسبيل من القول ، فالكلمة الطيبة لها
وقع على النفس ، وهي مفتاح لكل خير ، وأداة في أيدينا نصنع بها الأعاجيب .