الحجر الأسود هو حجر بيضي الشكل، لونه أسود ضارب للحمرة، وبه نقط حمراء وتعاريج صفراء، وقطره حوالي ثلاثين سنتيمترا، ويحيط به إطار من الفضة عرضه عشرة سنتيمترات، يقع في حائط الكعبة في الركن الجنوبي الشرقي من بناء الكعبة على ارتفاع متر ونصف متر من سطح الأرض، وعنده يبدأ الطواف. وللحجر الأسود كساء وأحزمة من فضة تحيط به حماية له من التشقق، وهناك روايات غير مؤكدة تقول: إن جبريل -عليه السلام- نزل به من السماء، أو إن هذا الحجر مما كشف عنه طوفان نوح، والمؤكد أن إبراهيم -عليه السلام- وضعه في هذا المكان علامة لبدء الطواف. ويسن تقبيله عند الطواف إذا تيسر ذلك، فإذا لم يتيسر اكتُفي بالإشارة إليه.
فضل الحجر الأسود
ـ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن، فسوَّدته خطايا بني آدم" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
ـ وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس "جبل" كأنه مهاة بيضاء -أي بلورة- فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم. رواه الطبراني موقوفًا على عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح، أي ليس مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ـ وروى الحاكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبَّل الحجر الأسود وبكى طويلا، ورآه عمر فبكى لما بكى، وقال: "يا عمر هنا تُسكب العبرات". وثبت أن عمر -رضي الله عنه- قال وهو يقبله: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك"، رواه البخاري ومسلم.
ـ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا"، رواه أحمد في مسنده عن ابن عمر.
في ذلك الوادي الذي وصفه الله -تعالى- بأنه "غير ذي زرع" رفع إبراهيم وإسماعيل قواعدَ البيت الحرام، وعيونهما بين لحظة وأُخرى ترمق السماء، ويدعوان الله -تعالى- أن يتقبل عملهما ويجعله خالصاً لوجهه الكريم "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة: آية 127)، وما إن وصلا ببناء الكعبة إلى المكان الذي شاء الله -تعالى- حتى وضعا الحجر الأسود بجوار الكعبة.
أحداث تاريخية حول الحجر
(1) بقيت الكعبة على هيئتها من عمارة إبراهيم -عليه السلام- حتى أتى عليها سيل عظيم انحدر من الجبال، فصدع جدرانها بعد توهينها ثم بدأت تنهدم، فاجتمع كبراء قريش، وقرّروا إعادة بنائها.. وراحت قريش تنفذ ما قررته حتى ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن لها أن تضع الحجر الأسود في مكانه من الركن، اختلفت حول مَن منها يضع الحجر في مكانه، وأخذت كلّ قبيلة تطالب بأن تكون هي التي لها ذلك الحقّ دون غيرها، وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدي أن يحولوا بين أية قبيلة وهذا الشرف العظيم، وأقسموا على ذلك جهد أيمانهم، حتى قرّب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، وأدخلوا أيديهم فيها توكيداً لأيمانهم؛ ولذلك سُمُّوا "لَعَقَة الدم". وعظُمَ النزاع حتى كادت الحرب أن تنشب بينهم لولا أن تدخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي بعد أن رأى ما صار إليه أمر القوم، وهو أسنُّهم، وكان فيهم شريفاً مطاعاً، فقال لهم:
يا قوم، إنما أردنا البرَّ، ولم نرد الشرَّ؛ فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا؛ فإنكم إذا اختلفتم تشتت أُموركم، وطمع فيكم غيركم، ولكن حكِّموا بينكم أول مَن يطلع عليكم من هذا الفج [أو اجعلوا الحكم بينكم أول مَن يدخل من باب الصَّفا] قالوا: رضينا وسلمنا(5).
فلما قبلوا هذا الرأي أخذوا ينظرون إلى باب الصفا منتظرين صاحب الحظّ العظيم، والشرف الرفيع الذي سيكون على يديه حقن دمائهم، وحفظ أنفسهم.. فإذا بالطلعة البهية، والنور الساطع، انظروا.. إنه محمد بن عبد الله.. إنه الصادق الأمين.. وبصوت واحد: هذا الأمين قبلناه حكمًا بيننا.. هذا الصادق رضينا بحكمه.. ثمّ تقدم نحوه كبراؤهم وزعماؤهم: يا محمد، احكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون! نظر إليهم رسولُ الله –صلّى الله عليه وآله وسلم- فرأى العداوة تبدو في عيونهم.. والغضب يعلو وجوههم.. والبغضاء تملأُ صدورهم.. أيُّ قبيلة سيكون لها هذا الشرف العظيم، والفخر الكبير، إن حكم لقبيلة دون أُخرى؟ وهل سيرضون بحكم كهذا، وقد ملئت قلوبهم بغضاً، ونفوسهم حقداً، ووضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم، وعلت الرماح فوق رؤوسهم؟
في هذا الجو المرعب المخيف والمحاط بالشرّ، كلّ الشرّ، يقف الصادق الأمين ليعلن حكماً ينال رضاهم جميعاً، ويعيد السيوف إلى أغمادها.. الجميع سكوت ينتظر ما يقوله فتى قريش وأمينُها، وهو في هذا العمر (35 سنة) أمام شيوخ قريش وساداتها.. قال رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم-: هَلُمّ (هلمّوا) إليّ بثوب، الكلُّ ينظر إليه، ماذا يُريد بهذا محمدٌ؟ فيقول آخرون: انتظروا لنرى. أُتي بالثوب، نشره بيديه المباركتين، رفع الحجر ووضعه وسط الثوب، ثمّ نظر إليهم وقال: ليأخذ كبيرُ كلِّ قبيلة بناحية من الثوب. فتقدّم كبراؤهم وأخذ كلّ واحد منهم بطرف من أطراف الثوب، ثم أمرهم جميعاً بحمله إلى ما يحاذي موضع الحجر من بناء الكعبة حيث محمد بانتظارهم عند الركن.. تناول الحجر من الثوب ووضعه في موضعه؛ فانحسم الخلاف، وانفضَّ النزاع بفضل حكمة الصادق الأمين، التي منعت الفتن أن تقع، وحفظتِ النفوس أن تزهق، والدماءَ أن تُراق.
(2) أزال القرامطة -لعنهم الله- الحجر الأسود عام 317هـ، وقلعوه من مكانه، وقتلوا حجاج بيت الله، ودفنوا الناس أحياء في بئر زمزم الطاهرة، وذهبوا بالحجر إلى البحرين؛ فبقي إلى عام 339هـ، حيث أعاده الخليفة العبَّاسي المطيع لله إلى مكانه وصنع له طوقين من فضة، فطوقوا الحجر بها وأحكموا بناءه.
(3) في عام 363هـ دخل الحرم وقت القيلولة رجل رومي متنكِّرًا؛ فحاول قلع الحجر؛ فابتدره رجل يمني، وطعنه بخنجره فألقاه ميتًا.
(4) في عام 414هـ تقدم بعض الباطنية فطعن الحجر بدبوس؛ فقتلوه في الحال. وفي أواخر القرن العاشر جاء رجل أعجمي بدبوس في يده؛ فضرب به الحجر الأسود، وكان الأمير"ناصر جاوس" حاضرًا فوجأ (فضرب) ذلك الأعجمي بالخنجر فقتله.
(5) في آخر شهر محرم عام 1351 هـ جاء أفغاني؛ فسرق قطعة من الحجر الأسود، وسرق أيضًا قطعة من أستار الكعبة، وقطعتي فضة من المدرج الفضي؛ فأُعدِم عقوبة له وردعًا لأمثاله، ثم أُعيدت القطعة المسروقة يوم 28 ربيع الثاني من العام المذكور إلى مكانها، فوضعها الملك عبد العزيز آل سعود بعد أن وضع لها المختصون المواد التي تمسكها والممزوجة بالمسك والعنبر. وأول مَن ربط الركن الأسود بالفضة هو ابن الزبير لما أصاب الكعبة الحريق، وتصدع ثلاث قطع.
(6) في عهد السلطان عبد المجيد الثاني أرسل طوقًا من ذهب وزنه عشر أوقيات رُكِّب على الحجر الأسود بعد أن أُزيلت الفضة، وكان ذلك عام 1268هـ، ولم يُعلَم أن الحجر الأسود طُوِّقَ الذهب غير هذه المرة، ويقول الحضراوي: إن ذهب هذا الطوق من كنز وُجِدَ في شعب أجياد بمكة المكرمة.
(7) في سنة 1281هـ أرسل السلطان عبد العزيز العثماني طوقًا من فضة؛ فوُضِعَ مكان الطوق الذي أرسله السلطان عبد المجيد الثاني.
(8) في عام 1331هـ غُيِّرت الفضة المُحاطَة بالحجر الأسود، وذلك في خلافة السلطان محمد رشاد العثماني.
(9) في عام 1290هـ عُمِلَ له غطاء من الفضة في وسطه، فتحته مستديرة، قطرها 27 سم يرى منها الحجر، ويُستلم.
أول من ربطه بالفضة
كان ابن الزبير أول من ربط الركن الأسود بالفضة لما أصابه الحريق، ثم رقت الفضة وتزعزعت وتقلقلت حول الحجر حتى خافوا على الركن أن ينقض، فلما اعتمر هارون الرشيد سنة 189هـ أمر بالحجارة بينها الحجر الأسود فثبتت بالماس من فوقها وتحتها ثم رفع منها الفضة، وكان الذي عمل ذلك ابن الطحان مولى ابن المشمعل.