- في ذاك المستشفى الذي تتحرك إليه خطواتي سريعة متثاقلة ترقد على سريرأبيض نظيف بهي ولكنه جدا مزعج لنفسي وراحة بالي… ترقد صغيرتي ذات السبع سنوات.
- صغيرتي ذات الشعر الأسود المنسدل كالحرير على كتفيها الصغيرين …والعيون ذات اللون العسلي الصافي …وتلك البشرة البيضاء الصافية
- دخلت عليها حزيناً أُظهِر لها الفرحة.. في كل ما أملك من حواس إلا العينين… فلما رأت محيا أبيها …صرخت صغيرتي ذات اللسان اللدغ: أبتي حبيبي.
- فانكببت أقبل تلك الوجنات والعينين واليدين كالعاشق الولهان على صغيرتي فأخذت بالضحك، ضحك طفولي ينعش القلوب قائلة : بابا متى تكف عن تقبيلي.
- قلت: صغيرتي والله وددت أن أقضي بقية عمري أقبلُ حبيبتي الصغيرة.
- قالت: أبتي إني أخجلُ من تقبيلك لي وخاصة إن كان أحدٌ من " الناث " حولي.
- فضحكت وكم كنت أضحك من تلك اللدغة في لسانها لما تضفي عليها من طفولة وبراءة وجمال
- نظرت إليَّ صغيرتي قائلة: بابا خطرت لي" أثــئلة " عندما غبت عني
- ممكن اسألك؟
- تفضلي صغيرتي فكلي لك أذانٌ صاغية.
- قالت: متى " الإنــثان " يكون في " ثــعادة " ؟
- قلت: عندما يكون قلبه خاليا ً من هم الدنيا ومشاغلها.
- قالت: وكيف يكون ذلك؟
- قلت: لا يكونُ أبدا ً، فالدنيا همها أكبر من سعادتها.
- قالت: وما الحل ُ بابا حبيبي؟.
- ترقرقت الدموع في عيني من قولها
- فقلت: الصبر على البلوى ، وسؤال ربنا المولى.
- فقالت بكل لهفة وعفوية: بابا الرجل يبكي .انا ما رأيت رجل يبكي؟
- استغربت ُ سؤالها، وصمت مني اللسان لحظات، وكأن نفسي أوجست شيئا
- فقلت: صغيرتي ما دعاك لهذا السؤال؟
- قالت: لا شئ أبتي، ولكنه " ثــؤال " ورد في ذهني فجأة وأريد الإجابة عليه إذا " ثـمحت " .
- قلت: صغيرتي، نعم يبكي الرجال أحياناً
- قالت: كبكاء النــثاء ؟
- قلت: لا، " فالنـــثاء " أقصد النساء.. ضحكت صغيرتي بقوة حتى كاد قلبي أن يقف خوفاً عليها، ضحكت صغيرتي على أبيها عندما أخطأ فأخذت تقول وهي تقهقه: بابا لقد " أثــبحتَ " مثلي ، تأكلُ حروف الكلام فضحكت من قولها.
- فبادرت تقول: أكمل بابا
- قلت: أها، حاضر، نعم يبكي الرجال ولكن ليس كالنساء فالنسوة في طبعهن الحنوُ والحنان، يثير قلبها الحاني أي موقف مؤثر وإن لم يكن هذا فيها أو في أحد تعرفه.
- قالت: إذن متى يبكي الرجال؟
- قلت: يا حبيبتي ، يبكي الرجال في مواقف شديدة وخاصة عندما يعجزون عن التصرف فيها أو لا تكون لديهم حيلة
- قالت: متى أرى دمعة الرجل بابا؟
- قلت: ترينها يا صغيرتي في صرخة مقهور، ونار الغيور، وعند فقد العزيز،
- قالت: بابا، ما " تـقـثد " بالعزيز؟
- قلت: عندما يفقد الرجل أحب ما في الكون لفؤاده قالت: هل بكيتَ أمي يا بابا؟ .
- بنيتي يتيمه فقد فقدت أمها وهي في السنة الأولى من عمرها ولم أتزوج خوفاً على بنيتي الصغيرة من الضيم والظلم لامرأة الأب وسؤال تلك الصغيرة فاجأني وبعد صمت طويل وترنح فؤادي للذكريات وعيون صغيرتي ترقبُ الإجابةَ مني.
- قلت: نعم يا حبيبتي، بكيتُ كالطفل الرضيع على ماما ، بكيتُ كثيراً حتى أحسست أني سأموت من الحزنْ.
- قالت:بابا!
- قلت: قولي يا أعظم ما في حياتي وأمنيتي.
- قالت: بابا!
- قلت: ما الأمر يا غاليتي؟
- قالت: بابا، إن فقدتني في يوم من الأيام ارجوك لا تبكي .
- صدمت
- بل صعقت وبسرعة البرق حملتها من سريرها إلى حضني صارخاً لما تقولين ذلك بنيتي؟ هل تشعرين بشئ؟ هل يؤلمك أمرٌ ما؟ .
- قالت: وإبتسامة ترتسم على وجهها المزخرف بجواهر الحب والحنان والبراءة كم أحبك يا بابا عندما تهتم فيني
- أخذت الإبتسامة في الاتساع ورددت قائلة: لا تخف يا بابا ، فوالله ما فيني شيء
- غير لا احب ان اراك تبكي
- قلت: إذن لما قلتي ما قلتي ؟
- قالت *بابا إني " أثــمعُ " ممن حولي من أعمام وأخوال " وأثــحاب " يقولون إن أبيك لذو هيبة ورجولة في شكله وفعله
- فأحببت أن يكون ابي كما هو مهيبا ً كما تعود " الــناث " منه ذلك ، فلا تهتز " ثــورته " الرائعة عند " الناث.
- قلت: صغيرتي، لقد والله قتلتني بكلمتك وقد خفت كثيرا.
- قالت: بابا عدْني ألا تبكي .
صمت لحظات
وعاودت قولها بابا عدني أرجوك …، قل لي أنك لن تبكي إن فقدتني أرجوك قلها.
فقلت: لا عليك سأفعل ما تحبين صغيرتي.
قالت: عدني بابا.
قلت: إن شاء الله حبيبتي.
قالت: بابا عدني !
قلت: أعدك يا بنيتي ولكن لا تعودي لهذا الكلام مرة أخرى.
قالت: أعدك ألا أتكلم مرة ً أخرى إلا شيئاً أريد قوله الان فهل تـثمح لي؟.
قلت: قولي ما تشائين.
قالت:بابا ، إني أرى أمي أمامي، تناديني قائلة " تعالي يا صغيرتي " بابا، ما أجمل أمي وما أحلاها ، بابا أمي تدعوني اليها
بابا أريد ماما بابا أريد ماما،
تلك ماما …..، ماما خذيني معك وبصوت يتضأل ماما ماما خذذيني معك
صرختُ: لا، لا، لن أتركك تذهبين، لا يا صغيرتي، لا تتركي أبيك، لا بنيتي لا لا يا حبيبتي لا ، أرجوك ،
يا رب
يا الله بنيتي ،
يا رب ليس لي غيرها يا رب!
نظرت اليّ وبصوت رقيق
قالت: بابا وعدتني ألا تبكي كم أحبك يا أبي،… كم أحبك يا أبي،…
صمتت بنيتي عن الحديث فجأة، ولكنها مبتسمة
فهززتها أصرخ: صغيرتي، صغيرتي،
أرجوك يا صغيرتي،
آآآآآآآآآآآآآه
آآآآآآآآآآآه
يا ويلي،
اماتت بنيتي…
اماتت صغيرتي،…
اماتت حبيبتي…
ماتت اليتيمة …
ماتت اليتيمة ويتمتني،…
كنت أعلم من مرضك الخبيث أنك سوف تموتين ولكن ليس الآن يا صغيرتي.
ليس الان يا حبيبتي
ليس الان يا غاليتي
انهمرت الدموع من عيني …
وقعت دمعة على خدها الأبيض الشفاف البرئ
فمسحتُ الدمعة وقلتُ لبنيتي الصغيرة: سامحيني صغيرتي، سامحيني لا أستطيع وقفَ دموعي.
سامحيني حبيبتي
أخذت تلك الجوهرة الثمينة الى حضني ودموعي تنهمر بغزارة ولكن بلا صوت أقول في نفسي " هنا يبكي الرجال "
هنا يا صغيرتي
هنا يا حبيبتي يبكي الرجال
العتاة القاسية قلوبهم أشباه الجبال.
هنا يبكي الرجال
وداعا ً يا صغيرتي ،
وداعا ً يا صغيرتي وداعا ً الى الأبد وداعا ً يا صغيرة َ أبيها
وداعا ً يا مهجة حانيها
وداعا ً يا ثمرة ْ لم أجنيها
وداعا ً وداعا ً يا براءة الطفولة وداعا ً يا سؤالي وحلوله،
وداعا ً يا نسبي وأصوله وداعا .ً
سأفتقد تلك البسمات والجدائل الصغيرة الناعمات وحروفٌ تحولت لثائات وداعا
وداعاً وداعُ مودع يودع وداعا ً…..
يامن للموت تجرع وداعا ً ……
صرخة فيها أُسمِع وداعاً …..
وداااااااعا ً يا أجمل يتيمة…….
يا إغنى وأغلى قيمة يا نظر العين وديمه وداعاً كتبتها من سنين وكنت أظنها تدمع العين
ليست قصة حدثت معي بل مع صديق لي وأنا رويتها بتصرف.