وقد يلاحظ الزائر لبيت دمشقي تاريخي اهتمام اهل الشام بتزيين وزخرفة الدور من الداخل وكانوا ينظرون في البناء الى ثلاثة مقاصد في آن واحد هي المحافظة على الدين والصحة وطبيعة الاقليم معا.
والنافذة في البيت الشامي كما يصف موقع (ميدل ايست أونلاين) لابد منها لنفوذ النور ودخول الشمس وتجديد الهواء وكانت تفتح على صحن الدار والايوان والمشارق الواسعة فقط ولا تفتح على خارج الدور كالطرق بحيث يظل كل ما في الدار ضمن جدرانها ولا يتعداها بعيدا عن انظار الغريب والقريب على السواء.وتكون صحن الدار معرضة للشمس الساطعة من الصباح حتى المساء يتخللها الهواء النقي.
ويقال ان اول بيت عربي شيد في دمشق كان للخليفة معاوية بن ابي سفيان حيث شيد داره التي عرفت بدار الامارة وبقصر الخضراء ايضا نسبة الى القبة الخضراء التي كانت تعلوها وكانت الى جوار الجدار الجنوبي للجامع الاموي الكبير تتصل به بباب خاص.
وعن الخصائص الجمالية والهندسة للبيوت الشامية القديمة يقول المهندس فرح العش «ان اجمل وصف قراته للبيت الدمشقي هو ماكتبه احد الباحثين الاجانب حيث شبهه بالمرأة المتحجبة التي لا يرى من محياها الا ما ندر» مضيفا ان «الوصف بأبسط معانيه فيه العبرة التي اذا اردنا ان نصف البيت الدمشقي فيه لكان العبرة في البساطة الهندسية والتكوين والتشكيل الخارجي وروعة ودقة وابداع».
والبيوت والدور الاثرية والتاريخية التي يمر بها الانسان في دمشق القديمة لا يمكن ان تحمل هذا الوصف الا حين يدخلها المرء ويشاهد ما يستره الحجاب من عظمتها ومن البساطة والحشمة فيرى الزائر جدرانا باسقة وزخارف هندسية وفنية متناغمة واشجارا ونباتات متنوعة.وعندما يدخل الزائر احد البيوت الشامية القديمة العريقة فاول ما يواجهه عند بوابتها ما يسمى «الخوخة» التي تسمح بمرور الانسان وحيدا ضمن بابا البيت الكبير.
وهذه الابواب جزء من تاريخ العمارة العربية القديمة اندثرت صناعته منذ زمن بعيد اذ كان الباب الدمشقي يصنع من الخشب قطعة واحدة- درفة واحدة- وغالبا ما يكون خشبا مغلفا بالزنك وهناك نوع من الخشب المقوى وهما نموذجان بسيط مؤلف من درفة واحدة واخر كبير ضخم مؤلف من باب مرتفع يتوسطه اخر صغير لدخول الشخص وهو عادة من ابواب الاعيان والاغنياء وفي كثير من الاحيان يكون الطرف العلوي للباب على شكل قوس.
اما مفردات البيت الشامي من الداخل فتبدأ بعد دخول البيت من الخوخة وفي الطريق لصحن الدار يمر الزائر بدهليز (ممر ضيق ومعتم) اذا دخله يقف امام فسحة ضخمة مفتوحة الى السماء تزينها الاشجار والنباتات الشامية العريقة والزهور الدمشقية النادرة.
فهناك الياسمين وشجر التوت والنارنج والكبار والليمون الحلو والحامض والبرتقال وهي من الاشجار التي لا يتبدل ورقها ولا يتساقط لا في الصيف ولا في الشتاء بل تظل خضراء نضرة طوال العام وهكذا يكون صحن الدار كروضة غناء تغني عن الحدائق الخارجية للقاطن.
واذا سار الزائر بين هذه المساحات الخضرية الرائعة يجد بساطا من الزخارف المنفذة من الرخام المشقف والزخارف الحجرية السوداء والبيضاء حيث يلاحظ وسطها القبب السوداء والبيضاء ويتوسط هذه الفسحة السماوية البحرة المنفذة من الاجر المشوي والمكسوة احيانا بالرخام واحيانا اخرى باحجار سوداء وبيضاء وتزينها خيوط هندسية وفنية منحنية تتوزع على حافاتها الواح من الرخام او الحجر المزرر والمفصص باللونين الاحمر والابيض.
ومن مفردات البيت الشامي «الليوان» وقاعات الاستقبال والضيافة حيث لايخلو سقف الليوان من الزخارف الخشبية المنفذة بعدة اشكال فيرى الزائر في صناعتها الحشوات والملايات والسراويل وغيرها.
وهذه العناصر التزيينية توزع لتعطي في لوحتها النهائية هذا الديكور الفريد من نوعه ويتوزع فيه فتحات جدارية فيها الكوى وهي ذات ابعاد صغيرة وتستخدم للشمعدانات وقناديل الكاز او في بعض الابنية تجد فيها فتحة جدارية كبيرة ينسكب منها الماء من الاعلى وعبر نظام تمديد للمياه العذبة التي تذهب في حوض البحرة وهكذا يجد الزائر مرآة تعكس نفسها فصوت الماء وجريانه والجو الرطب الذي يصنعه .
وكأنه مكيف هواء ولا تخلو أي دار من هذه الدور الاثرية من قاعة رئيسية للضيافة. والاستقبال ولا تخلو هذه من ارضية متفاوتة المناسيب لتخلق تيارات هوائية رطبة وعازلة وحافظة لدرجة الحرارة المعتدلة حيث الارضية الاساس عند المدخل والقطر الذي يرتفع بارضية عن الاولى فتكون هذه القاعات بقطر واحد او اثنين او ثلاثة احيانا.
ويكسو جدرانها الرخام المشقف والمطعم بالصدف او يكون منقوشا من الحجر الزاخر بالفن والابداع والاسقف يتوسطها ويحملها قوس حجرية ضخمة مزخرفة.وفي التوزيع العام تقسم هذه البيوت الى ثلاثة اقسام وهي السلملك للرجال والحرملك للنساء والخدملك للخدم.
اما بالنسبة للاثاث فكانت لغرف الدار دكات وعتبات فالدكات تغشاها دفوف خشبية تفرش اولا بالحصير وفوقه تمتد الطنافس والبسط وعلى اطرافها توضع المقاعد الطواطي او الدواوين ومساندها المغلفة بنسيج موشى معروف باسم دامسكو أي الدمشقي وهو نسيج مخملي منقوش نقشا فاتنا لطيفا وهذه الصناعة فقدتها دمشق واستعاضت عنها بنسيج صوفي او قطني.
وفي الطوابق الاولى هناك منشر للغسيل يسمى المشرفة وهو شبيه بالفسحة السماوية واذا وجد اعلى من هذا الطابق نجد غرفة لا اكثر تسمى الطيارة ويفصل ملكية البناء في الاسطح جدار خفيف الوزن مصنع على نموذج البغدادي ومكسو باللبن الطابوق- او الكلس العربي ويسمى بجدار الطبلة. واذا دخل الزائر المطبخ يشاهد مفرداته في البيت الشامي وهي المدخنة والموقد ومكان تخزين الحبوب وبيت المونة- السقيفة- ويجد في اسفل الدرج او في اسفل الجدران الداكونة الخرستانة.
واذا ما انتهى الزائر من داخل الدار ووصل الى الدهليز يصل الى باب الخروج الذي دخل منه وهناك يتأمل البوابة الضخمة التي تتمفصل مع ساحق الباب ويغلق بزعرور أي مفصل اسطواني من صلب خشب الباب ومصفح بالصاج السميك ليحميه من تآكل الاحتكاك.
وهناك الساقط الذي يرفع وينزل وهو وتر خشبي داخلي وكذلك يشاهد القنصلية (كونسول) وهي من مفردات البيت الشامي حيث فيها مراة جدارية وطاولة بيضاوية الشكل.
وينتشر في احياء دمشق القديمة البيت العربي الرشيق ذو الطابقين المبني في اساسه من الحجارة وفي جدرانه العلوية من اللبن والخشب وسقفه من الخشب والتراب الذي اثبت مقاومة مقبولة امام الذات وقابلية كبيرة لاضافة الملاحق وللتوزيع في التزيينات والزخرفة.
وشاع في دمشق القديمة استخدام الشرفات المطلة على الحارات والازقة من الاعلى بنوافذ واسعة وكذلك شاع استخدام المساحات الهوائية من الممتلكات العامة عن طريق بناء امتدادات للطابق العلوي على قناطر فوق الطرق والازقة والحارات واستخدام السطوح لاستقبال الهواء النقي واشعة الشمس عن طريق مصاطب وحدائق علوية وحجرات اضافية صغيرة وخاصة بعنايتها بالحجرات الداخلية وتزويدها بتجهيزات اضافية تستوعب مقتنيات الاسرة بالاضافة الى الاثاث ومواد المؤونة.
وكانت وسيلة تدفئة البيت الشامي القديم هي الموقد الحديدي او النحاسي الذي يملأ فحما ويوقد في خارج البيت ويترك الى ان يتطاير منه الغاز ثم يؤتى به الى الغرفة فيدفئها دفئا معتدلا ومع الزمن تم استبدال الموقد ب«الصوبة» التي يكون وقودها اما الحطب او الديزل.
ومع مرور الزمن فقدت بعض الدور رونقها وزالت المحاسن التي كانت تحويها من سعة واتقان مما ادى الى هجران البعض الى الاحياء الحديثة.وقد انتبهت الجهات المعنية بالمحافظة على هذه البيوت القديمة وقامت بشراء بعضها وحولتها الى متاحف للتراث وشجعت كل من يمتلك بيتا من هذه البيوت على ترميمه وادخال اصلاحات او اضافات عليه تتواكب مع العصر شريطة عدم المساس بأساسيات القديم.
وفي هذا الاطار تقوم شركات الانتاج الفني التلفزيوني او السينمائي باستئجار العديد من البيوت القديمة لتصوير نتاجهم فيها خاصة تلك المسلسلات التي تصور مرحلة من التاريخ الدمشقي المعبر عن فترة الخمسينات والستينيات وما قبلها.
الله يــ ع ـطيك آلف ع ـآفيه .
بنتظــآر جديدك آلقــآدم دومــآ
دمتِ بحفظ الله
رينـــآاآد . .