مقارنة بين النظرة التكاملية الإسلامية بين الرجل والمرأة والنظرة التنافسية العلمانية
نشهد في هذه الأيام صراعاً فكرياً وعقدياً على صفحات الجرائد والمجلات ، ووسائل الإعلام المختلفة والمنتديات حول مساواة المرأة بالرجل في مجالات العمل ، ومزاحمته والاختلاط به في النوادي والملاهي والمؤتمرات ، وشتى التجمعات .
وذلك بسبب تزايد ارتفاع الأصوات العلمانية المدعومة من الغرب في هذه الأيام بمثل هذه الدعوى ، والترويج لها ، خدمة وتطبيقاّ للنظرة العلمانية الغربية في الدعوة إلى المساواة بين الرجل و المرأة في كافة الحقوق والواجبات .
على الرغم من أن النظرة الغربية لا تستند إلى مبادئ أخلاقية ، ولا إلى حقائق منطقية عقلانية ، و لا إلى دراسات علمية تجريبية ، وإنما تستند إلى ثورة عبثية
لا أخلاقية على الأديان والأخلاق والقيم والفضائل قامت بها الثورة الفرنسية والانجليزية وغيرها من الثورات التي توالت في الغرب ضد الدين والكنيسة والأخلاق والقيم . ثم روّج لها الاستعمار في دول العالم الثالث ومنها دول العالم الإسلامي بعد أن وجد في هذه الدول حلفاء مارقين عن دينهم وقيمهم وأخلاق مجتمعاتهم من المنافقين العلمانيين والذين في قلوبهم مرض الشهوات والشبهات . فكانوا قوة وسنداً للمستعمرين في فرض هذه النظرة على بلدانهم ، وترويجها بالنيابة عنهم .
وللرد على هؤلاء ومعلميهم الغربيين ، نعقد المقارنة بين النظرة التكاملية الإسلامية بين الرجل والمرأة ، والنظرة التنافسية العلمانية التي تقوم على دعوى المساواة بينهما ، ومنافسة المرأة للرجل في كافة الحقوق والواجبات .
النظرة الإسلامية :
إن حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام أنها علاقة تكاملية وليست علاقة تنافسية كما هي عند الغرب . بمعنى أن كلاً منهما يكمل الآخر .
فالإسلام ينظر إلى الرجل والمرأة على أنهما شيء واحد هو الإنسان ، وأن هذا الإنسان جنسان أو قُل جزآن متكاملان هما الرجل والمرأة ، وأنهما ليسا متساويين في التكوين والقدرات ، وبالتالي فيستحيل أن يتساويا في الحقوق والواجبات ، لأن المساواة في أي شيء بين المختلفين نقص في العقل ، وظلم في الحكم . وإن من حكمة الله الخالق جل وعلا أنه لم يجعل الاختلاف بين الرجل
و المرأة في التكوين الجسمي والنفسي اختلاف تضاد ، بل جعله اختلاف تكامل . فطبيعة الرجل الجسمانية مكملة لطبيعة المرأة ، وكل منهما لا يستغني عن أن يكمّل نفسه بالآخر، ولذلك أصبح الزواج ضرورة إنسانية ، نظراً لأن الجنسين
لا يمكن أن يستقل أحدهما عن الآخر .
كذلك فإن بقاء الجنسين في هذه الحياة لا يكون إلى عن طريق هذا التكامل ، ولو استقل كل منهما عن الآخر ليكون منافساً له – كما تصوره النظرة التنافسية العلمانية التي تدعي المساواة – لفنيَ بنو الإنسان ، وانتهت الحياة .
إن قوة الرجل الجسمانية والنفسانية تناسب مواجهة ظروف الحياة الخارجية للأسرة لحمايتها وتموينها ، وإن ضعف المرأة الجسماني والنفساني يناسب الطمأنينة والسكينة التي تحتاجها الأسرة في جوها الأسري الداخلي .
ولذلك فالعلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة تحيط الأسرة بسياج أمني لحياتها المعيشية ، وجوّ مخملي لطيف لحياتها النفسية والاجتماعية .
إن المرأة ليست أقل ولا أكثر من الرجل في قيمتها الإنسانية ، ولا منزلتها الإيمانية ، فهما سواء في القيمة ، ولكنهما مختلفان في الدور والوظيفة .
إن كلاُ من الرجل والمرأة إنسان مكلف في الإسلام ، ولكن وظيفة كل منهما في الحياة تختلف باختلاف طبيعته الجسمانية والنفسانية ، واختلاف إمكاناته الفطرية التي فطره الله عليها .
هذا هو عدل الإسلام ، ورحمة الإسلام ، وحكمة الإسلام .
إن الرجل والمرأة لكل منهما في الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم دوره الذي يكمل دور الآخر ، ووظيفته التي لا تتعارض مع وظيفة الآخر ، وقُل إن شئت إنهما شيء واحد جزآه يكمل بعضهما الآخر .
النظرة العلمانية :
أما العلاقة التنافسية بين الرجل والمرأة القائمة على دعوى المساواة بينهما ، كما في النظرة العلمانية ، فإن من صفاتها :
1/ أنها تقوّض الأسرة التي هي نواة المجتمع الأولى بإبعاد المرأة عن دورها الأساسي في الأسرة وهو الأمومة ورعاية الأسرة ، وتحرم الطفولة من رعاية الأمومة وحنانها ، وتجعل المنزل أشبه بالفندق أو النادي الذي يعج بالفوضى والمتاعب .
2/ أنها تقوّض الحياة التنموية والاقتصادية حين تخرج المرأة إلى ميادين الرجل لتنافسه ، وتحرمه كثيراً من فرصه الوظيفية ، وأدواره التنموية ، مع قصورها عن أداء دوره ، والقيام بمهمته . ولا يخفى أن معظم معاناة كثير من دول العالم لمشكلة البطالة ، إنما كان سببه مزاحمة النساء للرجال في وظائفهم ، مع ترك البيوت شاغرة عمن يشغل وظيفة الأمومة والرعاية الأسرية .
3/ إن خروج المرأة للعمل أو غيره مقروناً بدعوى الحرية – كما في النظرة العلمانية – يقوّض الأخلاق ، ويدفع بالمرأة إلى الانحلال والتبذل ، ويعرِّضها للابتزاز ، ويشيع الفواحش والفضائح في المجتمعات ، ويبدد معاني العفة والفضيلة والاحتشام .
ونتائج ذلك مسجلة في الإحصاءات الغربية حيث تتضاعف فيها معدلات الزنا والاغتصاب والجرائم الأخلاقية المتنوعة مئات الأضعاف عن غيرها من البلدان الملتزمة بالقواعد الأخلاقية ، والحياة الطبيعية للإنسان .
4/ إن العلاقة التنافسية وفق نظرية المساواة بين الرجل والمرأة ، تشيع روح العداء و التسخط بين الجنسين ، كما تحيل العلاقة بين الجنسين من علاقة مودة ورحمة إلى علاقة تحدٍ واستعلاء .
وهذا معروف في صرخات التحدي والمطالبات والشكوى المرة التي ترتفع في الجمعيات النسائية المشحونة بالكره والحقد على سلطة الرجل السائدة في المجتمع . وأكثر ما تكون في المجتمعات الغربية التي تدعي المساواة بين الرجل والمرأة ، وذلك لأنها في نفس الوقت تشحن المرأة بمشاعر القهر والظلم وروح التحدي والعداء .
5/ إن هذه الروح العدائية للمرأة ضد الرجل في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات العلمانية ، وهذه المطالبات النسائية الحقوقية للمساواة بالرجل ، لن تجدي شيئاً ، ولن تغيّر من طبيعة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها . فستظل المرأة امرأة والرجل رجلاً . وستظل السيادة خارج المنزل للرجل في أي مجتمع كان . وإن ظهر بعض المسترجلات الشواذ من النساء في أدوار رجالية ، فستظل المرأة التي أخرجتها الفلسفة الغربية العلمانية من وظيفتها الإنسانية العظمى وهي الأمومة ورعاية الأسرة ، ضحية السير في الطريق المعاكس للفطرة والحياة الطبيعية الإنسانية .
6/ إن جريمة إبعاد المرأة عن دورها الأسري الذي يتمثل في الأمومة ورعاية الأسرة ، والزج بها في الشارع المزدحم بشتى المنافسات ، هي جريمة العصر الذي نعيشه الكبرى ، والتي تولى كبرها فلاسفة الغرب الملاحدة وحكوماته الاستعمارية الماكرة ، وعمل لهم في بلدان الإسلام منافقوا هذه الأمة ومغفلوها ، حتى أصبحت قضية العصر التي تتردد على كل لسان ، وينعق بها كل ناعق .
لذا فإنه يجب إيقاف هذه الدعوة الشاذة المنحرفة عن بلاد المسلمين ومحو آثارها السيئة من مجتمعاتهم ، و إن كانت بلدان إسلامية كثيرة قد ابتليت بها قهراً ، أو بسبب الترويج العلماني الماكر ، فإنه يجب أن ترفض رفضاً باتاً في بلد الحرمين الشريفين ، ويحاسب مروجوها ، ويحاكموا بحكم الإسلام الذي شرعه الله لعباده في هذه الحياة الدنيا .