بسم الله الرحمن الرحيم
المدرسة وحيدة لا تكفي ولن تجدي
وأية علاقة تجمَعُ بينهما؟
إنَّنا نُسجِّل بمرارة وأسَف أحداثَ التراشُق بالاتهامات بيْن المدرسة والأسرة ، تقول الأولى: أنتِ سبب الفِتن ما ظهَر منها وما بطَن، وتقول الثانية: أنتِ أصْل المشكلات والمنكرات، ما خفِيَ منها وما جَلِي.
الأزمة واقعة، والأحداث ساخنة، والمشاهدون كُثر، لا يُنكر ذلك إلا متجاهِل، أو خائفٌ أن يُتهم فيُحاسب على الإهمال والتفريط في أمْر لا يَليق فيه التفريطُ شرعًا وعقلاً، وعادةً وأخلاقًا، وصورة الواقع غير خافية، وأخصُّ بالذِّكْر الذي يعيش في الفصل مدرسًا، أو في الإدارة مديرًا أو مشرفًا، أو مَن يجاور أسوارَ المدرسة فيتعرَّف على الحقائق من خلال ما يرَى ويسمع.
ومن الطبيعة الفاسِدة في صفوف المسؤولين أنهم يُروِّجون لمقولة:
"كل شيء على ما يُرَام" ويَتَّهمون مَن يقول الحقيقةَ أو بعضها بالمتشائم.
ولا يضرُّنا أن نوصَف بالمتشائمين إذا كنَّا نقول الحقيقة أو أجزاءً من الحقيقة، أو على الأقل ما نظنُّه عن حُسْن نيَّة حقيقةً.
أما (المخطِّطون) و(المبرمجون) و(المسؤولون) ، فيُغنُّون ويشذُّون خارجَ السرب، يملؤون الوثائقَ والتقارير، ويحرِصون على ذلك كلَّ الحرص.
وفي الذي يلي ستعرِفون – إن شاء الله – بعضًا مِن الإشكال، وأبعاضًا من الحل، فما كان مِن كلامي صوابًا فمِن الله وبفضله، وما كان خطأً فمِن نفسي ومن الشيطان:
• الكَسَل في الصفوف المدرسية وغيرها مرتبطٌ بجرثومة معنويَّة، وقد تكون لها أبعادٌ ومظاهرُ مادية وهي جُرْثومة الكسل والإهمال، فإذا دبَّتِ الجرثومة في ذات التلميذ أو الطالب، ولو كدبيبِ النمل والحلزون، حالتْ دون اجتهاده وتحصيله، وقادتْه إلى الإهمال والتهاون قيادة.
إنَّ جرثومة الكَسَل والإهمال مُعْدِية، قد تنتشر في صفوف التلاميذ انتشارَ النار في الهشيم، وقد وقَع ذلك فعلاً، وتؤثر – بالأثر البالغ – في عقْل التلميذ ونفْسه وقلْبه، فتغيِّر اهتماماتِه وتمثلاته، وخلفياته وأولوياته.
تُعاني مدارسُنا اليوم من آفةِ جراثيم الكسل، الكسل وما أدراك ما الكسل؟ هذه الجراثيم التي غفَل عنها الباحِثون والدَّارسون في المجالات التربويَّة والاجتماعيَّة والنفسيَّة، ممَّن شرِبوا من كأس الثقافة العلمانيَّة، واتجهوا يُطبِّلون ويُزمِّرون، ويدندنون كالسَّكارَى في أمور أُخرَ لا ترتبط بالمسألة إلا ارتباطًا جزئيًّا.
واتَّجهوا تائهين باحثين – بحْثَ حاطب في ليْل حالكٍ ظلامُه كلَيلِ تِهامة – عن أمورٍ أخرَ لا ترتبط بالمشكلة إلا ارتباطًا جزئيًّا، شكليًّا فرعيًّا، فعادوا بالأفاعي والعقارب يحملونها على ظهورِهم يظنُّونها علاجًا للداء، فكانت داءً.
ليس المشكِلُ في المدرسة ذاتها، ولا في المناهج الدراسية؛ إنما المشكل أصلُ الداء، والإشكال في جُرْثومة الكسل، والإهمال والضلال، فإذا استطعْنا أن نقضيَ عليها أو أن نُخفِّف من حِدَّتها وانتشارها، تمكنَّا فترتئذٍ من إرْجاع الناشئة، والكُسَالى من الضالِّين إلى جادَّة الصواب، وطريق الرشاد.
وقد تكون للجُرْثومة جوانبُ وراثية تتكوَّن عبرَ المسالك الثقافية ، وهذه آفةٌ خطيرة، فأوَّل خُطوة لإصلاح المدارس هي تشخيصُ الجرثومة التشخيصَ المناسب، وفَهْم طبيعتها وخصائصها الفَهْمَ الملائم، ثم التصدِّي لها بالوسائل المناسبة، والأسلحة الفعَّالة الفتَّاكة.
جُرْثومة الكسل تقتُل في التلميذ الرَّغبة في البحث والمشاركة الفعَّالة المنتِجة، وتبعده عن جادَّة الصواب، فمهما غُيِّرَتِ المقررات والمناهِج والبرامج، ومعايير التقويم والتقييم، وأساليب التدريس والبحْث والتفكير، فلن يُجديَ ذلك نفعًا ما لم نهتمَّ بالأمراض المنتشِرة في صفوفِ التلاميذ بالمدارس، وأصل المرض آتٍ من خارجِ أسوار المدرسة.
ويُخطِئ من يرى أنَّ المدارس كالمستشفيات، يمكن أن تعالَج فيها الأمراض والأوبئة ومختلف العاهات، فمدارِسُنا غير مؤهَّلة لذلك، فإنها لم تُوفِّر للعاملين بها ما يحتاجونه مِن عتاد (ديداكتيكي)، ووسائل ومساعدات، فأسوار مدارسنا – رضي الله عنها – مهدَّمة، ونوافذها مُهشَّمة، والعاملون بها مُحبَطون، ثم إنَّ العاملين بالمؤسَّسات التربوية من أساتذة وإداريِّين، ليسوا أطباءَ ولا كالأطباء، فما تلقَّوْه في المراكز التكوينية لا يُؤهِّلهم لذلك، ولا لأقلَّ منه، وأخشى أن تنتشرَ العدوى من التلاميذ إلى مُدرِّسيهم، فيزداد الوضع سوءًا على سوء.
تـــــــــآبع
• وكلَّما تقادمتْ جُرْثومة الكسل في الجِسم عسُر التغلُّب عليها، فتستطيع اقتلاعَ الجبال من مواضعها، ولا تستطيع اقتلاعَ العادات المترسِّبة.
• يمكن للأستاذ أن يُسهِم في تثبيت المرض، كما يمكن أن يُخفِّف من وطأته على نحو جزئيٍّ لا كُلي.
• مِفتاح المشكل بيْن يدي أُسرة المريض، وليس مِفتاحًا نهائيًّا؛ لأنَّ هناك عواملَ خارجية تُعرقل أو تشوِّش على عمليات الإصلاح والعلاج، كوسائلِ الإعلام والاتِّصال، والجيران والمجتمع، والأفكار السائدة، والنماذج المروَّج لها، ونوْع القِيَم، وطبيعة الأنظمة السياسية، وأنواع الطموحات، كل ذلك يؤثِّر، وقد يقلُّ تأثيره، وقد يقوى:
أ- يقلُّ تأثيره إذا كانت البرْمَجة الأسريَّة التي تعرَّض لها الطفل قويَّة وفعَّالة.
ب- يَقْوى تأثيرُه إذا كانتِ البرمجة التي تعرَّض لها الطفل هشَّةً غير فعَّالة.
فيجب على أولياء الأمور والأُسر. تأهيلُ أبنائها لطلب العِلم والتمدرُّس، والتحصيل المفيد النافع في الدارين، والتفاعُل الإيجابي مع المدرسة ومحيطِها تفاعلاً مثمرًا، أما أن يُهملوا ويتهاونوا، ويُحمِّلوا المدرسة والعاملين بها ما يُطيقونه وما لا يطيقونه، فهذا غيرُ معقول، ولا يتَّفق مع المنقول، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته، والرِّعاية درجات ومراتب، والأسرة أوْلى بالرِّعاية من المدرسة.
لا يُمكن للمدرسة أن تصنَعَ الرغبة في صفوف مَن فقدوها؛ وجاؤوا مِن بيوتهم إلَيْها أصفارًا، أو كالحُمُر تحمل أسفارًا.
وقد ركَّز المخطِّطون والمبرمجون في مجال المدرسة على المناهج والأساليب والأدوات، فحمَّلوا الإدارةَ التربوية والأساتذةَ مسؤوليةَ ما حدَث ويحدُث، وتناسَوْا عن جهل أو تجاهلٍ الواقعَ الأُسَري للطفل، حيث لا تؤهِّل جلُّ الأُسر أطفالَها ليكونوا تلامذةً؛ من سوء التربية التي تلقَّوْها أو يتلقونها في محيطهم الأُسري والاجتماعي والعالمي بصُور مباشرةٍ، وغيْر مباشرة.
يُمكِن القول: إنَّ الأُسر مغلوبةٌ على أمرها مِن جهة، وتتحمَّل المسؤولية مِن نواحٍ أُخَرَ:
مغلوبة على أمرها: لأنَّ ابنها يتعرَّض لتأثيرات قوية، وحملات عنيفة، توثِّر فيه أبلغَ الأثر؛ بل يُهاجم في عُقْر الدار بأدوات الإعلام ووسائله المختلِفة، المبنيَّة على أفكار صِهْيونيَّة تدميرية، فالتنافر بيْن وسائل الإعلام والمدرسة وقِيَمها، والأسرةِ ومبادئها أوضحُ من الشمس في يوم مشمسة .
ويتحمَّل المسؤولية: لأنَّه أب أو لأنها أم، فيجب أن يُحصِّنَ ابنه من كل الآفات والشرور، ويلقحه بالمضادات الحيوية الفعَّالة المؤهّلة لصنع الفرد الصالح، وقد جرَتِ العادة أنَّنا نلوم الراعي إذا ضاعتْ منه شاة من الشِّياه؛ ولا نلوم الذِّئْب.
أُحبُّ أن أختمَ بهذه الكلمات المركزات، أوضِّح بهنَّ المشكلات؛ لتنبثق عنها سؤالات، فتسهل الجوابات:
• يوجد محرِّك المدرسة خارجَ أسوارها.
• تتحمَّل الأسر عبئًا ثقيلاً، وتتحمَّل مسؤولية أبنائها.
• وسائل التَّنشِئة الاجتماعية لا تتوافق والمناهجَ المدرسية.
• الأسرة أولاً وثانيًا وثالثًا، والمدرسة أخيرًا.
• نسجِّل بمرارةٍ الإهمالَ الذي طال ظلُّه الأُسَر، فكل إصلاح لم ينطلقْ من الأسرة لن يبوءَ إلا بالفشل.
• إذا لَمْ نربط التعليم والتحصيل بقِيم ثابتة غير القِيَم المادية ، فلن يتحقَّق المطلوب، قد يتحقَّق بعضُ المطلوب على غير دوام، أمَّا إذا أردتَ الدوام فارْبطِ التعليم بما لا يتغيَّر مع تغيُّر الزمن، وهذا مِن واجباتِ الأُسرة والمجتمع والإعلام.
• وقِسْ على جرثومة الكسل غيرَها من الجراثيم المنتشِرة في جسم الطفل والأمَّة، كجراثيم الإحْباط والتهاون، والشَّغب وسوء الأدب ، وانعدام الرغبة، وضعْف الطموح .
لعلِّي أوفَّق في تكثيف مقالي في قولي:
إذا صَلَحتِ الأُسرة صلَحَتِ المدرسة والحياة، وإذا فسدت فسدت، وصلاحُ الأسرة متوقِّف على صلاح النَّسَق الاجتماعي والثقافي، وذلك كلُّه يتوقَّف على الإرادة السياسيَّة الحقيقيَّة الراغبة حقًّا وصدقًا في إنتاج الإنسان الصالح، فإنَّ الله يزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن.
م/ن
موضوع قيم و هام جدا
يقيم و يثبت للفائدة
القيم والمفيد
راق لي ما انتقيتي لنا
جزاكي الله الخير كله