بسم الله الرحمن الرحيم…… السلام عليكم
هل انتي ممن يسارعون إلي إعلان وإعلام الناس بأعمالك الصالحة ؟
فإذا صليت يوما في الليل صلاة التهجد-وما أعظمها فهي نور الوجه-هل تخفي صلاتك عن الناس أم تتمني طلوع الفجر حتي تقابلي إحدي الأخوات-أي أحد-فتخبريها إنكي تحبيها في الله وانكي دعوتي لها -أمس-في جوف الليل ،وانت تصلي قبل الفجر تقريبا بساعة
وإذا صمت يوما تطوعا-لله-هل تحاولي إخفاء عملك،أم تتعرضي لأخواتك وتودي لو دعاك أحدهم إلي طعام او شراب حتي تكشفي لهم عما خفي عليه من عملك فتقولي علي استحياء وانت تتلعثمين تورعا:أنا صائمة والحمد لله .
فإذا فعلتي خرج عملك من ديوان السر إلي العلن بل قد يخرج إلي ديوان الرياء فيحبط عملك،فلا أثابك الله تعالي ولا نفعوك الأخوات
فأقرأي هذه الواقعة ثم أسألي نفسك عن حقيقة إخلاصك وإخفاء عملك الصالح.
(حاصر {مسلمه}حصنا فندب الناس إلي نقب منه فما دخله أحد فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه الله عليه فنادي {مسلمه}أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد
فنادي:إني قد أمرت الحاجب بإدخاله ساعة يأتي فعزمت عليه(أي شددت وأقسمت)إلا جاء
فجاء رجل فقال:استأذن لي علي الامير فقال له:أنت صاحب النقب؟فقال:انا أخبركم عنه،فدخل علي(مسلمه)فقال:إن صاحب النقب يأخذ عليكم (أي يشترط)ثلاثا:
-ألا تكتبوا اسمه إلي الخليفة
-ولا بأمروا له بشئ (أي من العطاء)
-ولا بسألوه ممن هو
قال مسلمه:فذاك له.قال الرجل :أنا هو.ثم انصرف،فكان مسلمه لا يصلي بعدها صلاة إلا قال:اللهم اجعلني مع صاحب النقب
الله أكبر،ما أعظم العمل لله،وما أصعبه علي النفوس الضعيفة المريضة المنفعلة بالدنيا،وما أيسره واحلاه علي النفوس الخيرة العلوية التي تنظر إلي ما عند الله وتغض الطرف عن دنايا الحياة وغاياتها الدنية الزائلة من جاه أو شرف أو منصب أو غير ذلك من سواقط الغايات وسوافل الشهوات والرغبات.
يقول الحارث المحاسبي:(الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه،ولا يحب اطلاع الناس علي مثاقيل الذر من حسن عمله ولا يكره ان يضطلع الناس علي السئ من عمله)
فهل انتي مخلصة في عملك حريصة علي إخفاءه حتي يكون كله لله وحده-سبحانه-.
الآيــــة:
قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}
من هم المخبتين؟ ولماذا وصفوا بهذا الاسم؟. وما علاقة المخبتين بذكر اسم الله على الأنعام؟
التأويل:
{الْمُخْبِتِينَ}: الذي يبيت حبُّ الله ورسوله في قلوبهم.
المخبت: مشتقة من الإخفاء القطعي يعامل ربه فقط ولا يبغي من الناس حمداً ولا شكوراً معاملته للخيرات مع ربه وحده هو يجزيه.
فالمخبت: الذي يخفي ما يعمل من خيرات وصدقات عن الناس بل عمله خالص لله.
المخبتين: هم السالكون الحقيقيون لمرضاة الله.
2ـ والله سبحانه وتعالى شرح لنا من هم المخبتين في الآية بعدها: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}: إذن، المخبتون هذه صفاتهم فهم أتقياء أنقياء أخفياء نواياهم خالصة لوجه الله ورضائه فهم يخفون أعمالهم العظيمة عن الناس لأنهم منَ: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ..}: وهذا أمر قلبي خفي عن الأنظار لا يطّلع عليهم أحد إلّا الله وهم هكذا طلبهم لا يُظهرون أنفسهم أمام أحد لتكون أعمالهم خالية من الرياء والتكبر ولتبقى وجهتهم للذي في سبيله يضحّون.
وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الشريف: «ألا وإن لله أوان في أرضه وهي القلوب، فأحبّ الأواني إلى الله أصفاها وأصلبها وأرقها » رواه الطبراني.
«إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الذين إذا غابوا لم يُفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة غبراء مظلمة» عيون الأخبار 1/270 .
فأعمالهم خفية لا ينتظرون من الناس جزاءً ولا شكوراً وهم يعاملون العليم بهم المطّلع على نواياهم السامية الخفية فلا يهمهم بالحق رضاء الناس أو سخطهم، فصفة المخبتين تراهم أوعى الناس بقلوبهم للكمالات الإلۤهية والعلم والمعرفة من الله الذي يعاملونه، حكماء علماء أخفياء لا يحبون الظهور بعملهم ولا التكبر في الأرض ولا الرياء يخفون ما كسبوا من كمالات وعلوم من الله تواضعاً لله وإظهاراً لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يعظموه.
تركوا الأنس بالناس واستأنسوا برب الناس فأغناهم الله وعبُّوا منه الكمالات عبّاً فهم أهل الله فكيف يأخذون من الدنيا الفانية!
لقد أغناهم الباقي الذي يدوم لقد رأوا أن الدنيا دار من لا دار له وإليها يجمع من لا عقل له وهي ملعونة ملعون من فيها فجعلوها لجّةً واتخذوا صالح الأعمال فيها سفناً.
إذن: المخبتين هم الذين يخفون أعمالهم الصالحة أمام الناس عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل» القرطبي 15/127 .
وكذا هم الذين «لا تعلم شمالهم ما تنفقه يمناهم» ورد بمعناه في صحيح البخاري ومسلم.
أما عن علاقة المخبتين بذكر اسم الله على الأنعام نقول:
لم يصل هؤلاء المخبتين إلى ما وصلوا إليه إلّا لأنهم سلكوا طريق التقوى وتلك مدارس التقوى هي بالحج تُنال، وبتطبيق مناسك الحج من الطواف والسعي وعرفات والهدي بتلك المناسك يصل المؤمن الحاج إلى نيل المعرفة من الله ويكون من المخبتين وبالآيات الكريمة السابقة: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} سورة الحج (27).
وبالآية التي نحن بصددها بالحج: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ..}: فذكر اسم الله على الذبائح عند ذبحها في الهدي أيام الحج وبعد قضاء المناسك في الحج ومنها الهدي وذكر اسم الله على الذبائح والتضحية بالمال لله، فيغدو المرء عالماً حكيماً فقيهاً، وفي منازل التقوى يحلُّ وله البشرى لأنه سيكون من المخبتين، يُخفي أعمال الخيرات التي يقوم بها فلا يعلم بها أحد إلّا من يتلقى الخيرات ولا يهمه الظهور وليس عنده رياء ولا يريد إلّا مرضاة الله، لأنه عبَّ من جناب ربه ما أغناه عن الدنيا وأهلها فلا يطلب منهم، بل من الله، فهو يعلم أن الله وليه ولا يطلب من سواه كما سبق وشرحنا.
url=https://www.mm11mm.net/up/uploads/images/mm11mm-c1e7eb4937.gif][/url][/QUOTE
جعله الله في ميزان حسناتك