موسى بن حسن ميان
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما أما بعد :
بداية لابد من التعرف على لفظ إعاقة ، ورد في القاموس المحيط العَوْقُ : الحبس والصرف والتثبيط ، ويقول صاحب مختار الصحاح : عوق ( عاقة) عن كذا ، حبسه عنه وصرفه ، وكانوا فيما مضى يسمون بالمقعدين ثم أطلقوا عليهم لفظ ذوي العاهات ثم مسمى العاجزين، ولما تطورت النظرة إليهم على أنهم ليسوا عاجزين لأن المجتمع هو الذي عجز عن استيعابهم وعجز عن تقبلهم وعجز عن الاستفادة منهم مما قد يزيد هوة عدم التعرف على مميزات أو مواهب أو صفات أو قدرات لديهم يمكن تنميتها وتدريبها بحيث يتكيفون مع مجتمعهم رغم عاهاتهم ، بل ربما يفوقون غيرهم ممن نطلق عليهم تجاوزاً الأسوياء ، أي عندما أدرك المجتمع أنه هو الذي يحوي تلك العوائق التي تمنع المعاقين من التكيف معه غيّر المجتمع نظرته تجاه المعاقين ، عندئذ أصبحت المراجع العلمية والهيئات المتخصصة تسميهم المعاقون بمعنى وجود عائق يعوقهم عن التكيف مع المجتمع ، وبهذا أصبحت كلمة معوق لا يقتصر مفهوماً على المعاقين عن الكسب والعمل فقط أيضاً عن التكيف نفسياً واجتماعياً مع البيئة ، ولا شك أن التسميات السلبية مثل المكفوفون ، الصم ، المشلولون ، المتلفون في أدمغتهم ، والمتخلفون عقلياً وغيرها تترك أثراً سلبياً يلصق بالطفل حتى يكبر ووصمة تؤثر على علاقته الاجتماعية تأثيراً بالغاً، ولكن التسميات الإيجابية مثل ذوو الاحتياجات الخاصة أو ذو الصعوبات تعطي انطباعاًً وتفاعلاً جيداً لمثل هؤلاء مع المجتمع وهذه المسميات أيدتها دراسات وتقارير وتقديرات أفادت العاملين مع هؤلاء وكذلك المجتمع بكامله ، والإسلام قد حثنا على اختيار الأسماء والكنى الجميلة والجيدة ومناداة الإنسان بأحب الأسماء إليه فالمسلم لا يحب لأخيه المسلم إلا ما يحب لنفسه كما أوضح أن إدخال السرور على المسلم مما يؤجر عليه .
وعندما نتتبع أحوال هؤلاء المعاقين عبر العصور نجد في التاريخ القديم أنه في الدولة الرومانية التي تميزت بالصبغة الحربية عملت على التخلص من المعوقين حيث وصف القانون الروماني الأصم بالعته والبلاهة ، وقديماً كان الفراعنة يتخلصون من الأطفال المعاقين ولكنهم مع مرور الزمن اصطبغت قوانينهم بالروح الإنسانية فنجحوا في استخدام بعض العقاقير الطبية التي تستخدم في علاج بعض حالات ضعف السمع ، وكان الفيلسوف آرسطو يرى أن أصحاب الإعاقة السمعية لا يمكن تعليمهم وكذلك أفلاطون يرى إخراج المعاقين من مدينته الفاضلة لأنهم لا يؤدون المطلوب منهم لنجاح هذه المدينة ، وكان القانون الإنجليزي القديم يحرم بعض فئات المعاقين من الحقوق والواجبات التي لهم.
والمتأمل في آيات الله تعالى يجد نفسه أمام آيات كثيرة توحي بهذا المعنى قال تعالى : {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم } التوبة :91 تدل الآية دلالة واضحة على أن الضعفاء والمرضى ليس عليهم أية مشقة إذا لم يقاتلوا مع إخوانهم الأصحاء.
وقد تكرر في القرآن لفظ :{ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}، ففي الموضع الأول في آية 61 من سورة النور ، يعني عدم الحرج في مسألة الأكل والشرب في بيوت الأقارب ، والموضع الثاني في آية 17 من سورة الفتح ويقصد عدم الحرج عندما يتخلفون عن المعارك فإن لهم العذر المقبول عند الله ، ففي زمن صدر الإسلام نجد أنفسنا أمام منزلة كبيرة وضعها الله سبحانه لهؤلاء الضعفاء ولعله من المناسب أن نذكر مكانة هؤلاء عند الله بعد أن آمنوا به وبرسوله ونصروا الدعوة الإسلامية منذ بدايتها وتحملوا في سبيلها الكثير ، إن المتأمل في القرآن الكريم يجد أمامه مثلاً إيجابياً من أمثلة الاهتمام والرعاية ، وهذا المثل القائم والخالد بخلود كتاب الله تعالى وهو عتاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن أم مكتوم ذلك الأعمى الذي حضر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجلس معه كما تعود فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم فراغه وانشغاله بدعوة كفار مكة وسادتها ومحاولة جذبهم إلى توحيد الله وأدار وجهه عنه والتفت إليهم ، وبالطبع لم يرى ابن أم مكتوم ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أعمى ، فجاء عتاب الله لنبيه:{عبس وتولى ، أن جاءه الأعمى ….}الآيات، وبهذه الآيات البينات أوضح الله تعالى لنبيه ولأمته أن المؤمن الضرير الكفيف هو أطيب عند الله من هؤلاء الصناديد الكفرة ، فكان صلى الله عليه وسلم كلما رآه هش له ورحب وقال :[ أهلاً بمن عاتبني فيه ربي… ] ، ورغم فقر ابن أم مكتوم وثراء هؤلاء القوم إلا أنه عند الله أثقل ميزاناً وأحسن حالاً وأفضل مقاماً وربما يكون ابن أم مكتوم نبراساً لهؤلاء الضعفاء وكذلك الأغنياء .
بل إن من العلماء المسلمين من كان يعاني من إعاقة ومع هذا لم يؤثر ذلك عليهم بل أصبحوا أعلاماً ينصرون هذا الدين بالقول والفعل فمنهم :
1. أبان بن عثمان ، كان لديه ضعف في السمع ومع هذا كان عالماً فقيهاً
2. محمد بن سيرين ، كان ذو صعوبة سمع شديدة ومع هذا كان راوياً للحديث ومعبراً للرؤى .
3. دعبل الخزاعي .
4. القاضي عبده السليماني .
5. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج .
6. حاتم الأصم .
7. سليمان بن مهران الأعمش .
8. أبو العباس الأصم .
وفي هذا الزمان نجد أمثلة كثيرة ومنهم : سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مع أنه كان فاقداً للبصر إلا أنه كان إماماً زاهداً ورعاً ناصراً للدين .