إن الله تعالى جعل للدنيا حرثًا وزرعًا
( وجعل للآخرة حرثًا وغرسًا )
فمن حرث للدنيا أوتي منها ما كُتب له، ولكنه يخسر الآخرة،
ومن حرث للآخرة فاز بالآخرة ولم يفته ما قدر له من
بل تأتيه دنياه وهي راغمة.
ومن حسنة حرث أنه حرث مضاعف مبارك
ويبقى أثره ونفعه لصاحبه
لأنه تعامل مع الله تعالى
بخلاف حرث فإنه غير مبارك ولا مضاعف ولا يبقى لصاحبه؛
فهو زائل عنه بالموت، والدنيا بأسرها زائلة بالآخرة
( وَٱلْأّخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰٓ ) [الأعلى: 17]
( وَلَلْأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلْأُولَىٰ) [الضحى: 4]
إن زيادة حرث ومباركته ومضاعفته ثابت بالقرآن الكريم :
( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلْأّخِرَةِ نَزِدْ لَهُۥ فِى حَرْثِهِۦ ۖ ) [الشورى: 20]
وفي آية أخرى:
( وَمَنْ أَرَادَ ٱلْأّخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌۭ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًۭا ) [الإسراء: 19]
ومن فوائد إرادة حرث :
أن الله تعالى يوفّق صاحبه للازدياد منه، والتلذذ به
فكلما عمل عملاً صالحًا قاده إلى غيره
وهذا معنى من معاني الزيادة في قوله سبحانه :
(نَزِدْ لَهُۥ فِى حَرْثِهِۦ ۖ) [الشورى: 20]
أي : نفتح له أبوابًا أخرى من الخير
وندله على أعمال صالحة ما كان يعملها
ونعينه على عملها
ولا يوفَّق لذلك إلا أصحاب الإرادة الجازمة
أما من يتمنى ولا يعمل فهو غير مريد حقيقة
وتأملوا التعبير القرآني بالحرث
لأن الحارث يتعب
في حرثه وزرعه وغرسه لما يرجو من غلته وثمرته
ولما كان حرث الأرض أصلاً من أصول المكاسب استعير لكل متكسب
ومنه قول ابن عمر -رضي الله عنهما-:
" أحرث لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا "
وسمي الإنسان حارثًا لعمله وكسبه
وورد في الحديث أن أصدق الأسماء
همام وحارث
لأنهما يعبران عن حقيقة الإنسان
وبقدر صواب حرثه في أرضه، وزرعه في وقته
وجده في عمله، تؤتيه الأرض أكلها
وقد يجتهد ويتعب في حرثه وزرعه ولا تنتج أرضه
وذلك كمن زرع الزرع في غير أوانه، أو بذر البذر في غير مكانه
وهذا كمن دان بغير الإسلام، أو خالف السنة في عمله
فكم يتعب أحبار اليهود ورهبان النصارى
وسدنة المعابد الوثنية
ويوقفون حياتهم كلها على معبوداتهم
وينقطعون لها في معابدهم
ولكن ليس لهم من عبادتهم نصيب
لأنها عبودية صرفت لغير من يستحقها
وذلك كمن حرث في غير أرض الزرع
فليس له من حرثه زرع ولا ثمر مهما تعب
قال الله تعالى فيهم :
( ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) [الكهف: 104]
وفي آية أخرى :
( وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَـٰهُ هَبَآءًۭ مَّنثُورًا )[الفرقان: 23]
فأخبر الله تعالى أن لهم سعيًا وعملاً وحرثًا وزرعًا، ولكنه لا ينفعهم
وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا :
(ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْءٍۚ ) [المجادلة: 18]
فلا ينفع عمل إلا بتحقيق الشهادتين :
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
وذلك بالإيمان والإخلاص في العمل واتباع السنة
وإلا كان عملاً في غير محله، فلا ينفع صاحبه مهما اجتهد فيه
كما لا ينفع الحارث زرعه مهما اجتهد
إن وضعه في غير أرضه أو زرعه في غير وقته.
وأما من أراد حرث الدنيا
فإن الله تعالى لا يعطيه منها إلا ما قُدِّر له :
( وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِۦ مِنْهَا وَمَا لَهُۥ فِى ٱلْأَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) [الشورى: 20]
فأخبر سبحانه أنه مبخوس الحظ في الآخرة، ليس له فيها أي نصيب.
وجاء هذا المعنى في قول الله تعالى :
( مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصْلَىٰهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورا ) [الإسراء: 18]
وفي آية أخرى :
( مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَـٰلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴿١٥﴾ أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِيهَا وَبَـٰطِلٌۭ مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ) [هود : 15، 16]
قال قتادة -رحمه الله تعالى-:
" من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله تعالى له نصيبًا في إلا النار
ولم يزدد بذلك من شيئًا إلا رزقًا قد فرغ منه وقسم له "
وجاء في الحديث عن النبي -صلَّ الله عليه وسلم-
أنه قال :
" من كانت الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ الله غِنَاهُ في قَلْبِهِ، وَجَمَعَ له شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ
وَمَنْ كانت الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ الله فَقْرَهُ بين عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عليه شَمْلَهُ ولم يَأْتِهِ من الدُّنْيَا إلا ما قُدِّرَ له "
رواه الترمذي وابن ماجه.
من تأمل الآية القرآنية التي فيها ذكر حرث
وجد أن حرث رُجِّح على حرث بأنواع من الترجيح
فقدم الله تعالى ذكر مريد حرث على مريد حرث
مع أن قبلها في الحياة والزمن
وما ذاك إلا لشرف وحقارة الدنيا.
وقال في مريد حرث الآخرة :
(نَزِدْ لَهُۥ فِى حَرْثِهِۦ ۖ) [الشورى: 20]
فأثبت الزيادة له على ما عمل
بينما قال في مريد حرث الدنيا :
( نُؤْتِهِۦ مِنْهَا ) [آل عمران: 145]
وكلمة (من) للتبعيض
والمعنى : أنه يعطيه بعض ما يطلبه ولا يُعطى كله
وفي طالب حرث لما أخبر بالزيادة له سكت عن في حقه
وفي آيات أخرى بيَّن أنه يأتيه رزقه منها ولا يحرم منها بالكلية
كقوله تعالى :
( كُلًّۭا نُّمِدُّ هَـٰٓؤُلَآءِ وَهَـٰٓؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ ۚ ) [الإسراء: 20]
وأما طالب حرث فإنه تعالى نص على أنه لا يعطيه شيئًا من نصيب الآخرة
وهذا يدل على التفاوت العظيم كأنه يقول :
الآخرة أصل والدنيا تبع، فواجد الأصل يكون واجدًا للتبع بقدر الحاجة.
والآية دالَّة على أن منافع والدنيا ليست حاضرة
بل لا بد في البابين من الحرث
والحرث لا يتأتى إلا بتحمل المشاقّ في البذر
والسقي والتعاهد والحصد والتنقية
فلما سمى الله تعالى كلا القسمين حرثًا علمنا أن كل
واحد منهما لا يحصل إلا بتحمل المتاعب والمشاق
ثم بيّن تعالى أن مصير إلى الزيادة والكمال
وأن مصير إلى النقص والخسران.
فلنعمل -عباد الله-
في حرث الآخرة حتى يكون لنا فيها نصيب
ولنحذر من إرادة حرث فنحرم ثواب ولن ننال من إلا ما قدّر لنا
( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًۭا يَرَهُۥ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ شَرًّۭا يَرَهُۥ ) [الزلزلة
اتقوا الله ربكم، واحرثوا لآخرتكم ما تجدونه بعد موتكم
وخذوا من سرعة انتهاء المواسم العظيمة
عبرة لمرور وانقضاء العمر
فإنه يذهب سريعًا
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنه وفي الأخره حسنه وقنا عذاب النار
جزاك الله خير وانار الله عزوجل قلبك وقبرك
جزاك الله خيرا
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنه وفي الأخره حسنه وقنا عذاب النار جزاك الله خير وانار الله عزوجل قلبك وقبرك |
امييييييييييين
يارررررررررررررررررررب
اشكرك على مرورك الرائع