بسـم الله الرحمـن الرحيـم
الابتلاء سنة الله الماضية في الأولين والآخرين ،
به يرفع الله الدرجات ويكفر الخطايا والآثام ..
من رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط والعياذ بالله ..
يقول ابن القيم رحمه الله:
"يا ضعيف العزم! الطريق شاق طويل، ناح فيه نوح، وذبح يحيى،
واغتيل زكريا، وطُعن عمر ، وضرج عثمان بدمائه، وقُتل علي ،
وجلدت ظهور الأئمة، وحبسوا لماذا؟
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
[العنكبوت:2-3]
ولكن من الحق؟ من القوي إلا الله؟
فالـزم يديك بحبل الله معتصماً *** فإنه الركن إن خانتك أركان
كل أمر المؤمن خير..
كان لأحد الملوك وزير حكيم وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه في كل مكان.
وكان كلما أصاب الملك ما يكدره قال له الوزير "لعله خيراً" فيهدأ الملك.
وفي إحدى المرات قُطع إصبع الملك فقال الوزير "لعله خيراً"
فغضب الملك غضباً شديداً وقال ما الخير في ذلك؟!
وأمر بحبس الوزير.
فقال الوزير الحكيم "لعله خيراً"
ومكث الوزير فترة طويلة في السجن.
وفي يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته،
فمر على قوم يعبدون صنم فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصنم
ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم إصبعه مقطوع..
فانطلق الملك فرحاً بعد أن أنقذه الله من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضر
وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن
واعتذر له عما صنعه معه ..
وقال أنه أدرك الآن الخير في قطع إصبعه، وحمد الله تعالى على ذلك.
ولكنه سأله عندما أمرت بسجنك قلت "لعله خيراً" فما الخير في ذلك؟
فأجابه الوزير أنه لو لم يسجنه..
لَصاحَبَهُ فى الصيد فكان سيُقدم قرباناً بدلاً من الملك…
فكان في صنع الله كل الخير ..رسالة إلى كل مبتلى ..
خَرَجْتَ من ظلمة الرحم ، إلى نور الحياة .. ومن دفء حضن الأم ، إلى صقيع تدافعه وتتفاداه ..
فاعلم أنه أينما كنت .. وحيثما ذهبت قدماك ..
فأنت في بلاء ..
نعم ، لقد أتيت إلى دنياك لتبتلى فيها .. لتختبر ..
ليعرف الله ما تصنعه بك .. أو ما ستصنعه بها ..
هل ستقودها .. أم هي تحركك ؟
هل ستعلوها .. أم هي تركبك ؟
هل ستتقاذفك أمواج أعاصيرها .. أم ترتفع شراعك فوقها ؟
نعم .. أنت في بلاء منذ بدايتك ..
فإن ولدت في بيئة منحرفة .. هل تصبح سارقا ؟
نشأت ذو عاهة خلقية .. هل تكون ساخطا ؟
كبرت في بيئة غنية .. هل تغدو لاهيا غافلا ؟
ما هو موقفك ؟
ماذا لو نشأت في بيت يعمه شجار الأهل والوالدين ؟
بل ماذا لو ترعرعت في بلاد تعمها الحروب والفتن ؟
ماذا ستفعل ؟
هذا هو البلاء ..
ذلك هو اختبارك .. وعليك الإجابة ..
هل ستثبت على دينك ؟ هل ستعض عليه بالنواجذ ؟
أم تتخبط ، وتقع .. وتسقط ؟
لا ..
اثبت ..
اصبر ..
تذكر أن الجنة غالية ..
" وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم "
صبروا على بلائهم .. واحتملوه ..
لم تحركهم مصائبهم عن أماكنهم .. ولم توهن عزائمهم ..
فاستعن بالله.. ملاذ الخائفين .. ومأوى الضائعين ..
استعن بالله.. فإنه قريب .. مجيب المحتاجين ..
استعن بالله.. ما أجملها كلمة .. وما أخلصها نصيحة ..
استعن بالله.. ما أحلاها مناجاة .. وقت ليل في صلاة ..
استعن بالله.
نعم ..ومن يعينك سواه .
ابعدوا عني نظرات الشفقة .. صرخة قالتها إحدى المبتليات ..
في ذاك المجلس
الكل يتبادل الكلام والحديث
اما أنا فكانت عيوني تذهب لآخر المجلس
حيث تلك الجميلة ،عيونها البريئة ، وابتسامتها الساحرة
أراها لاهية بلعبتها
فجأة أحست أن أحدا يراها
نظرت إليّ وأتت تحبو مسرعة
والابتسامة تملؤ محياها
فأخذتها وإلى صدري ضممتها وقبلتها
وفي حضني أجلستها
يملئ الفرح ناظريها
والبسمة لاتفارق شفتيها
أخذت تنظر إلي نظرات
وكأنها تريد أن تنطق بكلمات
وتقــول:
أنا لست حزينة لأني لا أمشي
أنا سعيدة لأني بين أهلي
انا ملازمة داون صحيح
لكني على الإنجاز أستطيع
يا من لي بشفقة تنظرون
أنا أفضل من بعض الصحيحين ..
نــعم افضل ممن بالمعاصي غرق ..
واتبع شهوته وغرته دنياه ..
أنا معي رب لن يضيعني ..
فابعدو تلك النظرات عني ..
يارب اشف كل مريض ومبتلى ، اللهم ألبسهم لباس الصحة والعافية .. وامنن عليهم بمنك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين ..
فضل البلاء والصبر عليه ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد"
رواه مسلم.
قال وهب بن منبه:
" لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء "
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض)
الراوي: جابرالمحدث: محمد المناوي – المصدر: تخريج أحاديث المصابيح -الصفحة أو الرقم: 2/23
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن
ولا تنسوا :
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156}
أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"
جَاء فِي الْحَدِيْث أَنَّه : « إِذَا أَحَب الْلَّه قَوْمِا ـ أَو أَحَب عَبْدِا ـ صَب
عَلَيْه الْبَلْاء صَبّا ، فَلَا يَخْرُج مِن غَم إِلَا وَقَع فِي غَم ».
وَفِي الْصَّحِيْحَيْن عَن أَبِي سَعِيْد وَأَبِي هُرَيْرَة رَضِي الْلَّه
عَنْهُمَا عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال { مَا يُصِيْب الْمُسْلِم مِن
نَصَب وَلَا وَصَب وَلَا هَم وَلَا حُزْن وَلَا أَذَى وَلَا غَم حَتَّى الْشَّوْكَة
يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّر الْلَّه بِهَا مِن خَطَايَاه } .
" الْلَّهُم إِنِّي أَعُوْذ بِك مِن الْهَم وَالْحَزَن, وَالْعَجْز وَالْكَسَل, وَأَعُوْذ بِك مِن
الْجُبْن وَالْبُخْل, وَأَعُوْذ بِك مِن غَلَبَة الدَّيْن وَقَهْر الْرِّجَال "
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ،
وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ " .
نسأل الله عزوجل أن يرزقنا الصبر على البلاء ويجعلنا من الصابرين ..