الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تَحَدَّر من غمام واحد
أو يـفـترق نـسب يؤلـف بينـنا ديـن أقـمـناه مـقـام الـوالـد
فالأخوَّة في الله معْـلـَم إيماني، ونعمة ربانية، وسمة من سمات المجتمع المسلم، يقول الله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)(آل عمران:103)، بيد أن هذه الأخوة باتت تشكو -ومنذ زمن- هزالاً أصابها.
يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك… ثم قال: وقد أصبحت عامة موالاة الناس اليوم على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً
لذلك كان ولا بد من وقفة محاسبة ومراجعة؛ نستنقذ من خلالها بإذن الله سوياً ما نوفق لاستنقاذه، وهذه ثمة أحاديث يُرتجى من خلالها إحياء الموات، وتشييد صرح الأخوة الذي قد تهدم.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) متفق عليه.
وعَدَّ -صلى الله عليه وسلم- سابع سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) متفق عليه.
وفي الحديث القدسي: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) رواه الإمام مالك وأحمد، وصححه الألباني.
ومما ينبغي أن يـُنتبه إليه أن الاجتماع على المباحات الدنيوية ومن باب أولى على الطاعات وإن أغنى عن الزيارة لما فيه من اللقيا والوصال؛ فإنه يوجب في المقابل حق التفقد لمن غاب، والتي تكون بالسؤال والزيارة، والمعاونة متى لزم الأمر.
ومن أعراض الهزال الذي ذكر آنفاً:
أنك تجد الرجل الذي يكون بين إخوانه ملأ السمع والبصر، وإخوانه عليه بين رائح وغادي، فإذا عرض له عارض ولم يُعد للزيارة مبرراً؛ انفض عنه إخوانه وهو أحوج ما يكون إليهم، وإنما ينشأ هذا السلوك من عدم إدراك أن الزيارة في الله مقصودة لذاتها، وأن أولى الناس بها من امتنع عن غشيان مجالس إخوانه فتتأكد الزيارة حينئذٍ، فإن كان الغياب عن فتور شحذوا همته، وإن كان عن عذر اضطراري أزالوا وحشته.
أما أن نتزاور شوقاً لمشايخنا وإخواننا مقتدين في ذلك بعمر -رضي الله عنه- ساعة أن قال: "والله إنه ليطول علي الليل إذا تذكرت أخي في الله، فأتمنى الصباح لأعانقه شوقاً إليه"
، فهذا من الندرة بمكان، وتجدنا إذا أتانا آتٍ لربما قلنا في أنفسنا: "تـُرى ما الذي جاء به؟"، وكأنه بالحتم واللزوم لا بد وأن يأتي محملاً بالمصالح مدفوعاً بما ذكر سلفاً من الأغراض.
إخوتاه… لقد صرَّح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان نبوي بتحتم تلك الشعيرة، ولزوم إحياء هذه العاطفة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا… ) رواه مسلم، فالإيمان بالله والحب في الله قـُرِنا جميعاً، فإذا ذهب أحدهما ذهب الآخر
ثم لم يتركنا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى هدانا إلى سبيل يصل بنا إلى واحة، ثم إلى بستان الإيمان، ثم إلى بحبوحة الجنة -بإذن الله- فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ) رواه مسلم
ربنا يتقبل منك ومنكم امين يارب
اختى روز
وجعله الله فى ميزان حسناتك