أولاً: تعريفه وأنواعه:
المعروف: يطلق المعروف على كل ما تعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه، فهو معروف بين الناس لا ينكرونه. وقيل: هو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً.
المنكر: ضد المعروف، وهو ما عرف قبحه شرعاً وعقلاً وسمّي منكراً، لأن أهل الأيمان ينكرونه ويستعظمون فعله.
والمعروف يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله من الأمور الظاهرة والباطنة ، مثل: شرائع الإسلام والإيمان بالله والصلوات الخمس والزكاة والحج، والإحسان في عبادة الله وإخلاص الدين لله، والتوكل عليه ومحبته ورجائه، وغيرها من أعمال القلوب، وصدق الحديث والوفاء بالعهود وأداء الأمانات وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار واليتيم، ومكارم الأخلاق.
والمنكر يدخل فيه كل ما نهى الله عنه ورسوله مثل: الشرك بالله صغيره وكبيره، وكبائر الذنوب: كالزنا والقتل والسحر وأكل أموال الناس بالباطل، والمعاملات المحرمة: كالربا والميسر والقمار، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وسائر البدع الاعتقادية والعملية، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.
ثانياً: حكمه:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات، وأكبر المهمات، وقد دل على وجوبه الكتاب والسنة والإجماع. وقد دلت النصوص على الأمر به، وجعله من الصفات اللازمة للمؤمنين، وسبباً لخيرية الأمة وأن تركه يؤدي لوقوع اللعن والإبعاد ونزول الهلاك وانتفاء الإيمان عمن قعد عنه حتى بالقلب. يقول تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } [آل عمران: 104]. ويقول تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } [النحل: 125]. ويقول عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم.
ثالثاً: مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لقد بين صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي ثلاث:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد مع القدرة، وذلك خاص بمن له ولاية من مسؤول أو محتسب ممن يقدر على ذلك. وهكذا المرء مع أهله وأولاده، يأمرهم بالصلاة وسائر الواجبات، وينهاهم عما حرم الله.
المرتبة الثانية: إن عجز المحتسب عن الإنكار باليد انتقل إلى الإنكار باللسان، فيعظهم ويذكرهم ويعاملهم بالأسلوب الحسن مع الرفق، ويستعمل الألفاظ الطيبة والكلمات المناسبة، حتى لو قوبل بالسوء فهو لا يقابل إلا بالتي هي أحسن.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي آخر المرتب، ولا رخصة لأحد في تركها ألبته، بل يجب ترك المنكر وبغضه بغضاً تاماً مستمراً. وهذا يقتضي مفارقة أهل المعصية ومجانبتهم حال معصيتهم، يقول تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، إنكم إذاً مثلهم } [النساء: 140]. ففي الآية نهي صريح عن مجالسة أصحاب المنكر حال مواقعته، حتى يتحولوا عنه، وإلا كانوا مثلهم في الإثم، لرضاهم بذلك.
رابعاً: وسائله وأساليبه: قال تعالى: {ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [النحل: 125]. فالدعوة بالحكمة تكون بحسب حال المدعو وفهمه، وقبوله، ومن الحكمة: العلم والحلم والرفق واللين والصبر على ذلك. والموعظة الحسنة: تكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي أحسن. وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً، لغة وعرفاً .
قال سفيان الثوري: "ينبغي للآمر الناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه ".
ووسائل الخير كثيرة لا تحصر، فيسلك الداعي فيها أفضل الطرق، وأدعاها للقبول والاستجابة، ومنها: الخطب في أيام الجمع والأعياد والمجامع العامة، والعناية بتربية الأولاد ونشر العلم الشرعي، والإحسان إلى الناس بالقول والفعل، والكتابة والنصيحة المباشرة لصاحب المنكر، ومعاونة أفراد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشد أزرهم.
خامساً: قصص نبوية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده .فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه ابداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم.
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فردّ، وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرده وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ) فرجع ثلاثا،ً فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني؟ فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، وافعل ذلك في صلاتك كلها ) رواه البخاري.
3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد تحجرت واسعاً ) ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع إليه الناس فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه سجلاً من ماء ، أو قال: ذنوباً من ماء ) رواه أبو داود، ووصحه الألباني. تحجرت واسعاً: ضيقت ما وسعه الله، وخصصت به نفسك دون غيرك.