السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يئس أن يعبد في جزيرة العرب ولكنه رضي عن ذلك بالتحريش فيما بيننا، ولذا فإنه يستغل أي فجوة تقع بين أي من المسلمين رجالاً ونساءً، أقارب وأباعد فيقوم بتوسيع هذه الفجوة وفتح آفاق للخصام والعداوة والبغضاء وتفريع الموضوع وإثارة الشكوك والظنون في أمر هو من السهولة والهوان بمكان لو استعاذ المرء فيه من الشيطان واستجاب لداعي الرحمن، ولذلك فإن الشيطان يستغل فيه هذه المشكلة حتى يصل الأمر إلى هجر المسلم لأخيه وقطيعته إياه·
وحول خطورة هذا الأسلوب وما يترتب عليه من إشكالات وعداوات وضغائن، تحدث لـ(الدعوة) الشيخ د· طاهر بن محمد المجرشي، إمام وخطيب جامع الخراشي بالرياض والداعية المعروف فقال:
من طرق الشيطان إحداث القطيعة بين المسلمين، وكثيرون أولئك الذين يتبعون خطوات الشيطان فيهجرون إخوانهم المسلمين لأسباب غير شرعية إما لخلاف مادي أو موقف سخيف وتستمر القطيعة دهراً وقد يحلف ألا يكلمه وينذر ألا يدخل بيته وإذا رآه في طريق أعرض عنه وإذا لقيه في مجلس صافح من قبله ومن بعده وتخطاه وإن مما ابتلي به بعض المسلمين أن هجر أخاه (ابن أبيه وأمه) أربعين سنة لا يسلّم عليه ولا يكلمه وهذه من أعجب الوقائع التي وقفت عليها في الحي الذي أقيم فيه، بل هناك ما هو أفظع من ذلك· وهذا من أسباب الوهن والتفكك والقطيعة في المجتمع ولذلك كان الحكم الشرعي حاسماً والوعيد شديداً·
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار” رواه أبوداود·
وعن أبي خراش الأسلمي رضي الله عنه مرفوعاً: “من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه” رواه البخاري في الأدب المفرد·
ويكفي من سيئات القطيعة بين المسلمين الحرمان من مغفرة الله عزَّ وجلَّ، فعن أبي هريرة مرفوعاً: “تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اتركوا أو أركوا (يعني أخروا) هذين حتى يفيئا” رواه مسلم·
ويرشد الشيخ المجرشي من تاب إلى الله من المتخاصمين أن يعود إلى صاحبه ويلقاه بالسلام فإن فعل وأبى صاحبه فقد برئت ذمة العائد وبقيت التبعة على من أبى، عن أبي أيوب مرفوعاً: “لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” رواه البخاري·
لا بد من الانتباه
ويأخذ فضيلته من هذه الأحاديث أنه يحرم على المسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال فإذا حصلت مشاحنة بين مسلمين فيجوز الهجر أقل من ثلاث ليال ويحرم أكثر من ثلاث ليالٍ ويحرم أكثر من ذلك، وهذا الهجر يكون لحق الإنسان مع أخيه· فالحسرة أن تهدم علاقات وصلات بين أخوة وأحباب وأقارب من أجل دنيا لا تساوي جناح بعوضة عند الله، فلا بد من الانتباه والتأمل لهذه الأفعال المشينة بين المسلمين في تمزيق الصف وتفكيك روابط المجتمع وتقطع صلة القرابة والأخوة والصحبة والجيرة، فالحذر الحذر من هجر المسلم للمسلم·
وأما هجر المسلم لأخيه المسلم لارتكابه معصية من المعاصي وهو الهجر لحق الله فهو جائز ومشروع ثلاث ليال وأكثر حتى يرجع المهجور عن المعصية ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى·
قال ابن العربي المالكي: وأما إن كان الهجر لأمر أنكر عليه من الدين كمعصية فعلها أو بدعة اعتقدها فيهجره حتى ينزع عن فعله فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في هجران الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة حتى صحت توبتهم عند الله فأعلمه فعاد إليهم·
وقال الإمام مالك: (ويهجر أهل الأهواء والبدع والفسوق لأن الحب والبغض فيه واجب ولما في ذلك من الحث على الخير والتنفير من الشر والفسوق)· وهجران أهل المعاصي مشروع وثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قصة كعب بن مالك – رضي الله عنه – أصلح الله المسلمين وجمع بين قلوبهم·
تحريم الهجر
وعن تحريم هجر المسلم لأخيه المسلم، تحدث فضيلة الشيخ د· نهار بن عبدالرحمن العتيبي – المشرف العام على موقع دوحة الإسلام – عضو الجمعية الفقهية السعودية فقال:
لقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم هجر المسلم لأخيه المسلم فوق ثلاثة أيام فقال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليالٍ: يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” وهذا حديث متفق على صحته وفيه حث على الإصلاح بين المسلمين، فخير المتخاصمين هو الذي يبدأ صاحبه بالسلام، وهذا مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى الذي حث فيه المسلمين على الإصلاح وعدم التقاطع والخصام فقال جلَّ شأنه: {ِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]· وقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من التهاجر والتقاطع فقال فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر لكل امرئٍ لا يُشرك بالله شيئاً إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أتركوا هذين حتى يصطلحا”·
وهذا دليل على حرمان الذي يهجر أخاه من مغفرة الذنوب· ويستثنى من ذلك الهجر لمصلحة إذا كانت تلك المصلحة راجحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وكذلك يهجر صاحب البدعة الذي أظهر بدعته أو صاحب المعصية المجاهر بمعصيته إذا ترتب على هذا الهجر مصلحته وكف عن معصيته، لكن لا يكون المسلم ضحية للشيطان الذي يؤلّب بينه وبين إخوانه فيهجر إخوانه المسلمين لأسباب دنيوية هي في حقيقتها لا توجب الهجر، بل إن الهجر من أجلها هو فعل محرّم·
مساوئ وآثار الهجر
ثم تحدث الشيخ سلطان بن معيوض الحارثي خطيب جامع أبي عبيدة بالرياض أستاذ العلوم الشرعية بالحرس الوطني فقال:
الأصل في الهجر بين المسلمين المنع وما كان مباحاً منه فهو للحاجة والحاجة تقدَّر بقدرها والثلاث مقدار ما أبيح للحاجة كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فقد دل هذا الحديث بمنطوقه على عدم حلّ هجرة المسلم فوق ثلاث، قال النووي: “قال العلماء في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث وإباحته في ثلاث: الأول بنص الحديث والثاني بمفهومه”·
قال ابن عباس: “لا يحل التباغض ولا التنافس ولا التحاسد ولا التدابر بين المسلمين، والواجب عليهم أن يكونوا إخواناً كما أمرهم الله ورسوله”·
أنشد محمد بن الحسن رحمه الله:
يا سيدي عندك لي مظلمة
فاستفت فيها ابن أبي خيثمة
فإنه يرويه عن شيخه
قال روى الضحاك عن عكرمة
عن ابن عباس عن المصطفى
نبينا المبعوث بالمرحمة
إن صدود الخل عن خلّه
فوق ثلاث ربنا حرّمه
لقد بيَّنت أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام في هجر المسلم لأخيه عدم رفع الصلاة فوق الرؤوس شبراً وقرن المشاحن بالمشرك ورضا الشيطان بالتحريش بين المصلين المسلمين وعدم رحمة الله لهم وتنكبهم عن الحق والبوء بالإثم وعدم دخولهم الجنة أو اجتماعهم فيها والتصريح بدخول المتهاجرين النار وإعراض الله عنهما كل هذه الأمور تدل على شدة حرمة الهجر، حتى قال أبو العالية – رحمه الله -: “سمعت في المتحارمين (يعني المتهاجرين) أحاديث كثيرة كلها شديدة وإن أهون ما سمع: أنهما لا يزالان ناكبين عن الحق ما كانا كذلك”·
ويذكر الشيخ الحارثي عدداً من المساوئ والأضرار والآثار المترتبة على الهجر ومنها:
– الهجر يعطَّل طاقة الخير في المتهاجرين فلا يتعاونان على فعل بر أو مصلحة·
– أن الهجر يقبض يد المساعدة عن المهجور وهو عقوق المهجور أحد الوالدين وقطيعة رحم إن كان أحد الأقارب فقاطع الرحم والعاق لا يدخلان الجنة·
– أن الهجر يعطِّل حقوق المسلم بين المتهاجرين فلا يسلم أحدهما على الآخر ولا يرد سلامه ولا يعوده إذا مرض ولا يتبع جنازته إذا مات وغير ذلك من الحقوق·
– أن الهاجر يفرح إذا أصابت المهجور مصيبة كما يحزن إذا أصابته نعمة·
– أن المتهاجرين محرومان مما يفيض الله على المسلمين في مواسم الخير، فصلاتهما لا تُرفع وعملهما موقوف حتى يصطلحا·
ولو لم يكن من قبائح الهجر إلا هذا لكان كافياً في الابتعاد عنه·
– أن الهجر انعزال والإسلام ينهى عن ذلك ويأمر بالاجتماع ووحدة الصف وهذا المنعزل سهل الانقياد للشيطان·
– أن المتهاجرين يتجه كل منهما إلى تغييب خصمه وإفشاء عوراته بالصدق أو الكذب، فهما دائران بين الغيبة والبهتان وكلاهما كبيرة وقد يطول الهجر حتى يبلغ فترة طويلة مما يجعل المتهاجرين لا يجتمعان على خير أبداً، وقد يصل الأمر إلى لعن كل واحد منهما للآخر، ولعن المسلم لا يجوز، قال صلى الله عليه وسلم: “من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه” وهذا الحديث يدل على ما يصل إليه انحطاط بعض الناس بسبب تمسكهم بالهجر الممنوع الممقوت بحيث لو استطاع أن يقضي على خصمه ما تأخر لحظة ولا يرقب فيه إلاً ولا ذمة·
– أن الهجر يفوّت على صاحبه ثواباً عظيماً، قال صلى الله عليه وسلم: “أفضل الناس كل مخموم القلب صدوق اللسان” قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب· قال: التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلٌ ولا حسد”·
ثم تحدث الشيخ حمد بن محسن الدعجاني – عضو الجمعية الفقهية السعودية – إمام مسجد الصرامي فقال عن أنواع الهجر المشروع:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }، وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: “لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث” متفق عليه· وعن أبي أيوب – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” متفق عليه· وروى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا”·
وروى أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار” وروى أبو داود أيضاً بإسناد صحيح عن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه” وعلى ذلك فلا يجوز للمسلم هجر أخيه المسلم بغير سبب شرعي فوق ثلاثة أيام ويستثنى من ذلك ما جاء في النصوص من الهجر الجائز ومن ذلك:
– الهجر ثلاثة أيام فما فوق دون كما دلَّت الأحاديث·
– هجر الرجل لامرأته في المضجع إذا نشزت، كما قال الله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ } ·
– هجر أصحاب المعاصي، ممن يفعل المنكرات والمحرمات أو يترك الواجبات كما هجر النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله تعالى توبتهم، وهذا في أصحاب المعاصي المهاجرين إذا كان الهجر ينفع لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “كل أمتي معافى إلا المهاجرين” أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة·
وجعل ماكتبتيه في موازين اعمالكـــــــــ
ودمتي بود