هل المصائب التي تقع على الإنسان هي عقاب دنيوي نتيجة ذنوبه، مع أننا نرى الكفار يرتعون في نعيم الدنيا؟
الجواب:
الإنسان المسلم يقعُ في الخطأ ويقع منه الذنب، ولذا قال الرسول – صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون)).
فعلى هذا؛ فالمصائب التي تقع على الإنسان المسلم لا تخلو أن تكون لأحد ثلاثة أسباب:
1- أن تكون تذكرةً له ليقلع عن ذنب، كما قال – تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
قال ابن كثير في (تفسيره): "فالمؤمن من يتفطَّن لما ابتلاه الله به من الضرَّاء والسرَّاء، ولهذا جاء في الحديث: ((لا يزال البلاءُ بالمؤمن حتى يخرج نقيًّا من ذنوبه))، والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم أرسلوه، فلا يتَّعِظ إن أصيب، ولا إن أُعطي.
2- أن تكون عقابًا لذنب سبق، فيُطهِّرُه الله من الذنب حتى يقابل ربَّهُ مُتطهِّرًا من ذنوبه، والعقوبةُ الدنيوية خيرٌ للمرءِ من عقوبات الآخرة.
3- أن تكون رفعةً لدرجاته، فيكون للعبد منزلةٌ في الجنة لم يبلُغها بعمله، فيُقدِّر الله عليه من البلاء ما يرفع به درجته.
أما الكافرُ فتُعجَّل له طيِّباتُهُ، وتُدَّخَر له سيئاته حتى يأخذها كاملةً يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 176- 178]، ومع ذلك فالكافر يُصيبُهُ مثل ما يُصيبُ المسلم من المرض، ونقص المال، والأنفس، والخوف، والجوع، وغيرها.
وما نرى مما يتمتَّع به الكفار من تقدُّمٍ تِقَنيٍّ وصناعيٍّ وغيرها فليس بسببِ كفرهم، ولكن مَرَدُّ ذلك وسبَبُهُ: أن الله جعل في هذا الكون سُننًا، فمَنْ أَخَذَها تحقَّقَت له نتيجتُهَا، فالكفَّار أخذوا بالعلم، وتعلَّمُوا فتقدَّموا، والعلمُ من خير ما أمر به الإسلام وحثَّ عليه، ولو أخذنا بما أمرنا به ديننا لتقدَّمنا عليهم، ولفُزْنا بخيرَيْ الدنيا والآخرة.
ولا يخفى على مسلمٍ أن الدنيا سجنُ المؤمن، وجنةُ الكافر؛ ولو كانت الدنيا تزِنُ عند الله جناحَ بعوضةٍ ما سَقَى منها كافرًا شربةَ ماءٍ، فالدنيا بالنسبةِ للمؤمن سجنٌ لما وعد به من الجنة، والدنيا جنةٌ للكافر بالنسبة لما وعد به في الآخرة من النار.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.