د. فكري السيد عوض
أخصائي العيون
لقد وصل العلم الحديث إلى مرحلة بعيدة من التقدم ، جعلت الفرد لا يملك إلا أن يؤمن بالله إيمانًا يقينيًا مبنيًّا على الواقع ، وليس هناك علم صحيح يقال عنه : إن الإسلام يخالفه ؛ فلا شيء يقوم على الفوضى ، ولا شيء يوجد من تلقاء نفسه .. إنه الاتزان المحكم والدقة الرائعة ، مؤكِّدًا أن العلم يخدم القضية الإيمانية ويثبتها ؛ ولذلك ينادينا ربنا عز وجل في القرآن قائلاً :﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾(الذاريات: 21) .
وحينما نتأمل آخر سورة فصلت قوله تعالى :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾(فصلت: 53) ، نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام قرؤوها :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا ﴾ ، وكذلك قرأها التابعون ، ونحن نقرأها اليوم كذلك ، ومن يأتي بعدنا سيقرأها كذلك أيضًا :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا ﴾ .. إنه التعبير عن المستقبل الذي سيكشف لهم كل يوم عن عجز البشرية أمام آيات الخالق عز وجل مبينًا لهم أن هذه الآيات لا فائدة منها إلا للمتفكر والمتأمل فيها :﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾(يوسف: 105) ، وصدق الله .. فمازالت الآيات كل يوم تكتشف مؤكدة أن مزيدًا من العلم مع تأمل وتفكر يعطي مزيدًا من الإيمان ورسوخًا للعقيدة ؛ ولذلك يجب ألا نخالف من زيادة العلم ، بل يجب أن نفرح به ؛ لأنه سيخدم القضية الإيمانية من جميع جوانبها .. وتعالوا معي على سبيل المثال في هذا العالم الإنساني العجيب الذي قيل عنه :
وتزعم أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر
لنقف على نقطة واحدة وجزء صغير في جسدنا طالما ذكر في القرآن في مواضع شتى ؛ لنرى هذه الدقة العظيمة والروعة الكافية وصنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه ، ثم ننظر هل سيتعمق الإيمان ، أم سيتزعزع ؟ ونحكم هل يرق القلب ، أم سيزداد قساوة أشد من قساوة الحجارة ؟
إن محور الحديث سيدور بإذن الله حول حاسة الإبصار التي لو قضينا الدهر كله شاكرين لله عز وجل هذه النعمة ما وفيناه حقه:
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾(النحل : 38) .
فماذا كان موقف الإنسانية تجاه تلك النعم ؟
﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾(السجدة: 9) .
والحديث في هذا المجال يطول ويطول ، فهو متعدد الجهات متشعب الجوانب ، فمن وظائف مختلفة للعين وكيف تعمل ؟ وكيف ركبت العين في مكان أمين ؟ وكيف تحمى نفسها داخليًا وخارجيًا ؟ وكيف تُرطِّب نفسها مهما كانت درجات الحرارة العالية ؟ وكيف تحتفظ بالبريق الخاص بها ؟ وكيف تتحرك ؟ وكيف قسمت إلى طبقات مستقلة متخصصة فترى واحدة للتغذية وأخرى للحماية وثالثة للإبصار ؟ وكيف ؟ وكيف ؟ … وسنقتصر بإذن الله تعالى على جزء بسيط من هذا العالم العجيب الدقيق ، وليكن : كيفية الإبصار ؟ فنقول وبالله التوفيق :
يسقط الضوء ، فيجتاز أوساطًا متعددة في العين حتى يصل إلى آخر طبقة فيها ، والتي تسمى بالشبكية حيث يبلغ سمكها أقل من نصف مليمتر ، وتتركب من عشر طبقات فوق بعضها البعض في رقة متناهية . وإحدى هذه الطبقات العشر تقوم باستقبال الضوء حيث يبلغ عدد الخلايا فيها ما يقرب من /140/ مليون ( مائة وأربعين مليونًا ) خلية مستقبلة للضوء !! كيف ركبت ؟! كيف نظمت ؟! إنه صنع الله العليم الخبير . ثم تخرج من هذه الشبكية ألياف عصبية يبلغ عددها نصف مليون ليف عصبي مكوِّنًا العصب البصري الذي ينقل الصورة واضحة دقيقة ملونة طبيعية إلى المخ ..
ولكي ترى العين الأشياء لابد من توافر أربعة شروط :
الشرط الأول : الضوء الكافي .
والشرط الثاني : طول الموجة الكافية .
وحتى يتضح ذلك نستشهد بتجربة العالم نيوتن حينما سلط نورًا أبيضًا على منشور زجاجي مائل ، فوجد أن الضوء الأبيض تحلل إلى سبعة ألوان ، هي المعروفة بألوان ( قوس قزح ) ، وتبدأ باللون الأحمر ، وتنتهي باللون البنفسجي . وكل لون من هذه الألوان له طول موجة معينة ، وأطولها موجة هو اللون الأحمر ، وأقصرها موجة هو اللون البنفسجي .
فإذا زاد طول الموجة على ذلك- كما في الأشعة تحت الحمراء- فإن العين لا تراها مع أنها موجودة ، ولها آثارها الحرارية . وإذا نقص طول الموجة الضوئية عن ذلك- كما في الأشعة فوق البنفسجية- العين لا تبصرها أيضًا مع أنها موجودة ، ولها آثارها الكيميائية .
وهذا الشيء يحدث في جميع الحواس ؛ فمثلاً في حاسة السمع نجد أن الإنسان يسمع الأصوات التي تتراوح ذبذبتها ما بين / 16 / إلى /20 / ألف هزة في الثانية . وإذا تجاوزت ذلك ، لا يسمع الإنسان صوتًا . وفي بعض الحيوانات- مثل القطط- تجد أن قوة سمعها للأصوات يفوق قوة سمع الإنسان ، فتصل إلى /50 / ألف هزة في الثانية . وأعجب الحيوانات هو الخفاش الذي تصل حدة السمع عنده إلى /120 / ألف هزة في الثانية . والشيء نفسه نجده في العين ؛ فإنه ليس بمقدورها رؤية كل شيء في الكون . وهنا نستشعر الإيحاءات التي قصَّها الله علينا في القرآن الكريم عندما طلب موسى عليه السلام رؤية ربه عز وجل :
﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ﴾(الأعراف: 143) .. لماذا ؟.. لأنه ﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾(الأنعام: 103) .
وعلى هذا فهناك العوالم الغير مرئية كالجن والملائكة ليس في مقدورنا أن نراها ؛ لأن هذا فوق مقدرة العين البشرية :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً ﴾(الفرقان: 21) .. أفلا يحق لأولئك المستكبرين أن يتدبروا ذلك حتى يؤمنوا ؟
وعلى نفس المقياس هناك إشعاعات لا نبصرها بخلاف الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية ، وهي : أشعة ألفا ، وييتا ، وجاما .. وكذلك توجد قوى نشعر بآثارها دون أن نراها ؛ منها : القوة الكهربية ، والقوة المغنطيسية ، والجاذبية الأرضية .
والشرط الثالث : طول كافي للرؤية .
فإذا تناهى الشيء في الصغر ، عجزت العين عن رؤيته . والإنسان الذي ركب المجهر الذي يكبر الأشياء / 300 / ثلاثمائة ألف مرة لم يستطع أن يرى الذرة ويسلم بأنها موجودة . وهنا نجد عظمة الخالق في قوله :﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾(الحاقة: 38- 39) .
والشرط الرابع : المدة الكافية .
وهو ما يقوم عليه مبدأ عرض الدور المتحركة المتتابعة على شاشات العروض المختلفة مثل التليفزيون حيث أصبح في استطاعة الإنسان أن يتحكم في المناظر الساكنة المنفصلة عن بعضها البعض ؛ ليجعل المشاهد يراها وكأن الحياة تدب فيها ..
ماذا يحدث ؟ .. تحكم العلماء في سرعة العرض للمناظر المتتابعة بما يكفي لرسم منظر على شبكة العين ، وبعده بمدة كافية محددة يلحقه منظر آخر .. وهكذا ، فيشعر المشاهد أن الأحداث متلاحقة ومتحركة ؛ لكنها في حقيقة الأمر خلاف ذلك ، بحيث أنك في مقدورك أن تحمل في جيبك الشريط الذي يحتوي على كل هذه الأشياء حيث لا حركة فيها ولا انفعالات ، وعندما تضعه على شاشة العرض تجد الحركة والصخب والصوت والبكاء والكر والفر ؛ وكأنها الحياة العادية .. وهذا ما نفهمه من قصة موسى- عليه السلام- مع السحرة :
﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(الأعراف: 113- 118) .
وكذلك في المستشفيات ؛ فإنه يوجد في عيادة العيون أشياء من هذا القبيل تقوم على أسس علمية ، فتقف مثلاً أمام جهاز معين ، فترى الشيء الحقيقي واضحًا ، ثم بتجربة بسيطة تجد أنه اختفى تمامًا مع أنه موجود ، وبتجربة أخرى تجد أنه أصبح اثنين مع أنه واحد فقط .. وكل هذا له أسسه وقواعده العلمية التي تؤثر على العين ، لا على الشيء ؛ لأن الذي في قدرته تغيير طبائع الأشياء هو الله عز وجل .. فتبارك الله رب العالمين .
نعود مرة أخرى إلى العين ؛ لندرك كيف تتحكم هي في كمية الضوء الداخل إليها ؛ لأنه إذا دخلت كمية كبيرة زائدة من الضوء إلى العين ، فمعناه فساد الصورة ؛ ولذلك إذا كان النور شديدًا ، تضيق حدقة العين ؛ لتقلل من حدته ، وإذا كان الضوء ضعيفًا ، تتسع حدقة العين ، ويحدث هذا دون تدخل من الإنسان .. ﴿ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾(النور: 41) .
والعجيب أن هذا التفاعل الإلهي وجد أنه لا يحدث في أشخاص خالفوا أمر ربهم واتبعوا أهواءهم حينما قال لهم :﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾(الإسراء: 32) ، فأصابهم الميكروب الذي لا ينقل إلا عن طريق الجنس ( ميكروب الزهري ) ، حيث يترك آثاره على حدقة العين ، فلا تتأثر بالضوء ؛ بل تبقى كما هي ضيقة كما ضاقت بصيرة صاحبها ، ولا تتفاعل مع الضوء كما لم يتفاعل صاحبها مع منهج خالقه ومصوره ، علاوة على ذلك يترك هذا الميكروب بصمة أخرى على الحدقة ، لها شكل معين يعلمها المتخصصون في طب العيون .
العصب البصري :
وهناك نقطة أخرى تتعلق بالعصب البصري الذي- كما قلنا- إنه يسير فيه حوالي نصف مليون ليف عصبي ؛ لنقل الصورة واضحة ملونة . ويقول العلماء : إنه في مقدور العين أن تميز حوالي / 128 / لونًا أساسيًا .. وبعقد مقارنة بسيطة في بعض الحيوانات نجد أن :
أولاً : حيوانات نهارية مثل الدجاج والحمام ، ترى في النهار فقط .
ثانياً : حيوانات ليلية مثل البوم والخفاش ، ترى في الليل فقط .
لكن الإنسان الذي كرمه الله عز وجل ركب فيه ما يؤهله لأن يرى في الضوء الساطع والضوء الخافت بخلايا متخصصة يصل عددها إلى / 140 / مليون خلية .. ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ﴾(البلد: 8) .
ثالثًا : حيوانات مثل الكلاب والقطط والماشية ، لا ترى الألوان مطلقًا ، فكل الأشياء التي تراها ؛ إما لونها أبيض ، أو أسود .
لكن الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه ركب فيه ما يجعله يرى كل شيء على طبيعته . وتخيل لو أن الإنسان خلق مثل الحيوانات السابقة ماذا يحدث ؟! .. تزول البهجة والسرور .. ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾(النمل: 60) .. ﴿ وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾(الحج: 5) .. ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾(البقرة: 69) .. إنها نعمة من اللّه على عباده ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾(الإسراء: 70) .
والشيء اللافت للنظر أنك تجد أن هناك أسبابًا تسبب عمى الألوان ، ومن جملة هذه الأسباب :(التسمسم المزمن بالتبغ والخمر) ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾(المائدة: 90) .
أشهر مرض يصيب العصب البصري :
وهذا العصب المعقد التركيب قد يصيبه التهابات معينة تؤثر عليه وعلى وظيفته ، ووجد أن أشهر مرض يسبب التهاب العصب البصري سببه الزنا ، حيث يدخل ميكروب الزهري إلى الجسم عن طريق الاتصال الجنسي ، ويكمن الميكروب في الجسم فترة طويلة تصل إلى ربع قرن ، وبعد ذلك تظهر آثاره السيئة المفجعة على شكل شلل في الأعضاء ، وعدم المقدرة على السير في الظلام ، بعد أن كان يفعل جريمته مستترًا في الظلام ، ويفقد قدرته الجنسية التي استعملها في الحرام فحرمه الله منها ، ويبول على نفسه وتصبح رائحته منتنة لدرجة أنه يتمنى الموت ، ويترك أثرًا واضحًا على قزحية العين كدليل وشاهد على ذلك . وصدق الله الذي أمرنا ، فقال :﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾(الإسراء: 32) ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾( البقرة: 143 ، والحج: 65) .
وهذا الميكروب عندما تصاب به المرأة يحدث لها إسقاطات متكررة في أشهر الحمل .. والأدهى من ذلك أن هذا الميكروب ينتقل خلال الدم إلى الطفل إلى الذرية ؛ إما أن يكون على هيئة أجنة ميتة ، أو تشوهات جنينية ، أو تشوهات جلدية ، أو تخريب في الأسنان ، وعتامة في القرنية ، وصمم في الآذان .. ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ .
دور المخ :
تنتقل الصورة إلى المخ بعد أن تكون قطعت طريقها الدقيق ، حيث تصل إلى خلايا خاصة بالرؤية تتركز في مؤخرة الدماغ ، فيقوم المخ بترجمتها ، وإصدار أوامره لجميع أجزاء الجسم لاتخاذ التدابير الخاصة بذلك . فمثلاً إذا ركبت سيارتك ، وفجأة رأيت النور الأحمر ، ما الذي يحدث ؟ .. النور يصل إلى العين ، ثم إلى الشبكية ، حيث الخلايا المستقبلة للضوء التي تنقل النور الأحمر خلال ألياف العصب البصري الذي يوصله إلى المخ ، حيث يتولى تفسيره ، وهو أنه لا بد أن تقف ، فتستجيب خلايا خاصة في الفص الجبهي من المخ ، فتأمر خلايا معينة بإرسال إشارات إلى عضلات في القدمين والرجلين ؛ لتقوم بالحركة اللازمة لوقف السيارة .. وهذا الأمر يتم في ثوان . فكيف صمم ؟ وكيف ركب ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾(الانفطار: 6- 8) .
وليكن معلومًا- كما قرر علماء التشريح- أن عدد الخلايا العصبية التي يحتويها المخ تبلغ / 14 / أربعة عشر مليار خلية موزعة في / 14 / أربع عشرة منطقة من مناطق الدماغ .. فسبحان من خلق وقدر كل شيء ووضع الميزان .. ﴿ إنه صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾(النمل: 18 ) .
وقال علماء التشريح : إن كل خلية تتفاعل مع باقي الخلايا ، حتى وجد أن بعض الخلايا تتصل بما يقرب من / 1800 / خلية أخرى في ترابط تام . فإذا حاولت أن تتصور كم طريقًا ينشأ من خلال هذا الاتصال من / 14 / أربعة عشر مليار خلية عصبية ، فبالتأكيد إن الرقم الناتج لا يمكن أن تستطيع قراءته ، وهذا هو واقع الدماغ المعقد المحير ، وهذا هو خلق الله عز وجل .. ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾(القمر: 49) ..
بقيت هناك موضوعات كثيرة تدور حول هذا المجال الغريب العجيب .. لكننا نقف عند هذا الحد ؛ لنكمل ما بدأناه في مقالات أخرى ، إن شاء الله تعالى وقدر .
وفي الختام .. أصبح واضحًا أنه في الإمكان أن نوجه سؤالاً لهؤلاء الذين يمرون على هذه الآيات ، وهم معرضون عنها ؛ لكي نسمع إجابتهم عن هذه الدقة البالغة ، وهذا الإتقان العظيم ، ونقول لهم : إننا نفرح بتقدم العلم ؛ لأنه يزيدنا يقينًا وإيمانًا ، وعدم ارتياب .. ﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾(المدثر: 31) .
وأمام هذه النعمة- نعمة الإبصار- وتجاه تلك الأمانة الغالية .. هل رعيناها حق رعايتها وحافظنا عليها واستعملناها فيما يرضي خالقها عز وجل ؟ .. هل نفذنا تعاليمه حينما أمرنا بقوله :﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾(النور: 30) .. وهل وجهنا تلك النعمة العزيزة ؛ كما قال ربنا عز وجل :﴿ فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾(الطارق: 5) .. ﴿ فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ﴾(عبس: 24- 32) .. ﴿ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ﴾(الأنعام: 99) .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾(الحشر: 18) ..
نسأل الله أن يبصرنا بأمور ديننا ، ويرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
د. فكري السيد عوض
على المشاركه الجميلة
متميزه دائماً
يعطيك الصحة والعافية
تقبلي مروررررررررري