موضوع الدعوة موضوع طويل ومتشعب والدعوة إلى الله –عز وجل- من أعظم القربات وأجل الطاعات، وهي مهمة الأنبياء والمرسلين، ولهذا اصطفى الله –عز وجل- للقيام بها كرام الخلق من الأنبياء والعلماء ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين .
قال ابن القيم –رحمه الله- : «فالدعوة إلى الله –تعالى- هي وظيفة المرسلين وأتباعهم» .
وقد أمر الله –عز وجل- نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالقيام بأمر الدعوة : "يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ" [المدثر: 1، 2] فالدعوة تحتاج إلى قيام وحركة ونشاط وتضحية وجهد وبذل .
والداعي هو الذي يسير إلى الناس ويذهب إليهم، قال الله –عز وجل- عن أهل النار موبخًا : "أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ" [الملك: 8، 9] فهو الذي يبذل ويعطي ويكد ويتعب حتى يبلغ دعوته .
والداعي سريع الحركة قوي الهمة صادق العزيمة : "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" [يس: 20]، والسعي في لغة العرب الجري الشديد، وكأن هذا الداعي يسرع إلى قومه حتى لا يقعوا في نار أحاطت بهم واقتربت منهم .
والآيات في ذلك معروفة؛ بل الآيات في الدعوة إلى الله والحث عليها أكثر من آيات الحج والصيام وهما ركنان من أركان الإسلام، واليوم تباطأ الناس في الدعوة إلى الله تباطئًا عجيبًا فالله المستعان !
ومن الأحاديث في الحث على الدعوة قول النبي صلى الله عليه وسلم : «بلغو عني ولو آية» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» [رواه مسلم] .
وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة فعلاً وقولاً : دعوة إلى الله –عز وجل-، فقد صعد الصفا، ودعا في موسم الحج، وذهب إلى الطائف، وهاجر إلى المدينة، حتى تركنا على المحجة البيضاء وسيأتي ورود أحاديث أخرى في ثنايا الكتاب .
والطريف أن بعض الجن أفقه من بعض الإنس في هذا الجانب، لما سمع الجن القرآن يتلى كما ورد في سورة الجن : "فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ" [الجن: 1، 2] هذه الخطوة الأولى منهم، ثم كانت الدعوة والعمل لها؛ ثم ولوا إلى قومهم منذرين : "يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ"[الأحقاف: 31]، انظر إلى تلك الهمم في الدعوة إلى الله والقيام بأمر الدين من أولئك النفر !
ومن فضل الله وجوده أن لك أيها الداعي مثل أجر من دعوته لا ينقص من أجره شيئًا، فإن أمرته بالصلاة فلك مثل أجر صلاته، وأن تحدثت عن النفقة وأنفق، لك مثل أجر نفقته، ها هو يصلي وأنت جالس، وذاك يحج وقد أعنته على الحج ودللته على الخير وأنت جالس في بيتك .
واليوم تأمل في حال من يعملون من النصارى وأرقام التنصير المفزعة لترى أنهم يعملون ونحن نتحدث! ثم يأخذك العجب فيم نتحدث !!!
وإذا رأيت اليوم مللاً ونحلاً باطلة تنتشر في أصقاع الأض فاعلم أن خلفها رجالاً يعملون وأناسًا يبذلون، فما الذي أدخل مثلاً في دول إسلامية الاشتراكية والشيوعية إلا أولئك، ومحبة الدين لانشك أن الجميع يقولها ويفعلها نية صادقة بقلبه لكن هذه لا تكفي لابد من العمل .
أذكر أني قرأت في صحيفة قبل سنوات أحد محبي الرياضة يقول : رهنت بيتي بمليون ريال لمصلحة النادي الفلاني ! نعم أحب هذا النادي فعمل له، ونحن نحب ديننا فماذا عملنا له ؟!
والسؤال يلقي بنفسه حسرة: هل يتوقف نشر العلم الشرعي وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى هذا الدين على أفراد قلائل من الأمة ؟!
سؤال يحتاج إلى جواب عملي ممن أنعم الله – عز وجل- عليه بهذا الدين وهداه إليه .
جزاك الله خيرا غاليتي
احسن الله اليك على حسن الاختيار