لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بنعمة الإيمان، ومنَّ علينا بنعمة الإسلام، وأُرسل فينا خير رسول أرسل، وأنزل لنا خير كتاب أنزل، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس؛ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وقد أعزنا الله بالدعوة إليه والعمل لدينه في زمن قلّ فيه العاملون، وكثر فيه القاعدون عن نصرة الدين والدعوة إليه بإحسان، ونعمة الدعوة فضل من الله وإصطفاء منه سبحانه لبعض عباده، رغم أنها واجب على الجميع في كل ميدانه ومجاله، امتثالاًَ لقوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف/ 108).
ولأن الدعوة إلى الله شرف وعز لنا، فقد نقلنا الله عزّ وجلّ بسببها من دائرة السكون والهزل إلى ميدان الحركة والجد، ومن دائرة الانشغال بالنفس إلى ميدان الاهتمام بالغير من غير إهمال للنفس، ومن دائرة السلبية والعجز إلى ميدان الإيجابية والبذل، ومن دائرة الهمل إلى ميدان العطاء والأثر. فبارك الله بها الأعمار والأوقات، ورفع بها الدرجات، وأعطى بها الأجر وأحسن بها الذكر، ما أروع الحياة في كنف الله!
– حياة حافلة:
إن الحياة الحقيقية ما كانت في كنف الله وطاعته والعمل لدعوته والتضحية في سبيله، وفي السعي لقضاء حاجات عباده، أما من حرم هذه النعم وعاش بعيداً عن ربه منشغلاً بنفسه ليس نافعاً لغيره؛ فهو في عداد الأموات، وإن كان يأكل ويشرب ويمشي بين الناس. قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/ 122).
بل إن عباد الله الصالحين العاملين الذين ضحوا من أجل دعوتهم ودينهم تمتد حياتهم بعد موتهم، في الوقت الذي يحيا فيه أناس يأكلون ويشربون ولكن لا أثر لهم فيمن حولهم؛ والسبب في امتداد حياة المجاهدين العاملين هو ما قدموه مخلصين لله فيه، وما بذلوه يرجون من ورائه الأجر لا الذكر، فيحيي الله أعمالهم وتظل آثارهم الطيبة تتحدث عنهم، وتبقى أخلاقهم وأعمالهم ومواقفهم يقتدي بها الناس، فيُؤْجرون بذلك وكأنهم أحياء يعملون الصالحات وينالون الحسنات.
ورحم الله مَن قال:
الناس صنفان: موتى في حياتهم
وآخرون ببطن الأرض أحياء
* من أصناف الناس في الحياة
1- صنف يعيش لنفسه:
هو صنف من الناس يولد بميلاده لكنه يموت بموته، قد يصلي ويصوم ويؤدي الفرائض، لكنه طول حياته لا ينشغل إلا بنفسه، ولا يهتم بما يدور حوله، حريصاً على كل شيء يخصه، تجده سعيداً فرحاً لأن خيراً عاد عليه، وتراه مهموماً حزيناً لأن مصاباً ألمّ به، هذا الصنف من الناس تنقضي حياته بمجرد موته، لأن أثره الإيجابي فيمن حوله محدود، لا يمتلك رصيداً في قلوب الناس؛ لأنه لم لا يشاركهم أحوالهم؛ ولم يحسن التواصل معهم، ولذلك سرعان ما يُنسى، فلا أثر ولا ذكر.
والمسلم الحق مطالب بأن يحسن معاملة الناس والتواصل معهم، والتحرك بالخير بينهم، بل مأمور بحسن التعامل مع جميع الخلق حتى مع الحيوانات.
والمسلم الحق هو من تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، بمعنى أن يكون لهذه العبادة – وغيرها – أثر في حركته بين الناس وعلاقاته معهم، وإلا قد لا تقبل صلاته وعبادته إذا لم يستقم سلوكه، يقول الله تعالى في حديث قدسي: "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصراً على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتي، وأستحفظه بملائكتي، أجعل له في الظلمة نوراً، وفي الجهالة حلماً، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة".
2- صنف يعيش لغيره:
هو صنف من الناس لم يهمل نفسه ويهتم بشؤون الآخرين، ولكنه مع انشغاله بنفسه اهتم كثيراً بمن حوله، ولذلك يولد بميلاده، لكنه لا يموت بموته، لأن أفعاله وأعماله الصالحة التي أخلص فيها لله أحسنَت ذكراه في العالمين، ويتقدم هذا الصنف من الناس أنبياء الله ورسله ومن سار على نهجهم من المصلحين والدعاة إلى يوم القيامة. فجميع الأنبياء والرسل بعثهم الله من أجل تبليغ دعوته إلى الناس، وإرشادهم إلى طريق الهداية والصلاح، فقوبلوا بتعنت من أقوامهم؛ فصبروا على أذاهم من أجل صلاحهم وهدايتهم، فمنهم من سُجن من أجل قومه، ومنهم من عذَّب وشرد، بل منهم من قُتل وهو يدعو قومه إلى الله.
جزاك الله خير كلمات جدا رائعة
تسلمي على المروووووور
دمت بحفظ الرحمن
تسلمي ياأغلى الأماني
شكرا اختي على الموضوع الرائع