الإشارات التي يعبر بها عن الفكر , فنحن عندما نتحدث مع الغير فإنه من الواضح أننا
ننطق بألفاظ نرتبها حسب المعنى , وعندما نتحدث لأنفسنا لا ننطق بألفاظ ولكننا نرتب
المعاني حسب الصورة المنطوقة مما يبدو معه أن كل تفكير يحتاج إلى تعبير و أن
كلتعبير يحتاج إلى تفكير , إلا أن مسألة اللغة والفكر ظلت موضوع سوء تفاهم
بينالفلاسفة والعلماء فهل يمكن قيام فكر بدون لغة ؟ بمعنى آخر هل اللغة والفكر
منفصلانعن بعضهما أم أنهما مظهرين لعملية نفسية واحدة ؟
التحليل:
اللغة والفكرمنفصلان عن بعضهما :
يذهب أصحاب الاتجاه إلى التمييز بين اللغة والفكر ,
ويفصلونبينهما فصلا واضحا , ويعتبرون أن الفكر سابق اللغة وأوسع منها , لأن
الإنسان يفكربعقله أولا ثم يعبر بلسانه ثانيا , لذلك قد تتزاحم الأفكار في ذهن
الإنسان ولكنه يعجز عن التعبير عنها مما يجعل اللغة عائقا للفكر ولعل هذا ما يدفع
بالإنسان إلى الاستعانة بالإشارات لتوضيح أفكاره أو اللجوء إلى وسائل بديلة
للتعبير اللغوي كالرسم والموسيقى وغيرهما . وهذا ما أكده " برغسون " حين
قال : " اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر " . بمعنى أن تطور
المعاني أسرع من تطور الألفاظ , فالمعاني بسيطة متصلة بينما الألفاظ مركبة منفصلة
, ويقول " فاليري " ( أحد الشعراءالفرنسيين ) : " أجمل الأفكار
هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها " . بمعنى أناللغة عاجزة عن إبراز
المعاني المتولدة عن الفكر إبرازا كاملا . فلا يمكنها أن تجسد كل ما يختلج في نفس
الإنسان .
وهكذا فالنتيجة التي ينتهي إليها أصحاب الاتجاه الثنائي
أن الفكر واللغة منفصلات عن بعضها فالقدرة على التفكير لا تعني بالضرورة القدرة
على التعبير مما يؤدي إلى عدم التناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ .
لكن الإنسان يشعر بأنه يفكر ويتكلم في آن واحد , والواقع
يبين أن التفكير لا يتم بدون لغة . فالفكر بدون لغة مجرد شعور. .
لايمكن الفصل بين اللغة والفكر :
يذهب أصحاب الاتجاه الواحدي إلى عدم التمييز بين اللغة
والفكر فهم لا يفصلون بينهما ولا يرون وجود فرق بينهما بل يرون أنه لايمكن أن يوجد
فكر بدون لغة , كما لا توجد لغة من دون فكر . فاللغة ليست مجرد أداة للتبليغ
والتعبير بل هي الأساس الذي يقوم عليه التفكير ومن بين الفلاسفة الذين يؤكدون على
وجود وحدة عضوية بين اللغة والفكر الفيلسوف الألماني " هيغل " الذي
يرى أن الكلمة تعطي للفكر وجوده الأسمى و أن الرغبة في التفكير بدون كلمات
لمحاولةعديمة المعنى , كما أن اللغة عند " جون لوك " هي علامات
حسية تدل على الأفكارالموجودة في الذهن , وهذا يعني أن هناك تطابقا بين الفكرة
ودلالة الألفاظ . كمايقول ستالين : " مهما كانت الأفكار التي تجيء إلى فكر
الإنسان فإنها لا تستطيع أن تنشأ وتوجد إلا على مادة اللغة " . وقد أشار
" أرسطو " إلى هذا بقوله : " ليس ثمة تفكير بدون رموز
لغوية".
وهكذا فإن أصحاب الاتجاه الواحدي يخلصون إلى نتيجة
مفادها أن اللغة والفكر كل موحد و أن العجز الذي توصف به اللغة فهو عجز في التفكير
و أن عدم التناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ يعود إلى عجزالمتكلم
عن إيجاد الألفاظ المناسبة للفكرة
.
لكن الإنسان يشعر بعجز اللغة عن مسايرة الفكر , فالأدباء
على الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية كبيرة يعانون من مشكلة التعبير والتبليغ كما
يشعر الإنسان أيضا بخطورة اللغة على الفكر أحيانا مثلما فيحالة سوء التفاهم.
لا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر :
لقد حاول الكثير من الفلاسفة من خلال آرائهم التوفيق بين
الفكر واللغة , فلا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر , وقد عبر عن هذا التلاحم بين
اللغة و الفكر " مير لوبونتي " بقوله : " إن الفكر لا يوجد خارج
الكلمات " . بينما يقول دولاكروا : " اللغة تصنع الفكر والفكر
يصنع اللغة " . وهكذا يبقى على الإنسان الاعتناء بلغته وتطويرها حتى
تتمكن من مواكبة الفكر واللحاق به فاللغة السليمة تعبر بصدق عن الفكر.
الخاتمة:
نستنتج مما سبق أن اللغة والفكر شيئان متداخلان
ومتكاملان , وإن كانت بينهما أسبقية فهي منطقية لا زمنية , وإن كان بينهما تمييز
فهو نظري لا مادي وقد عبر عن هذه العلاقة " هاملتون " بقوله : "
إن المعاني شبيهة بشرار النار لاتومض إلا لتغيب فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا
بالألفاظ " . كما يقول زكي نجيب محمود:
الفكر هو
التركيب اللفظي أو الرمزي لا أكثر و لا أقل
" ,وعليه فالتفكير يتطلب لغة
تحيـــاتــــــــــي