إعادة هندسة المجتمع السعودي!
خالد بن فيصل الفرم
يعد كارل منهايم ووليم بفيرج في إنجلترا، ورالف داهرندوف في ألمانيا، وأدورد شلز في أمريكا أبرز العلماء والمفكرين الذين استخدموا تقنيات الهندسة الاجتماعية الحديثة في إعادة بناء المجتمعات التي عاشوا فيها، والتي عانت من هزات اجتماعية أو نفسية، خاصة بعد التحولات المادية والاجتماعية التي مرت بها أوروبا. محليا تناول الدكتور محمد بن صنيتان هذا الملف عبر سلسلة مقالات منشورة في صحيفة إيلاف الإلكترونية، حول المجتمع السعودي، الذي أجد أنه بأمس الحاجة إلى هذا العلم الحيوي الذي برز بشكل جلي ومتكامل بعد الحرب العالمية الثانية، ونجح في معالجة التحديات والإشكاليات الاجتماعية والمادية التي عانت منها المجتمعات الأخرى، سيما التي شهدت تحولات حادة، أو متغيرات محلية وإقليمية واسعة.
والمجتمع السعودي، من المجتمعات الحديثة النشأة، ويشهد مخاضا طويلا وعسيرا، وتجاذبات قائمة نحو الانطلاقة وماهيتها، وكيفيتها،وبدايتها، وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، ومبدأ تكافؤ الفرص بين شرائح المجتمع ومكوناته، وتطبيق أسس النهضة الحضارية الشاملة، مايتطلب تدخلا ذكيا لمعالجة أمراض المجتمع وتحدياته عبر الهندسة الاجتماعية التي تهدف إلى تنظيم المجتمع وإزالة مشكلاته وتناقضاته من أجل تنميته وتمكينه من بلوغ غاياته وأهدافه القريبة والبعيدة، بمعنى المساهمة الفعالة (الفوقية) الداعمة لعملية التحول الاجتماعي، والانتقال بها من شكلها العفوي (التدافع الاجتماعي) غير المخطط أو الجامد، إلى شكل هادف ومخطط وفق طموحات الوطن والمجتمع، وضبط اتجاهات التحول الاجتماعي يستدعي في المقابل تصميم خطط وطنية مدروسة لضمان التنمية الاجتماعية الإيجابية، من خلال معرفة ماهية احتياجات وتطلعات الأفراد والجماعات والمجتمع، والعمل على إشراك الأفراد وممثلي الجماعات الذين يهمهم أداء هذه الجماعات، وإدماجهم في عملية صناعة التحول، للمساهمة في تنظيم مجتمعهم تنظيما يكفل تجاوز العقبات القائمة وتطويق آثارها السلبية وتحصين المجتمع، من خلال توسيع قاعدة المشاركة في إدارة الشأن العام، والمساهمة في تنظيم شرائح المجتمع وتنفيذ المخططات التنموية، بعيدا عن ثقافة التصنيف، فتجاوز أي شريحة يعني صعوبة تمرير المشاريع النهضوية، ورفع كلفتها جماهيريا. بمعنى أن الهندسة الاجتماعية المدروسة تستطيع التعجيل في التحول المجتمعي الشامل، إذا كان المجتمع يواجه صعوبات أو تحديات في النمو والتطور، مثلما يحدث حاليا في بعض مسارات المجتمع السعودي، في العديد من الملفات المعلقة، والمتعلقة بالبطالة والفقر، والفساد، والإقليمية، والعنصرية الإدارية المقيتة، والعلاقة مع الآخر(المحلي) و(الأجنبي) والعدالة الاجتماعية وملف المرأة، وفشل بعض البرامج التنموية بالمعنى الفكري لا الخرساني، والتي تجسد بشكل عام أمراض المجتمع السعودي.
لذلك، هناك حاجة ملحة إلى مشروع وطني شامل لإعادة هندسة المجتمع السعودي، يمكننا من العبور إلى عصر المستقبل بعيدا عن معوقات الراهن الاجتماعي لكي نستطيع تحقيق الانطلاقة المجتمعية المتكاملة لكافة مكونات الوطن، ودعم مشاريع خفض الفقر والبطالة والتحوط من آفات الفساد والتخلف وتحقيق مبدأ العدالة الشاملة.
alfirm@gmail.com