لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على عباده نعماً جمَّة ، أقل هذه النعم هي كما أوردها ابن أبي الدنيا في كتابه الشكر لله عن سيدنا داود عندما سأل ربه أن يريه أقل نعمة أنعمها عليه ، فقال له 🙁 يا داود تنفس فلما تنفس قال هذه أدنى نعمة أنعمتها عليك ) . فحري بنا نحن بني البشر أن نقابل نعم الله سبحانه وتعالى بالشكر . ولقد تفاوت العلماء في كيفية الشكر فسيدنا عمر ابن عبد العزيز يقول : ( ذكر النعم شكر (
وروي عن الفضيل ابن عياض أنه قال 🙁 من شكر النعمة أن تحدث بها ) . ولقد ورد أيضا أن من معاني الشكر ترك المعصية حيث ورد أن رجلاً سأل ابن تيمية : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت بين نعمتين ، لا أدري أيتُهما أفضل : ذنوب سترها الله عز وجل فلا يستطيع أحدٌ أن يعيرني بها ، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لم يبلغها عملي .
ولقد تكفل الله سبحانه وتعالى بالزيادة إلى من يشكر نعمه عليه قال تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } ( ابراهيم / 7 ) وحتى يتجلى معنى الشكر واضحاً في أذهانكم أقدم هاذين النموذجين لكم سائلاً المولى عز وجل أن يلهمني السداد في مسعاي.
النموذج الأول : هو شكر المال – كيف نشكر المال ؟
قد يظن أكثر الناس أن شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه التي أنعم بها علينا هي أن نرفع اكفنا إلى السماء وأن نلهج ألسنتنا بالدعاء مع عدم إنكاري لهذا النوع من أنواع الشكر فضلاً على أنني أدعوا إليه ، ولكنني أرفض أن يتوقف معنى الشكر فقط إلى ما يظهر على لساني ، وإلا فالإنسان يشكر الله عز وجل بلسانه ويذهب وينفق هذا المال في الحرام وفي إزاء الناس هل يجوز هذا ؟ إذا كانت الإجابة لا ، إذن يجب أن أعيد النظر في فهمي لمعنى الشكر ، ويجب أن أعلم يقيناً أن شكر الله في هذه النعمة ، هو أن أنفق هذا المال في المصارف الحلال ، وأن أمد يدي بالتيسير على المعسرين بالإقراض لهم ، وأن أخرج زكاة هذا المال إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول ، وأن أتصدق على الفقراء في السر و العلن مبتغيا وجه الله سبحانه وتعالى في كل هذا ، هذا الشكر الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ويمن علينا بالزيادة كما وعدنا جل وعلا أليس هو القائل : { لئن شكرتم لأزيدنكم{ .
أما النموذج الثاني فهو شكر لله سبحانه وتعالى على نعمة الوقت . كيف تكون صورة هذا الشكر ؟
إن أكثر شيء تغبن فيه هذه الأمة هي نعمة الصحة ونعمة الوقت كما أخبر الذي لا ينطق عن الهوى حينما قال :
(نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ ) . فهناك أربعة أسئلة سيُسألها العبد أمام الله عز وجل يوم القيامة، منها سؤالان خاصان بالوقت، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه ) . فشكر الوقت يكون في استغلال وملئه بالطاعة و العبادة لله سبحانه وتعالى ولا يقتصر مفهوم العبادة فقط ليشمل الصلاة والزكاة والصيام والحج فقط ، بل يتعدى مفهوم العبادة إلى أن يشمل جميع ميادين الحياة التي لا تمس عمل شيء من المحرمات والمحظورات ، فالعمل عبادة ولقد ورد أن هنالك ذنوب لا يكفرها إلا السعي في طلب الرزق ، فكل إنسان في موقعه وتخصصه مطالب في أن يؤدي أفضل ما يستطيع في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ونشر هذا الدين وتبليغه إلى الناس كافة ولا تقتصر مهمة الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين الحنيف على طلبة العلم الشرعي فقط فكلنا مطالب حسب استطاعته في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فالطبيب في عيادته والأستاذ في مدرسته والعامل في صنعته إلى أخر ما هنالك من مهن وحرف مطالبين في الدعوة ، حيث يتجلى شكرهم للوقت في أن يتقنوا صنعتهم فديننا يطالبنا في أن نتقن عملنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه ) ، ولقد ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال : قيمة الإنسان فيما يتقن أو فيما يحسن ، وهل الإتقان في العمل وتأديته على أحسن وجه إلا نوع من أهم أنواع شكر الله على نعمة و الوقت فنلاحظ من خلال ما تقدم كيف أن وعاء الوقت العبادة فالصلاة لا تجوز إلا في الوقت المحدد لها وكذلك الحج والصيام . أرجوا أن أكون قد وفقت في تبين معنى الشكر لله سبحانه وتعالى من خلال هاذين المثالين والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل . والحمد لله رب العالمين
الله يجعله في ميزان حسناتك