متى بدأ النزول وكم كانت مدة النزول
إن بحث نزول القرآن وتاريخ نزوله ، لمن أهم المباحث إذ به تعرف تنزلات القرآن الكريم ، ومتى نزل ، وكيف نزل ، وعلى من نزل وكيف كان يتلقاه جبريل من الله تبارك وتعالى؟ ولا شك أن العلم بذلك يتوقف على كمال الإيمان ، بأن القرآن من عند الله ، وأنه المعجزة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن كثيرًا من المباحث التي تذكر في هذا الفن يتوقف على العلم بنزوله ، فهو كالأصل بالنسبة لغيره .
أنزل الله القرآن الكريم على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، فكان نزوله حدثًا جللًا مؤذنا بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السماء والأرض .
فإنزاله الأول في ليلة القدر نبه العالم العلوي على شرف هذه الأمة ، وأنها القائدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس .
قال تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (البقرة الآية 185 ) ، فقد مدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأنه اختاره من بينها لإنزال القرآن العظيم فيه ، قال ابن كثير [1 / 309 .] "وكما اختصه بذلك فقد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء " .
قال الإمام أحمد بن حنبل [أحمد 4 / 107 ، الطبراني في الكبير 22 / 75 ، والبيهقي في شعب الإيمان: 2 / 414 .] رحمه الله حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة – يعني ابن الأسقع – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان .
وقد روى من حديث جابر بن عبد الله وفيه أن الزبور أنزل لثنتي عشرة خلت من رمضان والإنجيل لثماني عشرة والباقي كَمَا تقدم رواه ابن مردويه [ابن كثير 1 / 217 ، قال: رواه ابن مردويه .] .
أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة وأما القرآن فكان نزوله الأول جملة واحدة إلى بيت العزة من سماء الدنيا ، كما تدل عليه الآيات : شَهْرُ رَمَضَانَ (البقرة : 185) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ (الدخان : 3) .
أما تاريخ نزول القرآن منجمًا وهو النزول الثاني ، فقد كان بعد الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم حينما بعث في يوم الاثنين وكان أول ما نزل عليه صدر سورة اقرأ كما ذكر ذلك محققو أهل العلم من أهل التفسير والحديث والسير ، قال العلامة الفاسي في نظمه قرة الأبصار في سيرة المشفّع المختار [مخطوطة ، منظومة في السيرة ص 3 .] صلى عليه أشرف العباد من بعد أربعين عاما غبرا صلى عليه الله فالق الفلق توحيد رّب العالمين مرسلا إحصاءه من معجزات كالمطر نورا ورفعة مع ابتهاجى كما أتت بذلك الأخبار لو شاء لكن جاد بالتأخير منهم ومن أصلابهم أبناء وأيّد الحق به وأظهره بيان مبعث النبي الهاد وجاءه جبريل في غار حرا في يوم الاثنين بسورة العلق فقام يدعو الإنس والجن إلى مؤيّدًا منه بِرا أعْيا البشر نفعًا وكثرة وكالسراج ومع ذا حاصره الفجّار وكان قادرا على التدمير حتى هدى الله به من شاء ثم أعز دينه ونصره قال في الإتقان [1 / 116 .] .
"أما إنزاله الثاني مفرقًا على حسب الوقائع خلافا لما كان معهودًا عندهم في الكتب السابقة فقد أثار الضجة عند القوم حتى حملهم على المحادّة والمساءلة حتى ظهر لهم الحق فيما بعد من أسرار الحكم الإلهية في إنزاله منجما على حسب الوقائع حتى أكمل الله الدين" .
هذا وقد يظن البعض أن الآيات من قوله شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة : 185) الخ وقوله حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (الدخان : 1-3) الخ وقوله إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (القدر : 1) . بينها تعارض والواقع أنه لا تعارض بينها ، فالليلة المباركة هي ليلة القدر من شهر رمضان ، وإنما يتعارض ظاهرها مع الواقع العملي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن القرآن نزل عليه خلال ثلاث وعشرين سنة .
وقد روى من غير وجه عن ابن عباس كما قال إسرائيل عن السدي عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود فقال وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقد أنزل في شوال وذي القعدة وفي ذي الحجة ومحرم ، وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس وجمهور العلماء : إن المراد بنزول القرآن في تلك الآيات الثلاث ، نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا تعظيما لشأنه عند الملائكة ، ثم أنزل بعد ذلك منجما على مواقع النجوم ترتيلًا في الشهور والأيام في ثلاث وعشرين سنة ، حسب الوقائع والأحداث منذ بعثه صلى الله عليه وسلم إلى أن توفى حيث أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وهذا المذهب هو الذي جاءت به الأخبار الصحيحة عن ابن عباس في عدة روايات منها : عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا [رواه الحاكم في المستدرك 2 / 242 رقم 2878 ، البيهقي 4 / 306 .] ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ثم قرأ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (الفرقان : 33) . وقوله وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ (الإسراء : 106) .
2 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم .
3 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه إثر بعض . رواه الحاكم والبيهقي [اضغط هنا] .
4 – وعنه رضي الله عنه قال أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجومًا "رواه الطبراني " .
2 – المذهب الثاني هو المروي عن الشعبي أن المراد بنزول القرآن في الآيات الثلاث ابتداء نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ابتدأ نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة ، ثم تتابع نزوله بعد ذلك مندرجًا مع الوقائع والأحداث في قرابة ثلاث وعشرين سنة .
قال : فليس للقرآن إلا نزول واحد هو نزوله منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الذي جاء به القرآن قال تعالى وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ (الإسراء : 106) ، ولهذا جادل فيه المشركون لكون الكتب السماوية نقل إليهم نزولها جملة واحدة قال تعالى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (الفرقان : 32-33) .
قال : ولا يظهر للبشرية مزية لشهر رمضان وليلة القدر التي هي الليلة المباركة إلا إذا كان المراد بالآيات الثلاث نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يوافق ما جاء في قوله تعالى في غزوة بدر وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأنفال : 41) . وقد كانت غزوة بدر في رمضان ، ويؤيد هذا ما عليه المحققون في حديث بدء الوحي .
عن عائشة قالت "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" [رواه البخاري رقم 2 كتاب بدء الوحي ومسلم كتاب الإيمان 160 .] فالمحققون على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبئ أولًا بالرؤيا في الشهر الذي ولد فيه وهو شهر ربيع الأول ، وكانت المدة بين الرؤيا والوحي إليه يقظة ستة أشهر ثم أوحي إليه يقظة بـ اقْرَأْ
قال الشيخ مناع القطان رحمه الله [مباحث في علوم القرآن ص100 في بعدها .] "وبهذا تتآزر النصوص على معنى واحدٍ" .
3 – المذهب الثالث يرى أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة قدر في كل ليلة منها ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ، وهذا القدر الذي ينزل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا لسنة كاملة ينزل بعد ذلك منجمًا على رسول صلى الله عليه وسلم في جميع السنة .
ولا شك أن هذا المذهب اجتهاد من بعض المفسرين فليس هناك ما يدل عليه ، أما المذهب الثاني فإنه لا تعارض بينه وبين المذهب الأول الذي هو مذهب ابن عباس والجمهور .
فالراجح أن القرآن الكريم له تنزّلان ، كما علمت :
الأول : – نزوله إلى بيت العزة من سماء الدنيا جملة .
وقد نقل القرطبي [2 / 297 .] الإجماع على هذا النزول عن مقاتل بن حيان وممن قال بقوله الخليمي والماوردي [الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ص116 .] . الثاني نزوله من السماء الدنيا مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة .
سلمت أناملك
السلام عليكم
شكرا حبيبتي على مرورك العطر
نورتي صفحتي بردك
تقبلي مودتي واحترامي
الله يجزاكي الخير