السلام عليكم ورحمته الله وبركاته
المواقف الصعبة في الحياة عموماً ، والحياة الزوجية على وجه الخصوص كثيرة ، ولكن من أصعبها عندما تفقد الاحباب أو الأصدقاء أو الوالدين أو الزوجة أو غيرهم من المقربين .
يتخيل الانسان نفسه في أسرة متكاملة هو وزوجته وولديه وبنته ، وفي لمحة بصر يفقد نصفهم .
ما أصعبها على النفس وأثقلها .
أقول هذا الكلام لأسوق لكم قصة صديق وقريب حصلت له فاجعة قبل عيد الأضحى بأسبوع ، ملخص هذه الفاجعة:
شاب عمره فوق الثلاثين أو يزيد ، زاملته طويلاً منذ الصغر ، تزوج قبل سنوات، وأنجب ثلاثة أولاد ( ذكران وأنثى) ، كان يقطن مدينة الرياض هو ووالديه وإخوانه ، ثم انتقل لمدينة قريبة من الرياض بعد انتقل والداه اليها ، براً بهما وقرباً منهما ، وإلا فهو يرغب الرياض والبقاء فيها ، ولكنه فضّل البر بوالديه والاقامة بالقرب منهم .
فكان يتردد على الرياض بحنية وشوق ورغبة .
قبل العيد بأسبوع او أسبوعين حضر للرياض هو وعائلته ، وعند رجوعه في مساء ذلك اليوم ، وكان برفقته اضافة الى ابنائه الثلاثة وزوجته ، أخته المتزوجة وابنتها ، حصل له حادث شنيع جداً ، والله المستعان .
نتج عن الحادث :
1/ وفاة الابنان .
2/ اصابة بنته بكسور وتشوهات في الوجه .
3/ اصابة زوجته بكسر في الرقبة ، وكسر في الظهر ، وشلل نصفي للاجزاء السفلى من جسدها .وهي في المستشفى حتى الآن .
4/ اخته في غيبوبة تامة، وفي العناية المركزة منذ الحادث الذي مضى عليه ما يقارب الشهر .
5/ اصابات متفرقة له هو .
كلّمته وواسيته بعد الحادث مباشرة ، فوجدته صابرا ومحتسبا وثابتا ،
يقول صاحبنا : فور وقوع الحادث: رأيت ابنيّ الاثنين بجانبي ، ساقطين بهيئة وشكل ، يتضح عليهما فقدانهما للحياة،
حاولت القرب منهما لتدارك ما يمكن تداركه ، لكني لم أستطع .
كنت أرى أفراد عائلتي السبعة بجانبي متناثرة في الطريق، وكلٌ ينظر الينا، أحسست بالعجز وضعف الحيلة مع نشاطي قديما وقوة بنيتي وتكواني الجسماني .
كان تفكيري في تلك اللحظة ايضا منصب حول رغبتي بتستير اهلي ، وعدم تكشفهم امام الناس والمتفرجين ، ولكن قواي منهارة جداً وحالتي يرثى لها .
تم نقلنا للمستشفى وتمت الصلاة على ابني من الغد ، وأنا طريح الفراش في المستشفى لم أصلِ عليهما ، ولم احضر دفنهما ، لكن حسبي ما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ). والصفي هو الابن ن فكيف بالابنين .
يقول صاحبنا بقيت في مستشفى إحدى المدن القريبة من مدينتي أسبوعا وانا صابر ومحتسب ، وفور خروجي من المستشفى اتجهت لمدينتي القريبة ، ولكن …………………………..
لم أتمالك نفسي وعبرتي، عند قربي من مدينتي وأنا على مشارفها .
فقد خرجت منها كثيراً بصحبة زوجتي وأبنائي الثلاثة، ورجعت إليها دون أن ينقص أحدا منهم
لكن هذه المرة رجعت بدونهم ، رجعت وحيداً بدونهم :
فولدي تحت الثرى .
وزوجتي بين الحياة والموت .
وأختي في غيبوبة ـ الله اعلم ـ بحالها .
وابنتي مصابة وعند أمي .
رجعت وحيداً مهموماً غارقا في دموعي ، لم أستطع تمالك نفسي .
صبرت وتمالكت نفسي أسبوعا لكن لما وقفت على الأطلال ، ورأيت بيتي الذي كنت ادخل انا واياهم سويا فيه ، رأيت بيت الزوجية ، وسريرا ابنيّ ، وألعابهما ، رأيتهما كيف كانا يلعبان ، ، ويمرحان وانا بالقرب منهما ،
كل شيء في البيت يذكرني بزوجتي وبفلذتا كبدي .
أقرب الناس الي فقدتهم بلمحة بصر ، لكن حسبي ان هذا مقدر ، ومكتوب ، ومقضي قبل أن نخلق، ونحن في بطون أمهاتنا ، ولا جديد فيه
واهٍ ثم واهٍ من هذه الدنيا التي لا تصفى لاحد ولا يسعد بها احد .
وبالفعل لما وقفت على هذه المناسبة تذكرت قصة أبو ذؤيب الهذلي الشاعر المخضرم الذي فقد أربعة وقيل سبعة من أبنائه في يوم واحد ؛ بسبب وباء في دمشق في زمان عمر رضي الله عنه ، وفي رواية انهم ماتوا بسبب شربهم من لبن مسموم .
الشاهد أنه قد رثاهم بأبيات غاية في الصدق والجمال .. ومن مطلعها :
أمِن المنونِ وريبها تتوجَّع ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,* والدهر ليس بمُعتِب من يجزعُ
ثم يتابع :
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,* فإذا المنية أقبلت لاتدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,* ألفيت كل تميمة لاتنفع
فالعين بعدهم كأن جفونها ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,* سُلِمت بشوك فهي عُور تدمع
وتجلُّدي للشامتين أُريهُمُ ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,* أني لريب الدهر لا أتضَعضعُ
ثم يواصل في وصف فجيعته إلى أن يقول :
لا بد من تلف مقيم فانتظر ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,* أبأرض قومك أم بأخرى المضجع