——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم
للعبودية معانٍ نجهلها أكثر من تلك التي نعرفها.
العبودية حياة أكثر من أن تكون قانون و منهج…
كلنا _ إن شاء الله _ نصلي خمس صلوات في اليوم نتلو فيها ما شاء الله من القرآن و نسبّح الله و نحمده و نستعينه في سائر كلماتنا و نصوم رمضان و نطيع الله و تتجلى بعبوديتنا مظاهر ألوهية الخالق المعبود.
و لكننا نقوم بذلك روتينياً على الأغلب دون أن نعرف حقيقة عبوديتنا لله !!
و نسينا فطرتنا التي فطرنا الله عليها … فطرة أنه :
أنا عبد فهناك معبود !
أنا عبد فهناك رب !
أنا عبد فهناك إله !
كثيراً ما نسينا أو تجاهلنا هذه الفطرة حتى صارت تصرفاتنا أحياناً أقرب إلى الالوهية من العبودية!!
كثيرأً ما أطلقنا الأحكام على الآخرين ,,, كثيراً ما عاقبنا ,,, و شعرنا بالعظمة ,,, و تسلَّطنا ,,, و هددنا و و و و…
معان كثيرة من هذا القبيل الذي نغفل عنه يستشفُّه قارئ كتب الإمام العلامة ابن القيم
معانٍ ضرورية طالما غفلنا عنها و أهملناها.
لذلك وددت _ أخوتي_ أن نقرأ سوية بعضاً من روائع الإمام ابن القيم التي سترسّخ فينا بعضاً من المفاهيم التي درست بيننا و كان واقعنا المادي و مقتضياته و ضجته كفيلة بإلغائها من قواميسنا يوماً بعد يوم و جيلاً بعد جيل !.
مفاهيم عملية و ليست نظرية … يقرؤها قارؤها ليطبقها لا ليتثقف بثقافتها
مفاهيم تسلط الضوء على أقوالنا و أفعالنا و تجعلها تحت السيطرة …. طالما أننا دائماً نتذكر أننا (عبيد) للـ (المعبود) الذي يتصف بصفات الألوهية جميعاً.
امتازت كتب ابن القيم _ التي سأنقل لكم جزءاً يسيراً جداً مما جاء فيها _ بأهمية الموضوعات التي يتناولها من ترقيق للقلوب، ودعوة للعودة إلى صراط الله المستقيم ، إلى غير ذلك من أهدافه السامية النبيلة التي احتوت عليها كُتُبُه.
أضف إلى ذلك حلاوة الأسلوبِ، وجمال العبارةِ، وعذوبة الْمَنْطِقِ، وحسن البيان.
وهذه ميزة أخرى تُزَيِّن مؤلفات ابن القَيِّم، فتُبْهرُ العقول، وتأخذ بمجامع القلوب. ولعل ذلك هو ما عبَّر عنه الشوكاني – رحمه الله – بقوله:
"وله من حسن التصرفِ، مع العذوبةِ الزائدة، وحسن السياق، ما لا يقدر عليه غالبُ الْمُصنِّفِين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب"
وهذا الجمال الأخَّاذُ، وتلك العذوبة الزائدة إذا اجتمع إليهما: عُمْقُ الفكرة، ونبلُ الهدف، وصدق الرغبة في إيصال الخير للخلق، عُرِفَ سر هذا الْحُبِّ الْمُتَمَكِّنِ من القلوب لمؤلفاته رحمه الله.
سأنقل لكم بعضاً من روائعه…. التي تحتاج نفَساً طويلاً للقراءة كما احتاجت نفَساً طويلاً من كاتبها (الإمام ابن القيم).
و أطلب من أخوتي الذين لم يعتادوا القراءة و الذين اعتادوها طلباً حااااااراً أن نقرأ هذه الروائع معاً علّها تنقلنا _ خاصة في هذه الفترة _ إلى عالَم أفضل …
الكتب التي سأنقل منها بدايةً هي:
حادي الأرواح إلى بلاد الافراح :
في صفات الجنة و نعيمها.
أمراض القلوب و شفاؤها.
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين:
بدأ المؤلف الكلام على فاتحة الكتاب كلاماً بديعاً نفيساً وتكلم عن العبودية ، ثم الكتاب عبارة عن فصول عديدة و منازل للعبودية .
مفتاح دار السعادة:
كتاب في الوعظ والإرشاد.
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان:
مصائد الشيطان و سبل الوقاية منها.
روضة المحبين و نزهة المشتاقين:
ذكر فيه المؤلف قصص الحب وأحواله وطبقاته حتى رقى به إلى أسمى الأخلاق الإنسانية، مع ذكر للجمال وسره متوخيا العفة والأدب بما يرقى بالفكر والأخلاق إلى مرحلة الكمال .
الروح:
النفس والروح والفرق بينهما، وعلاقة الروح بالجسد، ومصيرها بعد الموت.
الوابل الصيّب من الكلم الطيّب.
طريق الهجرتين و باب السعادتين:
الأول: الهجرة إلى الله في العبودية والتوكل والانابة والتسليم والخوف والرجاء.
الثاني: الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، باعتباره القدوة الحسنة للمسلمين والمثل الأعلى لهم في كل ما صدر عنه من قول أو فعل أو حال.
طبعاً هذه الكتب ضخمة جداً و من الصعب نقل كل ما فيها …. لذلك سأنقل بعض المختارات منها
و كلماتها تفقهها كل القلوب … فليس من الضرورة أن تكون فقيهاً أو فيلسوفاً أو أديباً حتى تفهمها..
و لا داعي للتزود بشيء قبل القراءة إلا بقلب سليم يفهم و يدرك و يربط ما يقرأ بحياته و سلوكه .
و لا تنسونا من الدعاء
فكان حريّاً بنا فكُّ رموزها و فهم معانيها
و أترككم مع ابن القيم :
اعلم أن هذه السورة (الفاتحة) اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال وتضمنتها أكمل تضمن.
فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها وهي:
"الله والرب الرحمن" وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة فـ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مبنى على الإلهية ,,{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على الربوبية.
وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة والحمد يتضمن الأمور الثلاثة فهو المحمود في إلهيته وربوبيته ورحمته والثناء والمجد كمالان لجده.
وتضمّنت إثبات المعاد وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها وتفرد الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق وكون حكمه بالعدل وكل هذا تحت قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
وتضمنت إثبات النبوات من جهات عديدة:
أحدها:
كونه رب العالمين فلا يليق به أن يترك عباده سدى هملا لا يعرّفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم وما يضرهم فيهما فهذا هضم للربوبية ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به وما قدره حق قدره من نسبه إليه.
الثاني:
أخذها من اسم "الله" وهو المألوه المعبود ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله.
الموضع الثالث:
من اسمه "الرحمن" فإن رحمته تمنع إهمال عباده وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كما لهم فمن أعطى اسم "الرحمن" حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم من تضمنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ وإخراج الحَب فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب وأدرك منه أولو الألباب أمرا وراء ذلك.
الموضع الرابع:
من ذكر {يَوْمِ الدِّينِ} فإنه اليوم الذي يدين الله العباد فيه بأعمالهم فيثيبهم على الخيرات ويعاقبهم على المعاصي والسيئات وما كان الله ليعذب أحدا قبل إقامة الحجة عليه والحجة إنما قامت برسله وكتبه وبهم استحق الثواب والعقاب وبهم قام سوق يوم الدين وسيق الأبرار إلى النعيم والفجار إلى الجحيم.
الموضع الخامس:
من قوله {إِيَّاكَ نَعْبُد} فإن ما يعبد به الرب تعالى لا يكون إلا على ما يحبه ويرضاه وعبادته وهي شكره وحبه وخشيته فطرى ومعقول للعقول السليمة لكن طريق التعبد وما يعبد به لا سبيل إلى معرفته إلا برسله وبيانهم وفي هذا بيان أن إرسال الرسل أمر مستقر في العقول يستحيل تعطيل العالم عنه كما يستحيل تعطيله عن الصانع فمن أنكر الرسول فقد أنكر المرسل ولم يؤمن به ولهذا جعل الله سبحانه الكفر برسله كفرا به.
الموضع السادس:
من قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام وهو بعد البيان والدلالة ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق وجعل الإيمان في القلب وتحبيبه إليه وتزيينه في القلب وجعله مؤثرا له راضيا به راغبا فيه.
وهما هدايتان مستقلتان لا يحصل الفلاح إلا بهما وهما متضمنتان تعريف مالم نعلمه من الحق تفصيلا وإجمالا وإلهامنا له وجعلنا مريدين لإتباعه ظاهرا وباطنا ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل والعزم ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة.
ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة وبطلان قول من يقول إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الهداية فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم وما لا نريد فعله تهاونا وكسلا مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر ونحن محتاجون إلى الهداية التامة فمن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام.
وللهداية مرتبة أخرى وهي آخر مراتبها وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة وهو الصرط الموصل إليها فمن هدى في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هدى هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالطرف ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الركاب ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يحبوا حبوا ومنهم المخدوش المسلم ومنهم المكردس في النار فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا حذو القذة بالقذة جزاء وفاقا {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير والسلامة من كل شر.
الموضع السابع:
من معرفة نفس المسئول وهو الصراط المستقيم ولا تكون الطريق صراطا حتى تتضمن خمسة أمور : الاستقامة والإيصال إلى المقصود والقرب وسعته للمارين عليه وتعينه طريقا للمقصود ولا يخفى تضمن الصراط المستقيم لهذه الأمور الخمسة.
فوصفه بالاستقامة يتضمن قربه لأن الخط المستقيم هو أقرب خط فاصل بين نقطتين وكلما تعوّج طال وبعد ,, واستقامته تتضمن إيصاله إلى المقصود ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سعته وإضافته إلى المنعم عليهم ووصفه بمخالفة صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعينه طريقا.
و"الصراط" تارة يضاف إلى الله إذ هو الذي شرعه ونصبه كقوله تعالى : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} وقوله : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} وتارة يضاف إلى العباد كما في الفاتحة لكونهم أهل سلوكه وهو المنسوب لهم وهم المارون عليه.
الموضع الثامن:
من ذكر المنعم عليهم، وتمييزهم عن طائفتيِ الغضب والضَّلَال.
فانقسمَ النَّاس بحسب معرفة الحقِّ والعمل به إلى هذه الأَقسام الثَّلَاثة، لِأنَّ العبد إمَّا أن يكون عالمًا بالحق، وإما جاهلًا به، والعالم بالحق إمَّا أن يكون عاملًا بموجبه أو مخالفًا له، فهذه أقسام المكلَّفين لَا يخرجون عنها البتَّة، فالعالم بالحق العامل به هو المنعم عليه، وهو الذي زكى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وهو المفلح {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] والعالم به المتبِع هواه هو المغضوب عليه، والجاهل بالحق هو الضال، والمغضوب عليه ضال عن هداية العمل، والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل، فكل منهما ضال مغضوب عليه، ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به، ومن هنا كان اليهود أحق به، وهو متغلظ في حقهم، كقوله تعالى في حقهم {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] وقال تعالى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60] والجاهل بالحقِّ أحقُّ باسم الضَّلال، ومن هنا وُصفت النَّصارى به في قوله تعالى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] فالْأولى في سياق الخطاب مع اليهود، والثَّانية في سياقه مع النَّصارى، وفي الترمذي وصحيح ابن حبان من حديث عدي بن حاتم قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» .
ففي ذكر المنعم عليهم وهم من عرف الحق واتبعه والمغضوب عليهم وهم من عرفه واتبع هواه والضالين وهم من جهله ما يستلزم ثبوت الرسالة والنبوة، لِأَن انقسام الناس إلى ذلك هو الواقع المشهود، وهذه القسمة إنما أوجبها ثبوت الرسالة.
تستحقيين التقييم ياقمر
واصلي عطائك بارك الله فيكِ
المُفِيدْ ..~
جَعَ‘ـلَهْ الله فِي مُيزَآإنْ حَسَنَـآتِك يوًم القِيَــآمَه
لله درك غاليتي
وفقك الله وسدد خطاك والى الجنة سكناك
بارك الله فيك ،، والله يعافيك ،، والله يوفقك
والله يجزاك خيراا على الموضووع الراائع
والله يجعله في ميزان حسناتك
تـحيـــــآتي .. =)
نورتوا