«فطريات انتهازية» تهاجم مضطربـي المناعـة!
الرياض – د. صباح صابر محمد حسين (أستاذ علوم النبات)
الفطريات كائنات دقيقة غير ذاتية التغذية تعيش بصورة تطفلية أو ترممية أو تكافلية. ولبعض أجناسها صفات تمكنها من المعيشة بصورة جيدة في بيئاتها. فعلى سبيل المثال يشتمل بعضها على نظم إنزيمية تمكنها من استخدام الأنسجة الحيوانية كمصدر للطاقة، بالإضافة إلى أن أنسب الظروف لنموها تتلاءم مع درجة حرارة الجسم العادية (37ْم) ومع ما يحتويه من عناصر غذائية لنموها، وكذا تركيبها مع ما تمتلكه من أنظمة أيضية حيوية غاية في القوة مما يجعلها قادرة على عدوى الإنسان. ورغم أن العدد المعروف للفطريات المعدية لا يمثل إلا النزر اليسير في عدد الفطريات الكلي المقترح البالغ حوالي 1.6 مليون نوع، هذا بالإضافة إلى أن عدداً قليلاً جداً من هذه الفطريات المعدية تبلغ شراسته الحد الذي يمكنها من عدوى إنسان سليم تماماً، ومن هنا كانت غالبية الفطريات لا ضرر لها إلا إذا هاجمت مريضاً ذا جهاز مناعي مضطرب. ولعل تلك الفطريات الانتهازية التي لا تهاجم إلا المرضى مضطربي المناعة قد بلغت ما يربو على أربعمائة نوع من الفطريات لا يزيد المعتاد منها على عدوى الإنسان عن مائة نوع علماً بأن أكثر من 90% من الفطريات الهامة طبياً التي تعزل في المعامل تنتمي إلى الفطريات الناقصة. وتهاجم الفطريات أو منتجاتها الأيضية الحيوية صحة الإنسان بثلاث طرائق: أولاها هي زيادة حساسية جهاز المناعة في العائل تجاه الجراثيم الفطرية. كما هو الحاصل مع الجراثيم الفطرية المحمولة في الهواء التي تم التعرف عليها كسبب من أسباب حدوث الأزمة الصدرية الناتجة عن عوامل خارجية وهي من نوع الحساسية. وثاني هذه الطرائق هي السمية الناتجة عن الفطريات عند إصابة الإنسان بها والمعروفة باسم السمية الفطرية، إذ إن الفطريات كائنات نشطة في إنتاج العديد من نواتج الأيض الثانوية المشتملة على العديد من السموم الفطرية السامة للأنسجة والخلايا الحيوانية. أما آخر هذه الطرائق فهي العدوى الفطرية الناتجة عن بعض الفطريات القادرة على امتلاك خواص كيميائية حيوية وفسيولوجية تمكنها من العمل كممرض أولي أو ممرض انتهازي، غير أن الخطوط الفاصلة بين النوعين من العدوى ليست شديدة الوضوح. وهناك العديد من العوامل المساعدة على غزو الفطريات للإنسان منها قدرتها على النمو في درجة حرارة الجسم، وكذلك إفراز الإنزيمات الخارج خلوية، ومنها المحللة للبروتينات والكيراتين وأنسجة البشرة، كما أن لبعض الفطريات ومنتجاتها الأيضية القدرة على توجيه النشاط المناعي، وكذلك توجد بها مستقبلات هرمونية وإمكانية لتحمل التأثير القاتل لجهاز المناعة خارج الخلية. وأخيراً فإن الطبيعة الثنائية للفطريات تجعلها قادرة على عدوى أنسجة الإنسان. ومازالت دراسة الأمراض الفطرية تبنى على ملاحظة قابلية العائل للعدوى بسبب خلل جهازه المناعي، ولذا يجب الإشارة إلى أن جميع مكونات جهاز المناعة يتم استدعاؤها لمكافحة العدوى الفطرية، غير أن خطوط الدفاع الطبيعية غير المتخصصة تمثل أهم الآليات المانعة وأولاها لدخول الفطرة داخل جسم الإنسان. ولحسن الحظ أن جراثيم الفطريات المحمولة في الهواء التي يزيد حجمها على خمس ميكرومترات يحدث لها التصاق بأنسجة الجهاز التنفسي العلوي، ثم لا تلبث أن تطرد منه بواسطة حركة الأهداب الموجودة على خلايا هذه الأنسجة، مما يمنع وصول الفطر للرئتين وحدوث أي نوع من الحساسية تجاهه. وحتى إذا استطاعت الفطرة أن تصل إلى الرئتين فإنه يتم تدميرها بواسطة خطوط دفاع العائل سريعاً بعد قليل من استقراره في نسيج الرئتين تاركاً وراءه ندباً صغيراً وتكلسات بينما لا يدع كائنات ممرضة على الإطلاق. وقد تظل الفطرة حية ولكنها تحت السيطرة بمختلف الآليات المناعية للعائل حتى إذا ما انخفضت مناعة العائل في أي وقت من الأوقات نشطت الفطرة مرة أخرى وخرجت عن نطاق هذا التحكم مسببة عدوى ثانوية جديدة. وفوق هذا فإن للمستضدات الفطرية قدرة على استثارة جهاز المناعة لتكوين أجسام مضادة في العائل قادرة على حمايته من النشاط الفطري، وذلك عن طريق ترسيب مركبات تفاعل الأجسام المضادة مع المستضدات حول خلايا الغزل الفطري مانعة انتشار هذه الفطرة خلال أنسجة العائل. وفي العديد من الفطريات تنتج الخلايا أصباغاً شبيهة بالميلانين (تانين) تتفاعل مع بعض بروتينات أنسجة العائل لتكون طبقة سميكة من مادة شديدة الصلابة لها القدرة على منع التكاثر المستمر للكائن في حين أنها تحميه أيضاً من دفاعات العائل المناعية. وقد لوحظ أن نسبة تأثر الرجال بالعدوى الفطرية أعلى بكثير من نسبة تأثر النساء، كما لوحظ أيضاً أن الفطرة تغير شكلها حين تغزو أنسجة العائل من أجل استبقاء حياتها بعيدة عن خطر المهاجمة بخلايا المناعة. ولبعض الفطريات ومنتجاتها الأيضية قدرة على توجيه جهاز المناعة، سواء كان ذلك التأثير محفزاً أو مثبطاً، وأشهر مثال للتأثير المثبط عقار السيكلوسبورين الذي يستخدم بصورة تقليدية حتى الآن بعد جراحات زراعة الأعضاء لمنع رفض الجسم المستقبل للأعضاء المنقولة إليه، وكذلك مادة السيتوكالازين ب ذات النشاط المضاد للأورام الخبيثة. ومما هو معلوم أن الطور المعدي أو النسيجي لبعض الفطريات يختلف عن الطور الترممي الذي قد يكون غزلاً فطرياً، بينما يصبح الطور المعدي النسيجي خميرياً بمجرد مهاجمته لجسم الإنسان، ويطلق على هذه الظاهرة اسم الثنائية الشكلية، وتسمى الفطريات القادرة على هذه التحورات بالفطريات ذات الثنائية الشكلية. وتحدث تلك التحورات الشكلية لزيادة الكريات الدائرية المحتوية على العديد من الجراثيم الداخلية. ويتم تقسيم عدوى الفطريات إلى عدوى أولية وعدوى ثانوية. أما العدوى الأولية فهي الأمراض الفطرية التي تصيب أشخاصاً أصحاء تماماً مثل الفطريات الجلدية والميسيتوما والكوكسيديوميكوزس (Coccidiomycosis)، بينما تمثل العدوى الثانوية تلك الأمراض الفطرية التي لا تحدث إلا في عائل تم إضعاف حالته المناعية بصورة أو بأخرى، كما هو الحاصل مع مرض الأسبرجيللوزس الرئوي. وقد ذكر العلماء أن كل الفطريات الممرضة تعتبر فطريات انتهازية سوى الفطريات الجلدية إلا أن هذا التعميم يحتاج إلى إعادة تقويم. مصادر العدوى تتراوح مصادر العدوى الفطرية الشائعة في الإنسان بين الأتربة والغبار والتربة ومخلفات الطيور والخضراوات المتحللة والتلامس مع شخص مريض والحيوانات المنزلية (التي تمثل في مجموعها مصدراً هاماً للعدوى الفطرية الجلدية) وتلوث المأكولات والمشروبات. ويمكن تصنيف العدوى الفطرية إلى مجموعات ثلاث تبعاً للمكان الأولي للعدوى كما يلي: – العدوى الفطرية السطحية: وهي التهابات فطرية لا تتعدى الطبقات الخارجية من الجلد والأظفار والشعر والأغشية المخاطية. وتمثل الفطريات الجلدية أشهر هذه المجموعة. وتمتاز بقدرتها على تحليل الكيراتين مما جعل العلماء يتوقعون تطورها من فطريات رمية غير متخصصة استطاعت أن تكتسب مقاومة ضد جهاز المناعة في العائل. – العدوى الفطرية تحت الجلدية: تشمل الفطريات التي تهاجم الأدمة (Dermis) والأنسجة التي تحت الجلد والعظام، وتحدث هذه العدوى دائماً عن طريق دخول الكائنات المترممة في التربة عفوياً مع الجروح. وتصبح المنطقة الملتهبة، إما محددة لمكان دخول الكائن، وإما غير محددة حيث ينتشر الالتهاب لأنسجة مجاورة وقد ينتشر في الجسم عن طريق الدم. – العدوى الفطرية الجهازية: هي عدوى فطرية تبدأ دائماً في الرئتين، ثم تنتشر إلى الأعضاء الأخرى، ويمكن تقسيم الفطريات المسببة لها إلى كائنات معدية حقيقية وكائنات انتهازية. أنماط العدوى الفطرية زادت في الآونة الأخيرة أنماط العدوى الفطرية المهددة للحياة بصورة غير مقبولة، وخصوصاً في مرضى الأورام الخبيثة ونقل الأعضاء، وهؤلاء الذين يتعاطون مضادات حياتية واسعة المجال أو كورتيزونات أو يتناولون محاليل وريدية، وكذلك المدمنون ومرضى السكر والإيدز. ومن المحتمل جداً أن تكون هذه الزيادة ناتجة إما عن آليات مختلفة في جهاز مناعة العائل نتيجة الأمراض كالسرطان والسكر والإيدز.. وخلافه، وإما عن مقاومة مكتسبة للفطريات المعدية ضد المضادات الفطرية، وإما أن يكون نتيجة للاثنين معاً. وتكتسب الفطريات مقاومة ضد المضادات بآليتين هما الطفرات الجينية والتكيف الوظيفي. فمثلاً قد تساعد المضادات الفطرية على حدوث طفرات جينية في الفطريات ينتج عنها سلالات تقاوم هذه المضادات نفسها فيما بعد، وتكون هذه الطفرات ثابتة في الغالب أي تنتقل من جيل إلى جيل حتى ولو استعدنا المضاد الذي كان سبباً في نشأة هذه السلالات من بيئة الكائن تماماً. وعلى صعيد آخر فإن التكيف الوظيفي يشير غالباً إلى قدرة الفطريات على تغير مساراتها الحيوية الأيضية والإنزيمية لملاءمة أي تغير جديد في بيئتها وإن كان ذلك أمراً غير ثابت قد تفقده الفطرة في أجيالها اللاحقة تبعاً لنوع الفطرة ونوع العامل المؤثر عليها. وفي أغلب الأحيان فإن المقاومة الناشئة عن التكيف الوظيفي لا تكون لها آليات محددة. الأمراض الفطرية التهابات العظام والمفاصل: تستطيع أنواع عديدة من الفطريات أن تصيب الجهاز المفصلي الحركي مسببة أمراضاً خطيرة، هذا بالإضافة إلى أن بعض الأسبرجيللات والفطريات التزاوجية معروفة بقدرتها على عدوى العضلات والعظام. كما أن فطرة هستوبلازما كابسولاتم لها قدرة خاصة على عدوى نخاع العظام، وإن كانت بعض هذه الأمراض الفطرية التي تنتشر عن طريق الدم لا تحدث إلا في العائل ذي الحالة المناعية المختلفة. التهابات الجهاز الدوري والقلب قد لاحظ العلماء أن فوق ما يربو على ثلثي حالات التهاب الغشاء المبطن لعضلة القلب التي تحدث بعد جراحات القلب والأوعية الدموية تسببها كانديدا ألبيكانس (Candida Albicans) والعديد من أنواع الأستبرجيللات. ومن التقارير اللافتة للنظر التهاب عضلة القلب بواسطة الغاريقون السام وهو أحد أنواع الفطريات كبيرة الحجم. التهاب الأنسجة السحائية تتسبب العديد من الفطريات الممرضة في عدوى الجهاز العصبي المركزي، ويكون الالتهاب السحائي حاداً أو مزمناً وقد يترتب عليه تكوين كتلة شاغلة لفراغ داخل الجمجمة. التهابات الأنف والأذن والحنجرة تستطيع الفطريات أن تسبب التهابات للأذن والأنف والجيوب الأنفية، وكذلك الحلق والحنجرة، ومن أشهرها التهاب الأذن الخارجية، بينما أجناس أخرى تعد عوامل معروفة مسببة لالتهاب الجيوب الأنفية. وبصفة عامة فإن الفطريات ليست كائنات شائعة في التهاب الحلق. العدوى الفطرية الجهازية لكثير من الفطريات القدرة على إحداث العدوى الجهازية. وتشمل الصورة المرضية للعدوى الجهازية الفطرية العديد من الأعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة التي لا تستجيب إلى المضادات الحياتية التقليدية، وكذلك ضيق التنفس والسعال الجاف وآلام الصدر وإصابات الجلد المختلفة كالخراجات تحت الجلدية، وكذلك انخفاض ضغط الدم المصاحب بأمراض العيون والكلى والرئتين والفشل الكبدي ونقص الوزن والإرهاق العام المستمر لفترات عديدة. الالتهاب الفطري للمعدة والأمعاء يعيش العديد من أنواع الفطريات بصورة تكافلية عادية في الجهاز الهضمي، إلا أن هذه الفطريات قد تتحول إلى كائنات ممرضة في المرضى مضطربي المناعة. وتصل الفطريات إلى الجهاز الهضمي إما عن طريق الدم كما في حالات عدوى الدم المنتشرة، وإما عن طريق الفم كما هو الحال في العديد من الالتهابات. الالتهابات الفطرية للمسالك البولية والتناسلية سجلت الإحصاءات الحديثة زيادة كبيرة في نسب التهابات الفرج والمهبل المسببة بفطرة الكانديدا في النساء. ومما هو معلوم أن 75% من النساء يصبن على الأقل بنوبة واحدة من هذه الالتهابات الفطرية خلال فترة خصوبتهن. وهناك العديد من العوامل المرتبطة بزيادة نسبة العدوى المهبلية غير الملحوظة المسببة بفطرة الكانديدا كالحمل (30 إلى 40%) واستخدام حبوب منع الحمل المحتوية على نسب عالية من الأستروجين، وكذلك مرض السكر غير المعالج واللوالب الرحمية، وغير ذلك من وسائل منع الحمل. ومن ناحية أخرى فإن العدوى الفطرية الانتهازية للمسالك البولية والتناسلية في الرجال أمر مشهور. ولسوء الحظ فإن عدداً كبيراً من مرضى الفشل الكلوي والغسيل الكلوي وزراعات الأعضاء معرضون للإصابة بالفطريات لما لهم من حالات مناعية مضطربة، وقد سجل العلماء أن أغلب هذه الإصابات تسببها الأنواع المختلفة من الكانديدا. الالتهابات الفطرية للعين تسبب الفطريات نوعا ًخطيراً من التهابات القرنية قد يؤدي إلى فقدان البصر كلية، بالإضافة إلى التزايد المستمر في أمراض الفطريات التي تصيب العين نتيجة للاستخدام غير المحدود للكورتيزونات الموضعية كقطرة العين أو الكورتيزونات العامة. وهناك عدد كبير من أجناس الفطريات المشتركة في إحداث هذه الالتهابات كالخمائر والفطريات الخيطية وغيرها، كما أن مجرد استخدام العدسات اللاصقة وما يتبعه من استخدام قطرات مانعة للحساسية قد يؤدي إلى التهاب القرنية وخصوصاً بالأنواع المختلفة لفطرة الأسبرجيللس. الالتهابات الفطرية التنفسية تعتبر عدوى الفطريات للجهاز التنفسي من الأسباب الهامة في مضاعفات الأمراض، بل ووفاة المرضى ذوي المناعة المختلة، وخصوصاً ممن يتعاطون أدوية قاتلة للخلايا السرطانية أو يتعرضون للعلاج بالإشعاع للحد من انتشار الأورام الخبيثة أو المرضى المجهزين لعمليات زراعة النخاع أو الأعضاء، وكذا مرضى الإيدز حيث إن الصفة المشتركة لكل هؤلاء المرضى هي نقص المناعة أو اضطرابها. العدوى الفطرية الجلدية تعتبر عدوى الجلد الفطرية من أشهر الأمراض التي تسببها الفطريات للإنسان والحيوان. فليس أقل من 10 إلى 15% من سكان العالم مصابين بالعدوى الفطرية الجلدية، والتي لبعضها توزيع جغرافي يكاد يشمل العالم كله، بينما للبعض الآخر مناطق توزيع محدودة. وللفطريات الجلدية العديد من الخواص المميزة فهي قادرة على التكيف مع مختلف البيئات والظروف المحيطة المتغيرة، وكذلك فهي كائنات معدية للإنسان والحيوان، بالإضافة إلى استطاعتها أن تحصل على غذائها من الكيراتين. ويمكن تصنيف العدوى الفطرية الجلدية إلى: أ- التهابات جلدية سطحية تسببها الفطريات القادرة على تحليل الكيراتين واستخدامه كمصدر غذائي سواء كان ذلك في الجلد أو الشعر أو الأظفار. ب- التهابات جلدية تحت سطحية يسببها العديد من الفطريات. ج- المظاهر الجلدية للعدوى الفطرية العامة في المرضى مختلي المناعة والتي تسببها الفطريات ثنائية المظهر في أغلب الأحيان. كما يمكن تصنيف أنواع الفطريات الجلدية على أساس بيئي ككونها محبة للتربة أو للحيوان أو للإنسان أو لكليهما معاً. احترس من البكتيريا المدورة: ذات يوم قررت إحدى السيدات أن تقيم مأدبة طعام في إحدى المناسبات. ووجهت الدعوة لعدد كبير من الأقارب والأصدقاء الذين بدأوا يتوافدون على المنزل وما هي إلا ساعة أو نحو ذلك حتى التهم المدعوون ما احتوته المائدة من صنوف الطعام المختلفة. بعد ذلك بعدة ساعات، بدأ حوالي (60) مدعواً يشعرون بآلام حادة في المعدة وبصداع في الرأس ثم انتابتهم جميعاً حالات قيء اختلفت في مستوى حدتها تبعاً لكل شخص. ونقل الكثيرون منهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج، واكتشف الأطباء أن المرضى أكلوا طعاماً ملوثاً بنوع من بكتيريا الطعام يسمى البكتيريا المكورة العنقودية، وأنهم يعانون تبعات مرض ناتج عن تناول غذاء ملوث. واتضح بعد ذلك أن نوع الطعام المتهم بإصابة هؤلاء المدعوين كان عبارة عن طبق كيك بالأرز أعدته السيدة صاحبة الدعوة في وقت سابق من اليوم نفسه ولكن في مكان مكشوف. ولا شك أن السيدة لن تنسى أبداً هذا اليوم. ويقول الخبراء: إن الطعام الملوث بالبكتيريا أو الذي يترك في درجة حرارة الغرفة العادية أو في طقس حار لأي فترة من الوقت يمكن أن يصبح مصدراً للإصابة بالأمراض في حال تناوله. ويضيف الخبراء أنه على العكس من الطعام الفاسد أو المتعفن الذي تصدر منه رائحة تشير إلى تعفنه، فإن هذا النوع من الطعام الملوث بالبكتيريا قد لا تظهر عليه أية دلائل تشير إلى تعفنه. بل إنه لا يكون هناك في واقع الأمر أي تغيير في شكله العام أو في المذاق أو الرائحة. ويشير الخبراء إلى أن البكتيريا ليست العامل الوحيد الذي يسبب الأمراض الناتجة عن تناول طعام ملوث، بل إنهم يؤكدون أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى تلوث الطعام منها الفيروسات والطفيليات والملوثات البيئية. وتتراوح حدة أعراض الأمراض الناتجة عن تناول الأطعمة الملوثة ما بين متوسطة إلى شديدة جداً قد تعرض المريض لأخطار الموت. ويعتمد مدى حدة هذه الأمراض على نوع التلوث وكميته التي يتناولها المريض. وأكثر الأشخاص تضرراً من الإصابة بالأطعمة الملوثة هم الأطفال والحوامل وكبار السن. وفي بعض الحالات قد لا تظهر الأعراض على الشخص المريض إلا بعد مرور حوالي أسبوع وربما أكثر على تناوله للطعام الملوث. وتنتج عدوى الإصابة ببكتيريا الأطعمة عند تناول طعام يحتوي على كمية كبيرة من البكتيريا الضارة. وهناك أمراض معينة تأتي من بكتيريا معينة. فعلى سبيل المثال، يأتي مرض السالمونيلات نتيجة للإصابة ببكتيريا السالمونيلا. وهذه الأنواع من البكتيريا تنمو تدريجياً في كثير من أنواع الأطعمة من بينها الألبان واللحوم والبيض والمأكولات البحرية. ومن السهل جداً أن تتلوث الأطعمة بالبكتيريا وذلك عن طريق الأيدي الملوثة أو الذباب والحشرات والمياه غير النظيفة… إلخ. كما أن البكتيريا تنمو في الأطعمة بشكل سريع إذا لم تكن محفوظة في الثلاجات أو إذا تركت لفترة من الوقت في درجة الحرارة العادية للغرفة. ولعل أكثر أنواع عدوى البكتيريا خطورة هو ذلك النوع الناشئ عن تناول لحم أو سمك فاسدين، حيث ينمو نوع البكتيريا السامة في مثل هذه الأطعمة، والذي يطلق عليها اسم البكتيريا الوشقية، في أجواء تقل فيها نسبة الأكسجين، أو نتيجة لعدم إحكام إغلاق العلب الحافظة للأطعمة أو ربما بسبب عدم طهو الأطعمة بشكل جيد. ويشير الخبراء إلى أن هناك صلة بين العسل وإصابة الأطفال بهذا النوع من البكتيريا، لذا ينصح بعدم تقديم العسل للأطفال الرضع الذين تقل أعمارهم عن سنة. ومن أجل تجنب الإصابة بالعدوى الناتجة عن تناول أطعمة ملوثة بالبكتيريا يجب اتباع قواعد الصحة العامة كغسل الأيدي جيداً وتنظيف الأماكن والأدوات التي تستخدم في طهو الأطعمة والتأكد من صلاحية الأطعمة وإبقائها محفوظة داخل أوان مغلقة وفي درجة تبريد مناسبة. نشر في مجلة (الثقافة الصحية) عدد (56) بتاريخ (صفر 1421هـ – مايو 2000م)
منقووووووووووووووووول
لك تقديري لحسن الطرح والاختيار