بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, الذي جعل مدار الثواب على ما في صدور العابدين تلكم المضغة التي بصالحها يصلح سائر الجسد في الخلائق أجمعين.
وبعد: فقد أخبر الشارع الكريم عن أهمية الوقت وقيمته وشرفه في مواضع كثيرة, في كتابه, وعلى لسان رسوله _صلى الله عليه وسلم_, فتارةً يقسم به, كقوله تعالى:{ وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}, وتارةً يأمر باغتنامه والحفاظ عليه كقوله _عليه السلام_:" اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك, و صحتك قبل سقمك, وفراغك قبل شغلك, وشبابك قبل هرمك, وغناك قبل فقرك"( 1). وتارةً يخبر بأن من أضاع وقته فهو مغبون, كقوله:" نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ"( 2).
وهكذا حث الشرع في مواضع أُخر على الحفاظ على الوقت الذي هو محل الاعمال, وقد قيل: يتساوى الناس في الوقت، ويختلفون في قضائه.
فالسعيد من قضى اوقاته في طاعة الله تعالى, والشقي من قضى عمره في ضياع, لا علما تعلم, ولا سعى في اعانة غيره على العلم, ولا عمل صالح يدخره ليوم معاده, فلعل في هذه السطور اليسيرة تذكرة للمبتدي والمنتهي, في العناية بالوقت, والحرص على العمل الصالح.
ضياع الوقت أشدُ من الموت:
فإِضَاعَة الْوَقْت أَشد من الْمَوْت, لِأَن إِضَاعَة الْوَقْت تقطعك عَن الله وَالدَّار الْآخِرَة, وَالْمَوْت يقطعك عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا( 3).
وـ عمرك بين وقتين:
فهَلُمَّ إِلَى الدُّخُول على الله ومجاورته فِي دَار السَّلَام بِلَا نصيب وَلَا تَعب وَلَا عناء, بل من أقرب الطّرق وأسهلها, وَذَلِكَ أَنَّك فِي وَقت بَين وَقْتَيْنِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة عمرك, وَهُوَ وقتك الْحَاضِر بَين مَا مضى وَمَا يسْتَقْبل, فَالَّذِي مضى تصلحه بِالتَّوْبَةِ والندم وَالِاسْتِغْفَار, وَذَلِكَ شَيْء لَا تَعب عَلَيْك فِيهِ وَلَا نصب وَلَا معاناة عمل شاق إِنَّمَا هُوَ عمل قلب, وتمتنع فِيمَا يسْتَقْبل من الذُّنُوب, وامتناعك ترك وراحة, لَيْسَ هُوَ عملا بالجوارح يشق عَلَيْك معاناته وَإِنَّمَا هُوَ عزم وَنِيَّة جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك, فَمَا مضى تصلحه بِالتَّوْبَةِ وَمَا يسْتَقْبل تصلحه بالامتناع والعزم وَالنِّيَّة, وَلَيْسَ للجوارح فِي هذَيْن نصب وَلَا تَعب وَلَكِن الشَّأْن فِي عمرك وَهُوَ وقتك الَّذِي بَين الْوَقْتَيْنِ فَإِن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك, وَإِن حفظته مَعَ إصْلَاح الْوَقْتَيْنِ اللَّذين قبله وَبعده بِمَا ذكرت, نجوت وفزت بالراحة واللذة وَالنَّعِيم.
فـــــــــــ كن متعلما أو معلما في كل وقت, تنال البركة:
فَإِن بركَة الرجل تَعْلِيمه للخير حَيْثُ حل, ونصحه لكل من اجْتمع بِهِ, قَالَ الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن الْمَسِيح:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت}, (مريم:31). أَي: معلما للخير دَاعيا إِلَى الله, مذكرا بِهِ مرغبا فِي طَاعَته, فَهَذَا من بركَة الرجل, وَمن خلا من هَذَا فقد خلا من الْبركَة, ومحقت بركَة لِقَائِه والاجتماع بِهِ بل تمحق بركَة من لقِيه وَاجْتمعَ بِهِ, فَإِنَّهُ يضيع الْوَقْت فِي الماجريات ( 4) وَيفْسد الْقلب, وكل آفَة تدخل على العَبْد فسببها ضيَاع الْوَقْت, وَفَسَاد الْقلب, وتعود بضياع حَظه من الله ونقصان دَرَجَته ومنزلته عِنْده, وَلِهَذَا وصّى بعض الشُّيُوخ, فَقَالَ:" احْذَرُوا مُخَالطَة من تضيع مخالطته الْوَقْت وتفسد الْقلب, فَإِنَّهُ مَتى ضَاعَ الْوَقْت وَفَسَد الْقلب, انفرطت على العَبْد أُمُوره كلهَا وَكَانَ مِمَّن قَالَ الله فِيهِ:{وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا}(الكهف:28), وَمن تَأمل حَال هَذَا الْخلق وجدهم كلهم إِلَّا أقل الْقَلِيل مِمَّن غفلت قُلُوبهم عَن ذكر _الله تَعَالَى_, وَاتبعُوا أهواءهم, وَصَارَت أُمُورهم ومصالحهم {فرطا}, أَي: فرطوا فِيمَا يَنْفَعهُمْ وَيعود بصلاحهم وَاشْتَغلُوا بِمَا لَا يَنْفَعهُمْ بل يعود بضررهم عَاجلا وآجلا"(5 ).
قلبك ووقتك أعز ما تملك, فلا تؤثر بهما أحداً:
وَكُلُّ سَبَبٍ يَعُودُ عَلَيْكَ بِصَلَاحِ قَلْبِكَ وَوَقْتِكَ وَحَالِكَ مَعَ اللَّهِ: فَلَا تُؤْثِرْ بِهِ أَحَدًا, فَإِنْ آثَرْتَ بِهِ فَإِنَّمَا تُؤْثِرُ الشَّيْطَانَ عَلَى اللَّهِ، وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ, وَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ فِي إِيثَارِهِمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَضُرُّهُمْ إِيثَارُهُمْ لَهُ وَلَا يَنْفَعُهُمْ, وَأَيُّ جَهَالَةٍ وَسَفَهٍ فَوْقَ هَذَا ؟(6).
حال الصالحين مع الوقت والانفاس !!!
ويقال إن أصعب الأحوال المنقطعة انقطاع الأنفاس, فإن أربابها إذا صعد النفس الواحد صعَّدوه إلى نحو محبوبهم صاعدا إليه, متلبسا بمحبته والشوق إليه, فإذا أرادوا دفعه لم يدفعوه حتى يتبعوه نفسا آخر مثله, فكل أنفاسهم بالله وإلى الله متلبسة بمحبته والشوق إليه والأنس به, فلا يفوتهم نفس من أنفاسهم مع الله إلا إذا غلبهم النوم, وكثير منهم يرى في نومه أنه كذلك, لالتباس روحه وقلبه, فيحفظ عليه أوقات نومه ويقظته, ولا تستنكر هذه الحال فإن المحبة إذا غلبت على القلب وملكته أوجبت له ذلك لا محالة.
والمقصود: أن الواردات سريعة الزوال تمر أسرع من السحاب وينقضي الوقت بما فيه, فلا يعود عليك منه إلا أثره وحكمه, فاختر لنفسك ما يعود عليك من وقتك فإنه عائد عليك لا محالة, لهذا يقال للسعداء:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ},( الحاقة:24), ويقال للأشقياء:{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ },(غافر:75) ( 7).
الله يملأ أوقاتنا بطاعته
جزاك الله خير
كل ما يصيب الانسان من ضياع وشتات في حياته لا شك بانه فساد في القلب وهذا منبعه بعده
عن الله فتصبح حياته متناثرة يقسم وقته بطريقة خاطئة يعطي بها اولوية لمن حوله ولدنياه
دون ان يكون لله في وقته نصيب يذكر
طرح موفق
يقيم