وجه ملائكي لاتفارقه الابتسامة..تكفيك بضع نظرات اليه لتنسى همومك وترميها جانبا..هذه كلمات اخر العنقود(الفتى المدلل)..هكذا يسميه اخوته لمكانته الكبيرة في قلب امه..حتى لم يعد يشعروا بأنهم ابنائها ايضا!!..رغم مرضها المزمن والالامه التي تسلب منها لذه النوم الهانئ في عتمة الليل..الا ان يدا حانية تمتد لها بكأس ماء عند اشتداد نوبات تلك الازمة..ذلك هو الفتى المدلل..انتفض من فراشه حال سماعه لصوتها المختنق بركام الالم العالق..في صدرها..
ولدي عد لنومك…قلتها بصوت دافئ مشبع بالحنان..غدا اول ايام الامتحانات..اريد ان اراك متفوقا كما عودتني دائما…ثم ساد صمت للحظات..فقد غرقت في نوبة سعال مؤلمة اخرى
تكاد تجد فسحة هواء تدخل الى رئتها المتعبة من تراكمات الزمن الماضي..صنع على شفتيه
ابتسامة ممزوجة بحنان وعجز مرير..قائلا:
_سأفعل كل شيء من اجل ان اراك سعيدة وفخورة بي ياامي..عاد كل منهما الى فراشه(اذا لم يكن يستيقظ كل ليلة أي شخص في المنزل على صوت نوبات السعال الحادة تلك سوى(اخر العنقود)..مرت ايام الامتحانات بعبئها الثقيل..لتعقب تلك الايام فترة انتظار وترقب من(باسم)
حيث تتجلى امنيات الاخير واضحة لرسم ابتسامة على شفتي اغلى شيء في حياته(والدته)..
حل شهر اب بحرارته القائظة كما هي عادة الجو في هكذا وقت من السنة..الا ان مجيئه هذه
المرة كان يحمل ل(باسم) انباءا سارة…اذا عاد الاخير في صباح خميس مبتسم الى بيته
بخطوات مسرعة وضحكات عالية رددتها جدران المنزل.. بفرح غامر وحماسة ملتهبة:
امي امي..لقد نجحت بمعدل عال يمكنني ان ادخل كلية الطب..واحقق لك والولدي(رحمه الله)
امنيته ان اكون طبيبا يخفف الالام الناس..انهمرت دموعا تتلئلئ على خديها سعادتا وبهجة
وهي تقلب تلك الوريقة الصغيرة ذات الون(الاخضر) حيث علامات ولدها المتفوق…الا ان ذلك النجاح لم يسر كثيرا من اخوته..(اخوة يوسف) هكذا كانت تسميهم امهم اغيرتهم الشديدة
منه…اما نجاحه فقد كان يشعرهم بخيباتهم المتكررة على مقاعد الدراسة..وعجزهم عن مجرد النجاح دون تفوق..فقد امتهنوا جميعا مهن حرة لاتحتاج الى شهادة او تحصيل علمي…مرت ايام ذلك الفرح بسرعة لتشوب غيمة سوادء سماء ايامه الجميلة..تلك هي نوبات الالم التي تنتاب والدته حيث بدت تتزايد شدتها وتتفاقم يوما بعد اخر…كان يلجا وباستمرار الى اخوته
للحصول على بعض المال ليتمكن من تغير الطبيب..او تحسين نوعية العلاج لها املا ان
تتحسن قليلا صحة والدته..اذا لم يكن اولئك مستعدين سوى لسؤال عقيم لاطائل منه يوحي بأنهم مهتمون بوالدتهم!!…الا انه فوجئ برد لاذع يخلو من الود ومشاعر الاخوة التي يجب
ان تجمعهم تحت أي ظرف كان…بوجهم متجهم رد اخوه الكبير بحدة وغضب:
الست الولد المدلل لديها اذا لماذا لاتقوم بواجبك تجاهها؟؟ ام عليك ان تنعم بذلك الحب والحنان
دون مقابل؟؟..لماذا اشعر..قال(باسم)..من كلامك ان من تتحدث عنها امراة غريبة وليست امنا
ياخي..؟؟؟
ارجوك لاتبالغ كثيرا في تمثيل دور البراءة..فانت تعلم ماذا اقصد..كان باسم يحدق بأخيه وعلى ملامحة ارتسمت مظاهر الواثق البريء..غير مصدق ماسمعته اذاناه للتو…رد بلطف
كعادته..
_ولكن امي اعطتكم الكثير من حبها ورعايتها حتى اصبحتم رجالا..ولايجرأ احدكم على القول
انها قصرت معكم يوما في شي..حتى بعد وفاة ابينا..لم يتحرمنا من الحب كما لم تحرمنا من المال..ولاتنسى انها هي الوحيدة التي وقفت الى جانبك حينما قررت ان تتزوج الفتاة التي تحبها..مع رفضنا جميعا لذلك..لا لشي فقط لتراك سعيدا…تحتاج ان تقف امام المرآة وتقول
لنفسك(يالي من ناكر للجميل)..ادرك حينها ان لاجدوى ولانتيجة ترجى منه…ابتعدت خطوات باسم كثيرا تائهة في طرقات المدينة…يلفه الحزن وتقتله الحيرة اذا يجب عليه العمل..وفي الوقت ذاته كيف سيحقق حلم والديه في ان يكون طبيبا في ظل هذه الظروف…لم يجد بدا من السفر الى الخارج للعمل وايقاف دراسته لعام وان اضطر لعامين…مع انه وجد حلا الا ان الحيرة عادة تحتل تفكيره مجددا..اذ كيف سيقنع والدته بالامر وهي التي اعتادت عليه بقربها
طوال الوقت..امتلئت عيناه دموعا لمجرد التفكير انه سيسافر ويتركها مع قسوة اخوته..ولكن ما من حل امامه..لانقاذ صحة والدته ورؤيتها بحال افضل مما قبل..عاد الى البيت بقرار حازم وصمود لامثيل له مصطنعا القوة والثبات..وهو يقترب من سرير والدته وقد طبع على جبينها
قبلة رقيقة..بادر باسم بفتح الموضوع دون تردد..:
_امي لقد حصلت على فرصة عمل في الخارج..لاتفوت لي صديق في الخارج اخبرني
بوجوب السفر له باقرب وقت..لسنتين فقط واعود..وان وفقت في العمل فسوف اعود بعد سنة لن اكمل السنة الثانية لاكمل دراستي..ساد صمت قاتل بين الاثنين..اذا لم تجد الام كلمات
تقولها..كما هو حاله بعد ذلك الشرح المفصل..اذا تخلت عنه براعة التمثيل فجأة عندما التقت عيناه بعيني والدته..حيث كان حديثا لايحتاج الى كلمات بل الى دموع تكفكف بأيد يملئها الدفء…قطعت ابتسامتها جدران الصمت قائلة:
_اوافق على أي شي يجعلك سعيدا..ولكن لاتنسى والدتك..ابعث لي رسائل تطمئنني عليك
يابني….مرت ايام بعد ان اوصى شقيقة صديقه(مهند)..ان تأتي ثلاثة ايام في الاسبوع
للاهتمام بها..بعد ان وافقت الاخيرة على طلب(باسم) بنبل انساني طوال وقت سفره..فقد كان عملها ممرضة على درجة كبيرة من الخلق يمكنه ان يطمئن على والدته معها…اختلط اول يوم من شهر اكتوبر عام1995 بحزن الوداع..تابع
او كيف يعمل..امضى اياما تائها بين الشوارع المزدحمة والمحلات التجارية التي لاترغب
بعامل لاخبرة لديه…العمل الوحيد الذي كان متاحا بيسر وسهولة هو(عامل تنظيف)!!…
كان خجلامن ذلك العمل..,ولكن الوقت غير كاف للتفكير او للرفض…باشر بتنظيف الشوارع مع زملاء المهنة..واضعا لثاما على وجهه حيث كان يقول لنفسه دائما(سافعل أي شيء من اجلك ياامي)…وذات صباح جميل اشرقت فيه شمس ساطعة ..ملئته املا ويقينا انه رجل
وليس فتى مدلل كما يقول اخوته ..رمق على احدى جانبي الطريق رجل مسن اشعث الشعر
يبدو متعبا للغاية..ظنه باسم للوهلة الاولى احد المتسولين..مد يده الى جيبه واعطاه بعض النقود..ثم مضى يكمل عمله في التنظيف..ابتسم الرجل المسن وهو يرى شابا يعمل عملا كهذا
يأتي ويساعده ببعض المال..وهو بأمس الحاجة له..تبع باسم بخطوات متعثرة وصوت لاهث
قف ياولدي..لايمكن ان اتبعك اكثر فانا رجل مسن كما ترى..استدار باسم الى الوراء بكلمات مقتضبة رد عليه:
_نعم ياعم..اعلم ان النقود التي اعطيتها لك لاتكفي..ولكني هنا للتو بدات عملي وو..قبل ان يكمل حديثه..قاطعه الرجل قائلا:
بل اعجبتني اخلاقك وطيبتك بابني..هل يمكنك ان هل يمكنك ان تخلع ملابس العمل وتاتي معي الان..؟؟ رد باسم معتذرا بان عقوبة تنتظره ان فعل ذلك سيما انه اليوم الاول له في هذا العمل..ابتسم الرجل وعاد يطمئنه انه لن يتاخر سوى بعض الوقت..لم يجد بدا من الموافقة على طلبه وهو يعلم تماما نتيجة تلك الخطوة(قطع جزء من راتبه)..ارتدى قميصا ازرق وبنطالا ابيض..وسترة بيضاء خارجا من غرفة تبديل الملابس..بمنظر انيق جدا..وكانه رئيس شركة وليس عامل نظافة!!..واصل مسيره مع الرجل المسن..وماهي الا لحظات..لترتسم الدهشة على وجه باسم حين اقترب الرجل المسن من سيارة فاخرة..يقف الى جانبها سائق
متائهبا لاي امر..قطع مشهد الدهشة صوت الرجل:
اصعد يابني وستعلم كل شي حالما تتحرك السيارة..رغم عدم اقتناعه الا ان (باسم) امتثل لامر الرجل..سارت السيارة بضع دقائق لتقف اخيرا امام شركة كبيرة..هذا مكان عملك..قال الرجل..ستعمل سكرتيري الخاص في البداية ان اثبت جدارتك في العمل..ستحصل على عمل
اخر في احدى فروع الشركة..عملنا يعتمد على الثقة اولا فاي مهارة اخرى بامكانك اكتسابها مع الوقت المهم ان يكون الشخص العامل معنا امينا وصادقا…رد بسعادة وارتباك..هذا يعني انني لن اعود الى عملي السابق؟ّ!..ابتسم ارجل مرة اخرى واضاف:
_انت الان موظف جديد لدينا عن أي عمل سابق تتحدث قال ممازحا..تنفس باسم بعمق وارتياح شديد..وهو يتمتم بصوت منخفض لم يسمعه احد غيره..(لاشك انه دعاء الام..يرافقني في اول يوم لي هنا..مرت شهور على هذه الحادثة ..ورسائل صديقه التي تطمئنه على والدته لم تنقطع..في ظل اعجاب صاحب الشركة بأخلاقه العاليه وامانته..فقد استمرت نجاحاته في العمل يوما بعد اخر..حتى مر العام الاول..وبدا على وشك تسلم منصب جيد في احدى فروع الشركة شرط اكمال دراسته في الوقت ذاته..زاده فرحا شرط اكمال الدراسة ذاك..الا ان امورا في الخفاء كانت تحدث..وفي غيابه عن امه تحديدا…فقد وصلته رساله جديدة تفيد بأن والدته ترقد الان في احدى دور المسنين!! جن جنونه..وثارغضبا اذا كان يعلم ان ضمائر اخوته لن تستيقظ ابدا..من سباتها العميق..
تابع
وصل الى البت وعينيه تفيضان غضب والم صارخا في اخوته..يخاطب قلوبهم المتحجرة:
_هل وصل بكم الحال الى هذا..(دار المسنين)..ولها عصبة من الابناء؟؟..ولكن لاحياة لمن تنادي..تركهم اذا لم يجد احدهم جوابا لكلماته سوى ان والدتهم تحتاج لرعاية كبيرة..ونحن مشغولون باعمالنا..كما ان دار المسنين توفر لها رعايه اكبروافضل..من رعايتنا..!!..رد باسم: بل قل انكم اردتم التخلص من عبء كبير..وضعته ذات يوم امانه لديكم وكأنها ليست امكم..بل شخص غريب تعبتم في مجاملته والان حانت لكم فرصة..لخلاص اخيربأراحة ضمائركم
المحتظرة..ترك باسم..تلك القلوب القاسية اذا لا فائدة من تكرار الحديث معهم..ذهب مسرعا الى دار المسنين..يسير بين الممرات حتى وصل اخيرا الى غرفة والدته كما كتب في العنوان لديه..طرق الباب طرقا خفيفا ثم دخل الى الغرفه حيث كانت والدته..مسندة ظهرها بوسائد متخذة وضع الجلوس وسط السرير..امي بلهفة ودموع نزلت على خديه بغزارة..ارتمى
على يدي والدته يقبلهما ويقبل رأسها..لقاء..تكلمت فيه الدموع..بعد عجز اللسان عن الكلام..
التقط انفاسه..بعد برهة قائلا:
_امي لن اتركك بعد اليوم لحظة واحدة..الحمدلله الذي رزقني رؤيتك مجددا…تلعثمت كلمات والدته..وسط فرحتها التي لاتكتمل ابدا الا بحظور الولد المدلل..قائلة:
_قطعت الامل ان اراك مرة اخرى بعد ان احظروني هنا ولكن قلبي كان يخبرني انك بخير وهذا يكفيني ياحبيبي..امي (قال باسم ) : لم تفارقي خيالي ابدا..فانتي تعلمين انني احبك اكثر من أي شيء في الوجود..ولكن انا احبها اكثر منك..كان ذلك صوت الممرضة التي دخلت الغرقة مع الدواء..فقد كان موعد اعطاءه لها..ابتسمت الام وهي تضيف..انها ابنتي التي غمرتني بالرعاية
طوال شهر من تواجدي بين اروقة هذه الدار!!..ولكن ليس يعد الان قال باسم ستنامين اليوم في منزلك وتحت مراقبة شديدة ولصيقة من ولدك المدلل..قام بترتيب ملابس والدته في حقيبة وهو بشكر الممرضة على ماقامت به..ممتنا لرعايتها ولطفها..عاد لتقبيل جبين والدته ..وهم يمسكها من ذراعها برفق خارجا من دار المسنين..الى المنزل لتضيء حياته بالحب كسابق عهدها شمعة تنير عتمة الحياة. من جديد..) بقلمي
سلمت لنــا يدآك التى تنسج من الحروف أجمل معاني الـإبدآع وتغرقنــا بهــا
أدآم الله لنــا قلمك وأدامك شمس تنيــر سيدتي بإبداعهــا المميــز
وكالعادة طرح يستاهل 5 نجوم + تثبيت
وكل الود لروحـك الطـاهرة
اسلوب سلس ورقه في المشاعر يقرأ بالقلب
سلمت يمينك لما خطت
دمت مبدعه