سلامـــة الصـــدر واللســـان …
من مقاصد شريعتنا الغراء تربية المسلم على سلامة الصدر وحب الخير للآخرين …
وإنَّ من سمات المؤمنين العظيمة وصفاتهم الكريمة الدالة على كمال إيمانهم وتمام دينهم ونُبل أخلاقهم : سلامة صدورهم وألسنتهم تجاه إخوانهم المؤمنين ؛ فليس في قلوبهم حسد أو غل أو بُغض أو ضغينة ، وليس في ألسنتهم غيبة أو نميمة أو كذب أو وقيعة ، بل لا يحملون في قلوبهم إلا المحبة والخير والرحمة والإحسان والعطف والإكرام ، ولا يتلفظون بألسنتهم إلا بالكلمات النافعة والأقوال المفيدة والدعوات الصادقة .
هؤلاء هم الذين قال الله فيهم : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] … فنعتهم ربهم بخصلتين عظيمتين وخلَّتين كريمتين ؛ إحداهما تتعلق باللسان ، فليس في ألسنتهم تجاه إخوانهم المؤمنين إلا النصح والدعاء {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}
والخصلة الثانية متعلقة بالقلب ؛ فقلوبهم سليمة تجاه إخوانهم ، ليس فيها غل أو حسد أو حقد أو ضغينة أو نحو ذلك …
وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها قال تعالى 🙁 وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) [الحجر:47]
إن سلامة الصدر واللسان هما من أوضح الدلائل وأصدق البراهين على تمام الإيمان وكماله ،
وقد كان السلف رحمهم الله يعدُّون الأفضل فيهم من كان سليم الصدر سليم اللسان .
قال إياس بن معاوية بن قرة : " كان أفضلهم عندهم – أي السلف – أسلَمهم صدوراً وأقلهم غيبة " .
وقال سفيان بن دينار : " قلتُ لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا ،
قال : كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيرا ، قلت : ولم ذاك ؟ قال لسلامة صدورهم " .
لقد كان السبب الأعظم لسلامة صدور هؤلاء الأخيار وألسنتهم هو قوة صلتهم بالله وشدة رضاهم عنه ، كما قال ابن القيم رحمه الله : " إنه – أي الرضا عن الله – يفتح له باب السلامة فيجعل قلبه سليماً نقياً من الغش والدغل والغل ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم . كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا ، وكلما كان العبد أشد رضًا كان قلبه أسلم ، فالخبثُ والدغل والغش: قرين السخط ، وسلامة القلب وبرُّه ونصحه: قرين الرضا ، وكذلك الحسدُ هو من ثمرات السخط ، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا …
وثمرات سلامة القلب الذي هو ثمرة من ثمرات الرضا لا تُعدُّ ولا تحصى ،
فسلامة الصدر راحة في الدنيا وأنس وطمأنينة ، وثوابه في الآخرة من أحسن الثواب ، وغنيمته أكبر غنيمة .
لما دُخِل على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض كان وجهه يتهلَّل ،
فقيل له : ما لوجهك يتهلل ؟ فقال : ما من عملِ شيء أوثقُ عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً .
ومما يعينُ المسلمَ على سلامة صدره ولسانه تجاه إخوانه : اللجوء إلى الله عز وجل وسؤاله بصدق وإخلاص ، والنظر في العواقب الحميدة والنتائج المباركة في الدنيا والآخرة المترتبة على ذلك ، وكذلك النظر في العواقب السيئة والنتائج الوخيمة التي يجنيها ويحصِّلها من كان في قلبه غل أو حقد أو حسد أو نحو ذلك .
وقد ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم في أدعية كثيرة أُثِرت عنه سؤال الله هداية القلب وسلامته وثباته … فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : كان رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : (( … اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا … اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ …)) رواه مسلم …
وعن أنس رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : (( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ )) رواه الترمذى
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : … وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا )) رواه البخارى
إلى غير ذلك من أدعيته الشريفة – صلوات الله وسلامه عليه – .
والواجب على كل مسلم أن يجاهد نفسه مجاهدة تامة في استصلاح قلبه وتزكية فؤاده
وتنقيته من الإرادات السافلة والشهوات الدنيئة والغايات المنحطَّة ، ويصبر على ذلك في حياته ليلقى الله بقلب سليم …
وان لسلامة الصدر فوائد عظيمة :
فسلامة الصدر سبب من أسباب دخول الجنة قال صلى الله عليه وسلم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة } فعندما سئل الصحابي رضي الله عنه عن العمل الذي اوصله الى ان شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فقال: ( ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه . فقال عبدالله : هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) [رواه الإمام أحمد].
-وسلامة الصدر سبب لجمع كلمة المسلمين …
-وسبب لصلة الرحم …
-وسبب لحب الخير لإخوانك المسلمين …
-وسبب لراحة البال والبعد عن الحسد والشحناء والتباغض
– فيجدر بنا أن نكون نموذجا في سلامة الصدر والبعد عما يكون سببا للفرقة والتباغض والتحاسد والقطيعة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء فقال صلى الله عليه وسلم :
– " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " [رواه مسلم].
وقال حاثاً على المحبة والألفة : " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.. " [رواه مسلم]
ومن الأدعية العظيمة النافعة في باب سلامة الصدر واللسان : ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ ؟
قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ ))
فقد تضمن هذا الحديث العظيم الاستعاذة بالله من الشر وأسبابه وغايته ؛ فإن الشر كله إمَّا أن يصدر من النفس أو من الشيطان فاستعاذ بالله منهما في قوله : ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ )) وغاية الشر إما أن تعود على العامل نفسه أو على أخيه المسلم ، وفي هذا الحديث الاستعاذة من ذلك : ((وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ ))
فتضمن هذا الحديث الاستعاذة من مصدري الشر اللذين يصدر عنهما ، وغايتيْه اللتين يصل إليهما ؛ فلله ما أكمله من دعاء وما أجمل مقاصده وأروع دلالته ، وما أجمل أن يوظفه المسلم في أذكار صباحه ومسائه وعند نومه كما أرشد إلى ذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه .
إذا أحبتـــي في الله …
سلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة فلنحرص على تربية أنفسنا على هذه المعاني العظيمة ولنبتعد عما يكون سببا في الضغينة والحقد والحسد
فهل نحرص أحبتي على غرس هذه المعاني في قلوبنا وقلوب أبنائنا ومن حولنا ؟؟؟
قد نختلف في الرأي وقد لا نوفق للصواب فإن كان الامر مما يسوغ فيه الخلاف فلا يجوز التجريح والتقاطع والتدابر وان كان خطأ واضحا بدليل فليكن بيان الخطأ بالرفق والمحبة بعيدا عن التجريح والكلام القاسي وليكن قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم …
اسأل الله ان يجمع كلمة المسلمين على الحق …
وقفة
ابدأي بنفسك وبادري فقد تكوني مفتاحا من مفاتيح الخير بتعاملكِ وصدق نيتكِ .
عنواننا في ذلك ابتسامة وفعل معروف وتسامح …
ممـــا تصفحتـه ونقلتـه لكم …
مع اطيـــــب التــــــحـــ ــــايا …
مـع تحــيتي
ويبارك الله فيك عزيزتي
شكرآآآ لتواجد وطيب ردك …