دموع المحبه
انسلت دمعه ساخنه من عيني ذلك الاب وهو يقف حائرا امام طفله والذي تعلق في احدى السيارات التي تسير بالطاقه الكهربائية في ذلك المحل الشهير باللعب والهدايا بقلب العاصمة السعودية الرياض , والتي فاق سعرها نصف راتبه المكون من ثلاثة الاف ريال ,ناهيك على ان الشهر بمنتصفه, وما تبقى من المال لا يكاد يفي باحتياجات المنزل ,وطلبات زوجته التي لا تنتهي..
سيدي هل تريد ان تحصل على نفس هذه السياره ام تريد ان نجهز لك اخرى جديده..كررها مرتان مسؤول المبيعات في ذلك المحل دون ان يحصل على أي رد من ذلك الاربعيني والذي غاصت افكاره بعيدا..بعيدا جدا .
***********
انطلق احمد ذلك الشاب المفتول العضلات وسيم الملامح ومعه ثله من اصحابه بمركبته القويه ذات الدفع الرباعي يطارد تلك السيارة الصغيرة التي اكتظت بتلك الفتيات واللواتي كانوا قد اظهرن تجاوبا واعجابا مع احمد او بالاصح مع مركبة احمد الفارهه.
انهن معجبات بك يا احمد …قالها صالح بصوت جهوري حتى يتم تمييزه عن صوت تلك الاغاني الصاخبة التي جعلت المركبة وكأنها "ديسكو" مصغر ولكن رغم ذلك اجابه احمد: اعلم يا صديقي انهن هكذا دوما معي ,فانا اختلف عن الجميع وخاصة ممن هم على شاكلتك شبيهي القرده ,قالها ضاحكا ليبادله صالح ومن معهم الضحك باصوات جنونيه ثم يرسل احمد رقم هاتفه بواسطة تلك التقنيه المسماه بلوتوث الى الفتيات بكل يسر وسهولة ,مكملا جولاته الم********ه في ارجاء الشوارع والحارات ,ليتجه لاحقا الى احدى المطاعم كي يغذي اولئك المرتزقه الذين سخروا انفسهم يوميا للركوب وتناول مجانا وجبتي الغداء والعشاء وربما الافطار احيانا مع صديقهم ابن ذلك الثري الشهير ناصر سعيد .
***************
قضى ذلك الشاب العشريني جل اوقاته في احد امرين ,اما السفر وشحن زملائه وحقائبهم الفارغه معه,واما في احضان النساء ,ونسي او تناسى أي واجبات دينيه و اجتماعيه اواخلاقيه له.
اعتقد ان اموال والده ستقيه الفقر ,لا سيما وهو يحسب جيئة وذهابا ما سيحصل عليه بعد فناء والده وصعوده الى السماء, بل انه لا يتوانى عن الحديث احيانا بانه الوريث الشرعي الوحيد لوالده وانه سيكون تاجر كابيه "بالفطره"!
****************
انقضت السنين واحتفل احمد باكماله الثامنه والثلاثين من عمره دون ان يخطر بباله الزواج ولو كفكرة,و يأست والدته المسنه وابيه الطاعن في العمر من توجيه النصائح اليه ليتوب ويعود الى الله تعالى ويدع عنه تلك الرذائل واصدقاء السوء ,دون جدوى ,بل انه يزداد في غيه كلما تقدم السن بابيه متيقنا ان كل عام يجتازه ابيه انما هو عام ينقص في الوصول الى هدفه وهو كنوز والده وشركاته واسهمه المحلية والعالميه.
************
نسى احمد او تناسى ان هنالك ما ما يسمى "ب "القدر" وما ادراك ما هو القدر ..؟ انه ذلك الذي جعل ذلك المسن يكاد يفلس بعد ان احتال عليه كبير معاونيه , اضافة الى انهيار البورصات العالميه والمحليه ليصفي رصيده الذي كان مكتظا بمئات الملايين صفرا..
نعم ,لقد اضحى ناصر سعيد مفلسا مسنا في نظر ابنه احمد ,الى جانب زوجته تلك العجوز التي اقعدت بعد ان باتت ركبتيها غير قادرتين على حملها واصبح ابنهما بين فكي الكماشه .
فهو لا يتقن في هذه الدنيا سوى فن المطاردات الغرامية او النوم والكسل ,مما دعاه ان يستعين بالمقربين من اصدقائه والذين تبرءوا وتنصلوا منه بعد عدة اشهر من تواتر الانباء عن افلاس والده.
لم يجد احمد امامه سوى ان يبيع سيارته الفارهه, ليسدد جزءا من ديون والتزامات والده وبالباقي اشترى سياره صغيره وبدأ بما لم يتوقعه زملائه القدامى منه ..بدء العمل كسائق تاكسي
*************
ههههههه اطلقها احد اصدقائه القدامى عندما علم بما ال اليه احمد خاصة وانه كان يغار منه ناهيك عن حقده الطبقي عليه باعتباره احد الاثرياء ليقول ساخرا: اذن فليطلب لي ايا منكم احمد ليوصلني الى المطار …ها ها هااااا
اكمل سعيد ضاحكا بهستيريا : ولا تنسى ان تقول له ان يفتح العداد حتى لا نهضمه حقه ..!
اما منصور فقاطعهما صارخا : وهل سيبدأ عمله الجديد في الفترة الصباحية ام المسائية ام انه عمل حر …هههههههه استوقفهما والد سعيد والذي كان يستمع اليهما في صمت من خلف غرفة مكتبته الضخمه قائلا بصرامه : الا انكم حثالة ولا يشرفني تواجدكما بمنزلي هيا , الى الخارج ..قالها وهو يندفع والمسبحه في يده الى ابنه ليتسابق مع زملائه في الفرار من والده والذي لم يتمالك نفسه فالقى سبحته لتنفرط فوق رأس مؤخرة رأس منصور ويقول لهم : ايها السفله بلغتم الثلاثينات دون دين ,ودون زواج, وكل عام تثبتون فسادكم وقذارة نطفكم .
حسبنا الله ونعم الوكيل ,حسبنا الله ونعم الوكيل .
***************
تتتتتتتتتتتابع
تاب احمد.. وابتدأ حياة جديده,اصبح يواضب على الصلاة بالمسجد, بل واحيان يقوم بواجب الامامه مجانا ,صار يقضي جل الليل في العباده والاستغفار ,وبدء بممارسة عمله الجديد ,وعندما اضحى ما يتقاضاه من المال لا يكفي ولا يسد رمق والديه التحق باحد الاعمال الادارية البسيطه بشركة خاصه , فتخلص من التاكسي ليلبي وصية والدته ويتزوج بأحدى الفتيات ذوات الدين والخلق الرفيع ويرزقه الله منها لاحقا بناصر ذلك الطفل ذو الاربع سنوات والذي التصق بتلك السيارة الكهربائية الصغيرة في بداية قصتنا ثم هز رجلي والده للمرة الرابعه قائلا له : ابي هلا ابتع لي اياها …؟
انتفض احمد بعنف عندما توقف عند ذكرى وفاة والده اثر ازمه قلبيه منذ شهرين فقط … وقال : ابشر يا ناصر بما تريد لن اردك ولو اكملت الشهر جائعا , والله كريم
لم يكد يتمم عبارته حتى باغته اتصال من احد البنوك الرئيسيه في بلاده ليخبره بأن عليه التوجه الى اقرب فرع له ليتمم بعض اجراءات تصفية تركة والده ..
عاد احمد الى منزله مهموما وارتمى تحت اقدام والدته يقبلها ويقول لها : امي ,لا ادري مالذي فعلته في حياتي , لقد انهكتني الدنيا, قالها والدموع تغرق عينيه ,لقد اذلتني الحياة يا امي لقد عشت العز والان اتجرع المذله من الجميع, حتى اصدقائي واحبتي اصبحوا يسخروا من فقري ..قاطعته والدته بمحبه وبصوتها الهادي الحنون : لا تذل لغير الله يا بني ,والفقر ليس عيبا,لقد كافحت واصبحت افتخر بك لدى الناس جميعا ,قاطعها احمد قائلا بحزن: واي ناس تتحدثي عنهم ,انهم من دمروني ,انهم يتللذوا الان بفقري وضعفي حتى انني لا استطيع ان اقتني لعبتين في وقت واحد لطفلي ,لقد حرمته يا اماه من ابسط حقوقه ,لقد خذلته ولا استحق ان اكون ابا وحتى البنك يا امي يريدني غدا ربما ليجهز علي وعلى ما استطعت ان انجزه هذان العامين .
عندها مررت والدته بيديها الحانيتين على شعره , والتمعت عيناها وهي تقول بثقه: الله كريم يا احمد ,توكل على الله واذهب .
السيد احمد : قالها بكل احترام مدير ذلك الفرع الرئيسي لاحد البنوك الشهيرة بالمملكة ,مضيفا :تفضل على الرحب والسعه .
احمد: هل تخاطبني يا سيدي …؟!
مدير الفرع: بالطبع يا بني تفضل ..قالها وهو يوميء بيده مرحبا على طريقة اهل نجد .
احمد بقلق : مالمطلوب يا سيدي ,وهل على والدي ديون ما او التزامات لديكم ؟
مدير الفرع وهو يتناول فنجان شاي امامه : تعلم اننا كنا نحظى بحسابات والدك رحمه الله ,والان عليك ان تستوفي كل ما هو مطلوب منك حتى تستلم ما تبقى من ماله.
احمد ساخرا: عذرا يا سيدي وهل قلت ما تبقى من ماله , هل استطيع ان اتبرع به اليكم ؟
مدير الفرع وهو يهز يديه بشكل لا ارادي: كما تريد يا سيدي, ولكن هل تريد ان تتبرع لنا ب مائتي مليون ريال ناهيك عن اكثر من 100 كيلو من سبائك الذهب الصافي …؟!
عم السكون بشكل مباغت تلك الجلسه المكونه من احمد ومدير الفرع ومدير قسم التركات ,والذي كان متخفيا بالركن منذالبداية ,وامتد ذلك السكون الى ان قطعه هذا الاخير قائلا : ولدي ايضا ورقه صغيرها خطها لك والدك رحمه الله وصاني الا اريك اياها الا بعد وفاته بشهرين ..
عندها التفت اليه احمد ليلاحظه للمره الاولى ويجيبه بيديه ان يحضرها دون ان ينبس ببنت شفه ,ليقرأ بها هذه العبارة: ستقرأ هذه الرسالة وانا الى جوار ربي الكريم , اعذرني يا بني.. لم اجد افضل من هذه الطريقه لاختصر عليك الزمان واعصر لك صافي حكمته ,ثم اهديك المال لتدعو لي ما تبقى من عمرك وليرتاح قلب حزن عليك ثلاثين عا… " لم يستطع احمد ان يكمل القراءة مع تبلل كامل تلك القصاصه بالدموع
…دموع المحبه