جمعت لكم عدة معاني عن هذه الآيهِ اتمنى ان اكون وفقت بالجمع:
قال تعالى:
" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ".
يخبر تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين، أي: الذين قاموا بما عليهم من إيمان القلب التام، الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها، فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها.
وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين، للجواب الصحيح، إذا قيل للميت " من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " هداهم للجواب الصحيح بأن يقول المؤمن: " الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي "
( وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ) عن الصواب في الدنيا والآخرة، وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم، وفي هذه الآية دلالة على فتنة القبر وعذابه، ونعيمه، كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة، وصفتها، ونعيم القبر وعذابه.
تفسير السعدي
يقول ابن القيم_رحمه الله_ في كتاب الأمثال في القرآن
وتحت قوله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) كنز عظيم من وفق لمظنته وأحسن استخراجه واقتناءه وأنفق منه فقد غنم ومن حرمه فقد حرم وذلك أن العبد لا يستغني عن تثبيت الله له طرفة عين فإن لم يثبته وإلا زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما وقد قال تعالى لأكرم خلقه عليه عبده ورسوله: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) ، وقال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) وفي الصحيحين من حديث البجلي قال: (وهو يسألهم ويثبتهم) ، وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ).
.
فالخلق كلهم قسمان: موفق بالتثبيتومخذول بترك التثبيت، ومادة التثبيت وأصله ومنشأه من القول الثابت وفعل ما أمر به العبد فيهما يثبت الله عبده فكل ما كان أثبت قولا وأحسن فعلا كان أعظم تثبتا، قال تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) فأثبت الناس قلبا أثبتهم قولا والقول الثابت هو القول الحق والصدق وهو ضد القول الباطل الكذب، فالقول نوعان: ثابت له حقيقة وباطل لا حقيقة له، وأثبت القول كلمة التوحيد ولوازمها فهي أعظم ما يثبت الله بها عباده في الدنيا والآخرة، ولهذا ترى الصادق من أثبت الناس وأشجعهم قلبا والكاذب من أمهن الناس
وأخبثهم وأكثرهم تلويا وأقلهم ثباتا ، وأهل الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلبه وقت الاختبار وشجاعته ومهابته ويعرفون كذب الكاذب بضد ذلك، ولا يخفى ذلك إلا على ضعيف البصيرة، وسئل بعضهم عن كلام سمعه من متكلم به فقال: والله ما فهمت منه شيئا الا أني سمعت لكلامه صولة ليست بصولة مبطل فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت ويجد أهل القول الثابت ثمرته أحوج ما يكونون إليه في قبورهم ويوم معادهم كما في صحيح مسلم من حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر ، وقد جاء (هذا) مبينا في أحاديث صحاح….
وفي راوايه:..
قوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت قال ابن عباس : هو لا إله إلا الله . وروى النسائي عن البراء قال : قال : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " نزلت في عذاب القبر ; يقال : من ربك ؟ فيقول : ربي الله وديني دين محمد ، فذلك قوله : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " .
وقد جاء هكذا موقوفا في بعض طرق مسلم عن البراء أنه قوله ، والصحيح فيه الرفع كما في صحيح مسلم وكتاب النسائي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم ، عن البراء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ; وذكر البخاري ; حدثنا جعفر بن عمر ، قال حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه آت ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ ص: 318 ] وقد بينا هذا الباب في كتاب التذكرة وبينا هناك من يفتن في قبره ويسأل ، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك . وقال سهل بن عمار : رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال : أتاني في قبري ملكان فظان غليظان ، فقالا : ما دينك ومن ربك ومن نبيك ؟ فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت : ألمثلي يقال هذا وقد علمت الناس جوابكما ثمانين سنة ؟ ! فذهبا وقالا : أكتبت عن حريز بن عثمان ؟ قلت نعم ! فقالا : إنه كان يبغض عليا فأبغضه الله . وقيل : معنى ، يثبت الله يديمهم الله على القول الثابت ، ومنه قول عبد الله بن رواحة :
يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصرا
وقيل : يثبتهم في الدارين جزاء لهم على القول الثابت . وقال القفال وجماعة : في الحياة الدنيا أي في القبر ; لأن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا ، وفي الآخرة أي عند الحساب ; وحكاه الماوردي عن البراء قال : المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر ، وبالآخرة المساءلة في القيامة :
ويضل الله الظالمين أي عن حجتهم في قبورهم كما ضلوا في الدنيا بكفرهم فلا يلقنهم كلمة الحق ، فإذا سئلوا في قبورهم قالوا : لا ندري ; فيقول : لا دريت ولا تليت ; وعند ذلك يضرب بالمقامع على ما ثبت في الأخبار ; وقد ذكرنا ذلك في كتاب التذكرة . وقيل : يمهلهم حتى يزدادوا ضلالا في الدنيا .
" ويفعل الله ما يشاء " من عذاب قوم وإضلال قوم . وقيل : إن سبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما وصف مساءلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت . قال عمر : يا رسول الله معي عقلي ؟ قال : نعم قال : كفيت إذا ; فأنزل الله – عز وجل – هذه الآية .
لك كل الود