أرجو منك أن تجلس في مكان هادئ لا يشغلك فيه أي شئ آخر عما تقرأ ، ولا تفكر الآن في أي شئ إلا الموقف الذي أدعوك لأن تتخيله .
تخيل أخي الكريم أنك تجلس في بيتك ، والذي يتكون من والديك وإخوتك ، ثم تُفاجئ أنه في ذات يوم قال لك الأب والأم : نحن نكرهك أشد الكره ولا نريد أن نري وجهك أو نسمع صوتك ، ويقول لك الإخوة نحن لا نريدك أن تكون بيننا ولا نريدك أخًا لنا ولا نحبك أساسًا ، ثم تُفاجئ بمفاجأة أخري لم تكن تتوقعها وهي أن الحجرة التي دخلت فيها لتجلس بمفردك بعيدًا عن أهلك أنها هي الأخرى تقول لك : أن لا أريدك أن تكون بداخلي ، أخرج بالخارج … بالله عليك كيف يكون حالك أخي الحبيب . فالمكان الذي تجلس فيه يبغضك جدًا ، وصاحب المكان لا يريد أن يري وجهك وأخوتك لا يريدونك أن تكون مصاحبًا لهم ويكرهونك جدًا .. كيف يكون حالك … لا أريدكم أن تعجبون من هذا الكلام فإنه والله هيّن جدًا بالنسبة لما ستقرأه في السطور القادمة .. فتأمل معي .
إن أهل النار يُعانون أصنافًا كثيرة من العذاب البدنيّ الحسيّ ، ولكن هناك عذاب آخر له وطأة شديدة عليهم ألا وهو العذاب المعنويّ ، ومن ذلك قضية المقت الشديد : لأنفسهم ، والمقت الشديد من الله عليهم ومن الملائكة ومن أهل النار لأنفسهم ، ومن المؤمنين لهم ، بل ومن النار نفسها ، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة .
قال عز من قائل عن مقت النار لأهلها :"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ" (الملك :7) . قال الثوري : تغلي بهم كما يغلي الحب القليل في الماء الكثير.
"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" أي تكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها وحنقها بهم.
وقال تعالي :" إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا"(الفرقان:12) هذه الزفرة لا يبقي مَلَك مُقرب ولا نبي مُرسل إلا خرّ لوجهه ترتعد فرائصه ، "إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ" : أي : قبل وصولهم إليها ووصولها إليهم "سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا" : غليانًا كالغضبان إذا على صدره من الغضب ، "وَزَفِيرًا" : صوتًا شديدًا لأنها قد غضبت لغضب خالقها.
وقال سبحانه وتعال :" يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ"(ق:30) يسألها ربها : "هَلِ امْتَلَأْتِ؟" وذلك لكثرة ما أُلقيّ فيها ، "وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ" : أي : لا تزال تطلب الزيادة من المجرمين العاصيين ، غضبًا لربها ، وغيظًا علي الكافرين .
وأما عن مقت الملائكة لأهل النار فقد قال الله عز وجل :"وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ"(غافر:49،50) لما يسأل أهل النار الملائكة تخفيف العذاب ترد عليهم الملائكة موبخة لهم "أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ" "قَالُوا بَلَى" "قَالُوا فَادْعُوا" أي : قال الخزنة لأهل النار متبرئين من الدعاء لهم والشفاعة "فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ" أي لا يُقبل ولا يُستجاب .
وقال الله سبحانه وتعالي :" يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ"(الرحمن:41) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ باسوداد الوجوه وزرقة العيون فيجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار .
وقال الله :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"(التحريم:6)
"مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ" أي : طباعهم غليظة قد نُزعت من قلوبهم الرحمة ، تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج ،فهم غليظة أخلاقهم ، شديد انتهارهم ، يُفزِعون بأصواتهم ، ويُخيفون بمرآهم ، ويهينون أهل النار بقوتهم .
وأما عن مقت أهل النار بعضهم لبعض فقد قال تعالي:"كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ"(الأعراف:38)
"كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا" كما قال تعالي :" ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا"(العنكبوت:25) "حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا" أي : اجتمعوا فيها "قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ" أي : عذبهم عذابًا مُضاعفًا لأنهم أضلونا ، وزينوا لنا الأعمال الخبيثة
حسبي الله ونعم الوكيل
شكرا لك اختي تقبلي مروري