اليوم الآخر[1] أمر غيبي يجب التصديق به
يقول الشيخ أبو بكر الجزائري – حفظه الله – في كتابه "عقيدة المؤمن":
إن الإيمان باليوم الآخر هو عبارة عن التصديق الجازم بانقلاب هائل يتم في الكون، ويكون انتهاء هذه الحياة بكاملها، وابتداء حياة أخرى وهي الدار الآخرة، بكل مافيها من حقائق مدهشة، من بعث الخلائق، وحشرهم، وحسابهم، ومجازاتهم.
وهذا الإيمان ليس واجبًا فحسب، بل هو أحدُ أركانٍ ستة، تُبْنَى عقيدة المؤمن عليها، فلا تتم إذًا عقيدته إلابه، ولا تصلح إلا عليه؛ قال – تعالى -: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177].
وفي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: "أن جبريل – عليه السلام – سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الإيمان، فقال: فأخبرني عن الإيمان؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكُتبه، ورُسُلِه،واليوم الآخِرِ، وتؤمن بالقدر، خَيْرِهِ وشَرِّهِ))، قال جبريل: صدقت".
ولأهمية هذا المعتقد في حياة المؤمن، ولآثاره الكبرى في استقامة الفرد وصلاحه، عُنِي القرآن الكريم به عناية لا تقل عن العناية بالإيمان بالله – سبحانه وتعالى.
وبالجملة: فإن الإيمان بالله – سبحانه وتعالى – واليوم الآخر هو رأسُ الأمر، وأساس الإيمان، وعليه مدار استقامة الإنسان، وصلاح خلُقِه، وطهارة روحه، وبدون هذا الأصل فالإنسان مخلوق لا خير فيه لا لنفسه ولا لغيره، وهو شرٌّ كله، لا يُؤْمَنُ جانبه، ولا يُطْمَأن إليه؛ اهـ بتصرف واختصار.
• فاليوم الآخر غيب بالنسبة إلينا، فالغيب يشمل الماضي والمستقبل،وما يغيب عن حواسِّنا في الحاضر؛ كالجن، والملائكة، وأولُ صفات المتقين في كتاب رب العالمين، الإيمان بالغيب،كما قال – تعالى -: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1 – 3]؛فالإيمان باليوم الآخر تصديق لكلام رب العالمين ولرسوله الأمين – صلى الله عليه وسلم – وهذا فيه ما فيه من سعادة العبد في الدنيا والآخرة.
بخلاف مَن يَكفُرون بالبعث والنشور، فإنهم يعيشون حياةً كلها مخاوف وجزع، واضطراب ويأس، وتهافت على الشهوات، وحرص على الدنيا؛ لأنها أكبر همه ومبلغ علمه، وتجده مِن أشد الناس جزعًا عند الموت؛ اهـ.
يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر – رحمه الله – في كتابه "القيامة الصغرى" ص 6:
"إن بعض الذين يرفضون فكرةَالرجعة إلى الحياة يبدؤون بالنَّوْح الحزين على حياتهم التي تتلاشى وتتناقص في كل لحظة وتمضي، وقد يسلمهم هذا إلى العزلة والألم، حتى يوافيَهم الموت،وإن كانوا كُتَّابًا أو شعراء، فإنهم يُسجِّلون مشاعرهم الحزينة التي يندبون بها حياتهم؛ في مقالات، أو كتب، أو أشعار تجسِّم شِقْوَتهم وحيرتهم وألمهم، وبعض الذين يكفرون بالبعث والنشور، يسارعون إلى اقتناص الملذَّات والشهوات، كأنهم في صراع مع الزمن، يخشون أن تمضي أيامهم ولَمَّا يشبعوا من مباهج الحياة"؛ اهـ ملخصًا.
يقول الشيخ الغزالي خليل عيد، في بحث له بعنوان: "ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر"، نُشِر في مجلة "البحوث الإسلامية" (8/ 247):
"الذي كفر بالله والدار الآخرة، ونسي أن وراء هذه الدنيا حياة دائمة، وأن بعد هذه الأعمال جزاءً عادلاً، وانساق وراء شياطين الإنس والجن، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112]؛ فاستباح هَتْك الحُرُمات، واحتكم إلى الأهواء والطواغيت، وانطلق في دروب الشهوات والمنكرات، وعاش باغيًا طاغيًا، لا يُوفِّي للضعيف حقًّا ولا مرحمة، وذليلاً خائفًا لا يُوفِّي لنفسه عزًّاولا كرامة، يخنع ويركع أمام الطاغوت العاتي بقلبه أو بجبهته، ويستعلي على الضعيف المستكين ببَغْيِه وسلطانه وجاهه، إن هذا المجتمع أشبه بغابة الوحوش، أو حظيرة الحيوان،إنه أحطُّ منها، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12].
إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث والجزاء أضرى من الحيوانات الكاسرة، وأشرس من الكلاب المسعورة، يَلَغُون في الدماء، ويخوضون في الخبائث والأقذار، ويعتقدون أن هذه هي متعتُهم التي إن فاتتْهم، فلن تُستعاض؛ لأنهم زعموا أن لن يُبْعَثوا، وأن ليس بعد هذه الحياة من حياة، ﴿ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الأنعام: 29]؛ اهـ.
أما الحكم الأول: فقوله – تعالى -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ﴾، وتأمَّل كيف جعل الكفر بالبعث كفرًا بالربِّ.
والحكم الثاني: ﴿ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ﴾.
والحكم الثالث: ﴿ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
فالمؤمن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن الدنيا ما هي إلا دارُ اختبار وامتحان، وأن الآخرة هي دار الجزاء والوفاء، وأن وجودَه في هذه الدنيا إنما هو إلى أجل مسمًّى، كما قال – تعالى -: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34].
والله – تعالى – أخبر آدم – عليه السلام – بهذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى التي هبط فيها إلى الأرض، وأعلمه أن هذه الأرض ليست دار الخلود، ولا الاستقرار الدائم، إنما هو استقرار ومتاع مؤقت، قال – تعالى -: ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 24، 25].
لكن لَمَّا طال الأَمَد على البشر قَسَت قلوبهم، ونسوا هذه الحقيقة، وانحرفوا عن المنهج، وضلوا الطريق، فقالوا: لا بعث، ولا حساب، ولا جزاء، ولا جنة، ولا نار، وإنما هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما نحن بمبعوثين، كما أخبر عنهم رب العالمين في كتابه الكريم، فقال عنهم: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7]، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ [سبأ: 3]، ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [يونس: 53].
والآيات والأحاديث على إثبات البعث والنشور، والجزاء والحساب كثيرة، لا ينكرها إلا جاحد، ولا يردُّها إلا كافر.
[1] المراد باليوم الآخر أمران:
الأول: فناء هذه العوالم كلها، وانتهاء هذه الحياة بكاملها.
الثاني: إقبال الحياة الآخرة وابتداؤها، فدلَّ لفظ اليوم الآخر على آخر يوم من أيام هذه الحياة، وعلى اليوم الأول والأخير من الحياة الثانية؛ إذ هو يوم واحد لا ثاني له فيها ألبتة.
وانار الله دربك وقلبك بنور الهدى
جعل الله ما قدمته في ميزان حسناتك
دمتِ في حفظ الرحمن
موضوع قيم يستحق التقييم
ربي يحفظكـ
جزاك الله خير
ياعسل
عوووووافي يسلموو..
وجعله في ميزااان حسناااتك
ربي يجزاك الجنة