كتاب للكاتبة احلام مستغانمي
" النسيان. كوم
إن كان الحب هو أفضل عملية شد وجه ، فإن أفضل كريم ضد التجاعيد هو النسيان.
لاتدعي الفقدان ينكتب بؤسا وتجاعيد على وجهك.
فالخسارة العاطفية تظهر أول ماتظهر على وجه المرأة.مهما تجمّلت ستشي بك الملامح المتعبة..
العينان اللتان لم تناما،الخدان اللذان كانا نضرين،ومرت بهما سواقي الدموع، الرموش التي كانت
ساحرة وجارحة وانكسرت وذبلت لفرط بكائك السري وانهطالك الداخلي المتواصل.
أخرجي هذا الرجل أولا من وجهك.لابد ألا تريه في المرآة عندما تقفين أمامها في الصباح.
فبشاعته داخلك،وذلك الكم من الأذى الذي الحقه بك،سيتحول إلى أحاسيس قبيحة وضارة
تشغل كل مكان كان يحتله في جسدك،سيعبر وحله شرايينك وكريات دمك وينتهي في ملامح
وجهك.لاتدفعي من جمالك ونضارتك ثمن خروج هذا الرجل من حياتك .فهو لم يدفع هذه
"القيمة المضافة"للفراق. لاثمنا ولا زمنا.حداده عليك سيكون قصيرا.فلو كان طويلا وموجعا ومكلفا
لما تخلى عنك.
الوجه هو أول مايراه فيك الآخرون.
وأول مارآه فيك هذا الرجل يوم أحبك..يومها حتما ماكنت على هذا القدر من الذبول.كان حولك
مشروعات حب.فقد كنت تبثين ذبذبات بهجة.تذكري كم كنت يومها مشرقة وشهية .كنت متألقة
كنت واثقة.كنت امرأة. اعلمي أن للإشعاع جاذبية، وأن شعورك بأنك محبوبة يجذب إليك الحب.
لذا،عندما يتخلى عنك الحب ،لاتجدين أحدا من الذين كانوا يتمنونك يوم كنت عاشقة فإحباطك وذبولك
والذبذبات السلبية التي تبثها أنوثتك المجروحة تجعلهم ينسحبون.
في انتظار أن تحبي أحدا ،ولكي يحبك أحد،أحبي نفسك،جمليها..دلليها..غاري عليها..اهديها
ماكنت تبخلين به عليها لتهديه لمن تحبين..خصصي لها من الوقت مالم تكوني في الماضي
تملكين. أعديها للحب دون أن تخبريها بذلك.
أشياء تطاردها
و أخرى تُمسك بتلابيب ذاكرتك
أشياء تُلقي عليك السلام
و أخرى تُدير لك ظهرها
أشياء تودّ لو قتلتها
لكنّك كلّما صادفتها
أردتك قتيلًا
تكتبين روايات و قصائد في الحبّ، و لا يسألك أحد في من
كتبتها….. و لا هل يحتاج المرء حقًّا كلّ مرّة أن يحبّ ليكتب عن
الحبّ.
( لو كان نزار حيًّا لأضحكه السؤال. فالشاعر العربي الذي كتب
خمسين ديوانًا في الحبّ. لم يحبّ سوى مرّات معدودة في
حياته )
ذلك أنّ ذكرى الحبّ أقوى أثرًا من الحبّ، لذا يتغذّى الأدب من
الذاكرة لا من الحاضر.
لكنّك تقولين أنّك تكتبين كتابًا عن النسيان و يصبح السؤال " من
تريدين أن تنسي " ؟
لكأنّ النسيان شبهة تفوق شبهة الحبّ نفسه. فالحبّ سعادة.
أمّا السعي إلى النسيان فاعتراف ضمني بالانكسار و البؤس
العاطفي.
و هي أحاسيس تُثير فضول الآخرين أكثر من خبر سعادتك.
لكنّ الاكتشاف الأهمّ هو أن المتحمّسين لقراءة
" وصفات للنسيان "
أكثر من المعنيّين بكتاب عن الحبّ.
النساء و الرجال من حولي يريدون الكتاب نفسه. أوضّح للرجال
" و لكنّه ليس كتاب لكم "… يردّون " لا يهم في في جميع
الحالات نريده "!
كلّ من كنت أظنّهم سعداء انفضحوا بحماسهم للانخراط في
حزب النسيان.
ألهذا الحدّ كبير حجم البؤس العاطفي في العالم العربي؟!
لا أحد يعلن عن نفسه.
الكلّ يخفي خلف قناعه جرحًا ما، خيبة ما، طعنة ما.
ينتظر أن يطمئن إليك ليرفع قناعه و يعترف
: ما استطعت أن أنسى!
أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان.
المناضلة من أجل التحرر من استعباد الذاكرة العشقيّة.
أتوقّع أن يتجاوز هذا الكتاب أهدافه العاطفيّة إلى طموحات
سياسيّة مشروعة.
فقد صار ضروريًّا تأسيس حزب عربي للنسيان.
سيكون حتمًا أكبر حزب قومي.
فلا شرط للمنخرطين فيه سوى توقهم للشفاء من خيبات
عاطفيّة.
أراهن أن يجد هذا الحزب دعمًا من الحكّام العرب لأنّهم
سيتوقّعون أن ننسى من جملة ما ننسى،
منذ متى و بعضهم يحكمنا،
و كم نهب هو و حاشيته من أموالنا.
و كم علقت على يديه من دمائنا.
دعوهم يعتقدون أنّنا سننسى ذلك!
إذ إنّنا نحتاج أن نستعيد عافيتنا العاطفيّة كأمّة عربيّة عانت دومًا
من قصص حبّها الفاشلة.
بما في ذلك حبّها لأوطان لم تبادلها دائمًا الحبّ.
حينها فقط، عندما نشفى من هشاشتنا العاطفيّة المزمنة،
بسبب تاريخ طاعن في الخيبات الوجدانيّة،
يمكننا مواجهتهم بما يليق بالمعركة من صلابة و صرامة.
ذلك أنّه ما كان بإمكانهم الاستقواء علينا لولا أن الخراب في
أعماقنا أضعفنا. و لأنّ قصص الحبّ الفاشلة أرّقتنا و أنهكتنا،
و الوضع في تفاقم.. بسبب الفضائيّات الهابطة التي وجدت كي
تشغلنا عن القضايا الكبرى وتسوّق لنا الحبّ الرخيص و
العواطف البائسة فتبقينا على ما نحن عليه من بكاء الحبيب
المستبد… و نسيان أنواع الاستبداد الأخرى!
ذلك الصمت الآثم للرجال..
إن كان سلاح المرأة دموعها،أو هكذا يقول الرجال،الذين ما استطاعوا الدفاع عن أنفسهم بمجاراتها
في البكاء.فقد عثر الرجل على سلاح ليس ضمن ترسانة المرأة،ولا تعرف كيف تواجهه،لأنها ليست
مهيأة له في تكوينها النفسي.لذا،عندما يشهره الرجل في وجهها يتلخبط جهاز الالتقاط لديها ويتعطل
رادارها.إنها تصاب بعمى الأنوثة أمام الضوء الساطع لرجل اختار أن يقف في عتمة الصمت.
لا امرأة تستطيع تفسير صمت رجل،ولا الجزم بأنها تعرف تماما محتوى الرسالة التي أراد إيصالها إليها،
خاصة إن كانت تحبّه.فالحب عمى آخر في حد ذاته.
(أما عندما تكف عن حبه فلا صمته ولا كلامه يعنيانها،وهنا قد يخطئ الرجل في مواصلة إشهار سلاحه
خارج ساحة المعركة،على امرأة هو نفسه لم يعد موجوداً في مجال رؤيتها!) كما أن بعض من يعاني
ازدواجية المشاعر يغدو الصمت عنده سوطاً يريد به جلدك ،فيجلد به نفسه.
تكمن قوة الصمت الرجالي في كونه سلاحا تضليلياً.إنه حالة التباس،كتلك البدلة المرقطة التي يرتديها
الجنود كي يتسنى لهم التلاشي في أي ساحة للقتال.إنهم يأخذون لون أي فضاء يتحركون فيه.
إنه صمت الحرباء..لو كان للحرباء صوت.تقف أمامه المرأة حائرة،تتناوب على ذهنها احتمالات تفسيره
بحكم خدعة الصمت المتدرج في ألوانه من إحساس إلى نقيضه.
صمت العشق..صمت التحدي..صمت الألم..صمت الكرامة..صمت الإهانة..صمت اللامبالاة..
صمت التشفي ..صمت من شفي..صمت الداء العشقي ..صمت من يريد أن يبقيك مريضاً به .
.صمت من يثق بأنه وحده يملك دواءك..صمت من يراهن على أنك أول من سيكسر الصمت ..
صمت من يريد كسرك..صمت عاشقين أحبا بعضهما البعض حد الانكسار ..صمت الانتقام .
.صمت المكر..صمت الكيد..صمت الهجر ..صمت الخذلان..صمت النسيان..
صمت الحزن الأكبر من كل الاحزان..صمت التعالي ..صمت من خانك..صمت من يعتقد أنك خنته
ويريد قتلك بصمته..صمت من يعتقد انك ستتخلين يوما عنه فيتركك لعراء الصمت..الصمت الوقائي..
الصمت الجنائي..الصمت العاصف ..والصمت السابق للعاصفة..صمت الانصهار وصمت الإعصار..
الصمت كموت سريري للحب..والصمت كسرير آخر للحب ينصهر فيه عاشقان حتى الموت..
الصمت الذي ليس بعده شيء..والصمت الذي ينقذ ذلك "الشيء"ومنه تولد الأشياء مجددا جميلة
ونقية وأبدية بعد أن طهرها الصمت من شوائب الحب.
الصمت اختبار .
طوبى لمن نجح فيه مهما طال.إنه يفوز إذاً بالتاج الأبدي للحب..أو بإكليل الحرية
تحمّل الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي كتابها الجديد الموسوم ‘نسيان com’،
والصادر حديثاً عن ‘دار الآداب’ البيروتية، مشروعاً ضخماً لا يخلو من النفس النسائي،
ويسعى الى التأسيس لخطاب موجّه الى النساء حاثّاً إيّاهنّ على نسيان الخيبات العاطفية
التي تثقل كاهلهن، لا الرجال، بذكرياتها التي تعكس الخيبة على مجمل نواحي الحياة.
الكتاب موضوع على شاكلة فصول صغيرة يحمل كلّ منها أفكار الكاتبة في زاوية محدّدة من
الموضوع، الى نصائح تسديها للنساء وخاصة أولئك اللواتي يعانين من الأثر السلبي لفقدان الحبيب
الى قصص صغيرة تراها الكاتبة ذات دلالة بالنسبة الى الموضوع الذي تعالجه. الكتاب يحمل على
مقدمة غلافه تحذيراً: ‘يحظّر بيعه للرجال’، كما يحمل على غلافه الخلفي شعار المشروع الذي
تحاول الكاتبة التأسيس له: ‘أحبيه كما لم تحب امرأة وانسيه كما ينسى الرجال’.
يحقق الكتاب فكرة مبتكرة من خلال إرفاق ألبوم غنائي للفنانة اللبنانية جاهدة وهبه به،
يضم بعض ما غنّته من نسيان أحلام مستغانمي تحت عنوان: ‘أيها النسيان هبني قبلتك’.
الكتاب كمشروع، خرج بعدما امتلأت دفاتر الكاتبة بأفكار ومقولات في الحبّ. فقسّمت هذه
الأفكار بحسب مراحل الحبّ، أي بحسب الفصول الأربعة:
فصل اللقاء والدهشة
فصل الغيرة واللهفة
فصل لوعة الفراق
وفصل روعة النسيان
هذه هي ‘رباعيّة الحبّ الأبديّة، بربيعها وصيفها وخريفها وأعاصير شتائها’. وما كتاب النسيان
سوى فصل سوف يتبع بفصول ثلاثة أخرى. هكذا تضع الكاتبة للحبّ روزنامة ذات فصول، على
رغم أنها تقول في مكان آخر من الكتاب أن ‘للحبّ روزنامة لا علاقة لها بمنطق الفصول’.
أمام هذا الكتاب، نرى أن السبيل الأهمّ للإحتفاء به مع الكاتبة هو من خلال نقد بعض جوانبه،
بعيداً من ثقافة عدم تناول الكتب إلا مديحاً، ما يضعف ملكتنا النقدية الضعيفة أساساً.
علماً أن ذكر بعض التناقضات التي وقعت فيها الكاتبة لا يلغي أهميّة الكتاب،
وليس طبعاً دعوة الى عدم قراءته. بل بالعكس، ففي الكتاب كثير من الفائدة والمتعة
اللتين اعتادت احلام مستغانمي تقديمهما الينا.
كتاب جديد للكاتبة احلام مستغانمي
راق لي كثيرا
ننتظر المزيد
من روعة ماطرحتي والله يالغلا