الأسرة هي المؤسَّسة التربويَّة الأولى الَّتي يترعرع فيها الطّفل ويفتح عينيه في أحضانها، حتى يشبّ ويستطيع الاعتماد على نفسه، ويلتحق بعدها بالمؤسَّسة التعليميَّة الثانية، وهي المدرسة، حيث تتشكَّل شخصيّته وسلوكياته وطريقة تعامله مع أقرانه نتيجة التنشئة الاجتماعية الَّتي استقاها من والديه، إلا أنَّ بعض الآباء يغرسون في أبنائهم، بطريقة غير مباشرة، طبائع وتصرفات سلبيّة، باعتبارهم القدوة الأولى في حياتهم. ولعلَّ أبرز تلك الصّفات السلبيَّة، الغرور والتعامل مع الآخرين بطريقة يشوبها التعالي وعدم الاحترام، حيث تتبلور التبريرات لدى الأبناء بأنَّ هذه التصرفات هي الصحيحة، كونها صادرة عن والديه. فهل تلعب التربية والتنشئة الأسريَّة دوراً مؤثراً في سلوكيات الأبناء مع الآخرين؟ وهل الغرور و"شوفة الحال" لدى الأبناء نتيجة الاتجاهات التربويَّة غير السويّة، يوفر لهم الرصيد الكبير من الأصدقاء والمقربين في حياتهم مسقبلاً؟
نفور وامتعاض
تبيّن إيمان محمود، ربة منزل، أنَّ الأسرة هي المكان الَّذي يترعرع فيه الابن ويفتح عينه في أحضانها، حتى «يشِب» ويستطيع الاعتماد على نفسه في حياته مستقبلاً، مضيفةً أن هنالك سلوكيات قد تنغرس في الأبناء نتيجة ملاحظتهم لتصرفات آبائهم السلبية مع الآخرين، والتي قد تتسم بالتعالي والغرور في الكلام والمقارنة بمختلف المواقف والظروف، مؤكدةً أنَّ هذه التربية تخلق النفور والامتعاض تجاه أبنائهم؛ ما قد يخسرون في النهاية ديمومة العلاقات واستمراريتها في المستقبل.
التنشئة سيفٌ ذو حدين
وعن انعكاس سلوكيات الآباء على تربية الأبناء، قالت ندى سليم، إحدى المرشدات في المدارس الخاصة: في الآونة الأخيرة، ظهرت ردود فعل غريبة لدى الطلبة في المراحل الابتدائية، من خلال حدوث مشاكل و"طوش" فيما بينهم. وبعد انتهاء المعركة الطلابية، تم إحضارهم إلى الإدارة، وبعدها إلى مقابلة المرشدة التربوية، حيث تبيّن أن هذه السلوكيات السلبية الصادرة عنهم، ناتجة من تقليد تصرفات آبائهم في المنزل، مؤكدة أن أحد الطلبة تحدث إلى مديرة المدرسة، بطريقة التعالي والغرور وعدم الاهتمام بالآخرين، معللاً ذلك حسب تعبيره "أبي علَمني هيك"، لافتةً إلى أن التنشئة تلعب دوراً كبيراً في تصرفات الأبناء، فهنالك فرق كبير بين التواضع والتسامح، وبين الغرور والتعالي وعدم احترام الآخرين.
"لن تبلغ الجبال طولاً"
بيَّن الحاج مهدي عليان أن العديد من المواطنين يعانون من مرض اجتماعي، وهو الغرور أو «شوفة الحال» على الآخرين، مضيفاً أنها حالة مرضية تعتري الإنسان بسبب الشعور بالتفوق على أقرانه والآخرين، والاعتداد بما عنده من تعليم، مال، وقوة، جمال، سلطة أو موقع اجتماعي. وهذا يقوده في النهاية إلى المهالك، ويورطه في مواقف قد تنتهي به إلى مأساة مفجعة، وهذه السمة مكتسبة لدى الفرد، وهي مرحلة متطورة من الأنانية، وتبدأ مع الشباب منذ مرحلة المراهقة، حيث تظهر لديه علامات حب الذات، ونكران الآخرين، والنظر إليهم نظرة دونية، وهذا لا يعني الثقة بالنفس، بل الإساءة إلى من حوله، مستشهداً في الوقت نفسه، بما أنزل بالكتاب العزيز، حيث قال الله تعالى في محكم تنزيله: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}[الإسراء: 37]، ويقول رسولنا الكريم(ص): "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
دوام الحال من المحال
يقول أستاذ المناهج والتدريس المشارك في جامعة عمان العربية، الدكتور عودة عبد الجواد أبوسنينة: إن الغرور داء العصر وبلاؤه، ويعني التكبر على الناس والصلف والعنجهية، مستشهداً بقول الإمام علي بن أبي طالب: "الغرور دليل على الذل أكثر من دليل على الكبر". وهنا نرى أن كثيراً من شبابنا لديهم الغرور بالجمال، المال، الجاه، السلطة ونهايته الندم والانكسار ونفور الناس من حوله، لأن دوام الحال من المحال، وأما التواضع، فعاقبتها الخير. وممكن أن يكون الغرور دليل شعور بالنقص، يحاول الفرد أن يخفيه بواسطة التكبر والمباهاة بما لديه، وهو قد يكون تعويضاً عن حالة مؤلمة مرَّ الشخص بها.
الغرور مكتسب ولا يورث
وعن مدى احتمال توريث صفة الغرور من الآباء إلى الأبناء، نتيجة تقليدهم بأقوالهم وسلوكياتهم، قال أبو سنينه: إن التنشئة الاجتماعية مهمَّة جداً في حياتنا وحياة أبنائنا، ونمط التنشئة يلعب دوراً حاسماً في نمذجة السلوك وإكساب الأبناء سلوكياتهم، فهو لا يورث لأنه مكتسب، فلذلك يحاولون تقليد أمهاتهم وآبائهم من خلال التربية، مبيناً أن الأنانية التي نغرسها في أبنائنا، وهم صغار بدافع المنفعة، هي العامل الحاسم في تربيتهم، وكذلك الافتتان بالنفس ونمط التربية التي تركز على الحماية الزائدة أو الدلال والحرمان، كثرة العقاب، تحقير والشخصية وكسرها، الإهانة وتفضيل الآخر عليه، إعاقة أو داء مزمن، وفاة الوالدين، حرمان عاطفي، وكل هذه العوامل تلعب دوراً أساسياً في غرس الغرور في نفوس الأبناء.
من تواضع لله رفعه
وتساءل أبوسنينة عن إمكانية تربية الأبناء على التواضع، في الوقت الذي يعاني آباؤهم مرضاً اجتماعياً، وهو الغرور والتعالي، مبيناً أن تربية الأبناء بعيداً عن وسط الآباء والأمهات الذين يمتلكون مثل هذه الصفات السلبية، وما يرافقها من تصرفات منبوذة، فيه صعوبة كبيرة.
والأفضل تغيير الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه، وتساعد المدرسة على ذلك من خلال تعويد الأبناء على أن يحبوا لغيرهم ما يحبونه لأنفسهم، وغرس قيمة التواضع من خلال القيم والاتجاهات التي نغرسها في نفوس هذا الجيل، وكذلك حب الخير لتحقيق النجاح، ومحاولة إشراكه مع أقرانه بألعابهم ومشاركتهم في كل الأعمال التي يحاولون أن ينفذوها، وتنمية الروح الإنسانية التفاعلية، ومحاولة التقويم الذاتي والتأمل قبل اتخاذ القرار، والمشاركة في الحوار واستعمال الكلمات الجميلة، وتعويدهم على عدم رفع الأصوات للحصول على إقناع الطرف الآخر. وأخيراً، التمثل بأخلاق القرآن الكريم، وأخلاق رسولنا الكريم، لافتاً إلى أن الإنسان يجني عواقب الخلق الجميل محبة وإحساناً، وعواقب الخلق القبيح الذل والندامة والحرمان، وذكر أنَّ من تواضع لله رفعه.
نورتي عزيزتي
جزاك الله الخير كله علي روعه موضوعك و نصائحك الغاليه حبيبتي
طرحك ممتاز و جميل و مهم جدا