الصبي أمانة عند والديه
قال أبو حامد الغزالي:
"اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعمله نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه… ومهما كان الأدب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم، ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد.. ينبغي أن يراقبه من أول أمره، فلا يستعمل في حضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه.. وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام، فينبغي أن يؤدب مثل: ألا يأخذ الطعام إلا بيمينه وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه، وأن يأكل مما يليه، وألا يبادر بالطعام قبل غيره، وألا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل، وألا يسرع في الأكل، وأن يجود المضغ، وألا يوالي بين اللقم، ولا يلطخ يده ولا ثوبه.. وينبغي أن يعود ألا يبصق في مجلسه ولا يتمخط، ولا يتثاءب بحضرة غيره، ولا يستدبر غيره، ولا يضع رجلا على رجل، ولا يضع كفه تحت ذقنه، ولا يعمد رأسه بساعده، فإن ذلك دليل الكسل… ويعلم كيفية الجلوس، ويمنع كثرة الكلام، ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة وأنه فعل أبناء اللئام، ويعود في بعض النهار على المشي والحركة والرياضة، حتى لا يغلب عليه الكسل، ويعود ألا يكشف أطرافه، ولا يسرع المشي، ولا يرخي يديه، بل يضمها إلى صدره، ويمنع أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه، وبشيء من مطامعه وملابسه أو لوحة ودواته، بل يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره، والتلطف في الكلام معهم…" وغيره مما لا يحتاج إلى تعليق.
لكي خالص احترامي