الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الطمأنينة.. الراحة والسكينة.. هي عناوين وأسماء لمضمون واحد اسمه السعادة، وهي غاية كل حي
في هذه الدنيا يسعى جاهدًا لتحقيقها والظفر بها، تدفعه إلى ذلك غريزة خلقت معه، فهي هدف
سام وغاية نبيلة يبذل من أجلها كل ما يملك.
لعلّ
البحث عن السعادة والراحة النفسية، خصوصًا في عصر البذخ الفكري والإسراف
الصناعي والحضاري الّذي وصل إليه الإنسان في الغرب خصوصًا، هو ما جعل
المهتمين والمتخصّصين في تلك البلدان يؤسّسون لمراكز وهيئات متخصصة في علاج
حالات الاكتئاب والإحباط والأمراض النفسية الناتجة عن المدنية المادية،
والّتي نجحت في توفير أسباب سعادة الإنسان المادية لتقتله نفسيًا، وهو ما
تسجّله وسائل الإعلام من الإقبال الهائل على الأطباء النفسانيين، ومَن
استعصى عليه الأمر منهم، جعل الخلاص الموت والانتحار.
النّاس منذ القدم
وهم مختلفون في تحديد ماهية السعادة وسبل تحقيقها، وذلك بالنظر إلى
المنطلقات والمعتقدات المتباينة، فاختار قوم لتحقيق سعادتهم المال والثـروة
والشهرة، فهو يرى نفسه في قمّة السعادة إذا امتطى سيارة فاخرة وسكن قصرًا
فارهًا وملك شركات وأقام علاقات متينة، وهو بهذا في حقيقة الأمر لم يخرج عن
الفطرة، فطرة {وتُحبُّون المال حُبًّا جَمًّا}. ولأن الإسلام دين الفطرة
والواقعية، فهو لم يمنع المسلم أن يكون كذلك، بل لابُدّ أن يكون كذلك
لتحقيق طموحاته ونصرة دينه ووطنه، فنِعم المال الصالح للرجل الصالح. بل إن
كثـيرًا من قضايا الإسلام والمسلمين منذ عصر رسول الله، صلّى الله عليه
وسلّم، إلى يومنا هذا لابُدّ لها من أمثـال أبو بكر وعثـمان في البذل
والعطاء.
واختار قوم لتحقيق سعادتهم المناصب السامية والألقاب الكبيرة،
فهو يرى نفسه في قمّة النشوة إذا ارتقى في منصب ونال أوسمة السيادة والرفعة
ولقّب بألقاب التشريف والتبجيل، يأمُر فيُطاع ويتمنّى فتحقّق له أمنياته
وفق ما يريد. ومع أنّ المناصب لابُدّ منها في كلّ عصر ومصر ومع ما تحمله
لأصحابها من الهيبة والتقدير، فهي لا تزيد المؤمن الّذي لا يرى فيها إلاّ
تكليفًا يُسأل عنه في الدنيا والآخرة، إلاّ تواضعًا وتفانيًا وإخلاصًا،
وإنّه يشعر بالفخر والاعتزاز والسعادة وهو يخدم قومه وبنيه، يُحقّق العدل
وينصر المظلوم وينشر المحبّة والثـقة في أوساط مَن يحكمهم أو يدير أمورهم.
وتوهّم آخرون وهم يبحثـون عن السعادة فظنُّوا أنّها في إشباع نزواتهم
الجنسية وغريزتهم الحيوانية، فراحوا يهتكون الأعراض وينشرون الفساد،
يحلّلون ما حرّم الله ويحرّمون على أنفسهم ما أحلّ الله، وما قلناه عن نظرة
الإسلام وواقعيته المتزنة في اذنه، بل وترغيبه في أن يكون للمسلم ثـروة
ومال كثـير شريطة الحل.
إنّ حاجة الإنسان لإشباع رغباته الجنسية كحاجته
للطعام والشراب، فطرة فطر الله النّاس عليها، حيث جاء الإسلام دين الفطرة
والواقعية فهذّبَها وجعل لها أطرها الشرعية، فأباح الله تعالى الزواج ولو
بأكثـر من واحدة شريطة العدل، وحرّم السفاح وما يشجّع عليه، وقدوتنا هو
حبيبنا صلّى الله عليه وسلّم القائل: ”جَاءَ ثَـلاثَـةُ رَهْطٍ إِلَى
بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ
مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا
فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ
الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ
فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَال: ”أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ
كَذَا وَكَذَا!! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ
وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ،
وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي”.
فما
يجده السالكون مسالك الحرام لإشباع غرائزهم من نشوة وسعادة، لهو السراب
الّذي يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا بل، وجد حُزْنًا وأسى،
هذا إذا كان له واعظ من نفسه، فاستشعر عظمة الذنب عازمًا على التوبة
النصوح، طارقًا باب الحلال. ومَن ترك شيئًا لله، عَوَّضَه الله خيرًا منه
{ومَن يتّقِ اللهَ يجعَل لهُ مخرجًا}.
وجزاك الله كل خير
وجعله بميزان حسناتك