الحسي والمعنوي في الحلال والحرآم
حتى لا تتصوّر أنّ المحرَّمات هي الأمور المادية فقط، لابدّ من أن تعرف أنّ الله تعالى حرَّم الفواحش (المنكرات والخبائث) ما ظهر منها وما بطن.
ما ظهر منها: المحرَّمات الحسّية، المادّية، الملموسة كالخمر، ولحم الخنزير والرِّبا والرَّشوة والقمار، والقتل.. وغيرها. والمحرَّمات المعنوية كالكذب والغش والخيانة.
وما بطن منها: هي كلّ الذنوب القبيحة الخفيّة: كاتخاذ السراري أو الأخدان أو الخليلات (صديقات السرّ)، والتناجي بالإثم والعدوان، أي الأحاديث السرّية التي تبيّت المؤامرة وتخطِّط للإيقاع بالصالحين.
وقد تجد بعض الناس يجتنبون المحرّم الصغير لكنهم لا يتورّعون عن ارتكاب المحرَّم الكبير، وقد يعترفون بالصغائر لكي يوهموا الناس أنّهم لم يقترفوا الكبائر.
إنّ التشريع الذي حلَّل وحرم هو نظام أو قانون متكامل، فليس التحريم في الإسلام كيفيّاً أو مزاجيّاً، نتركه إذا لم يؤثر على حياتنا أو مصالحنا، ونعمل به إذا تصوّرنا أنّه يُحقِّق لنا بعض الأرباح والمكاسب.
وقد يجد البعض الحرمة في لحم الخنزير، فلا يقربه، لكنه لا يتورّع عن أكل لحم أخيه ميتاً باغتيابه، وقد تجده يتحرّج من قطرات دم تقع على ثيابه فلا يصلِّي فيها مخافة أن لا تُقبل صلاته، لكنه يريق دم الكرامة الإنسانية في النيل من أعراض الناس، وانتهاك حرماتهم، وجرح أحاسيسهم.
وقد تجد مَن يمتنع عن الجلوس في مجالس شرب الخمر، لكنّه لا يجد غضاضة أو إثماً في الجلوس على الطرقات يلتهم بنظرته الفتيات وربّما يتحرّش بهنّ، وقد يغري بعضهم البعض بذلك، وقد يجلس في مجلس يُنال ويُشهَّر به بالأبرار والصالحين ويساء فيه إلى المقدّسات فلا تهتز له شعرة.
إنّنا لا يمكن أن نُجزِّء الحرام، فنجتنب (الحسّي) المادّي منه، ونطلق حرِّيّتنا في التعاطي مع المحرَّم المعنويّ: شيمة، أو بذاءة، أو تسقيطاً، أو إفتراء، أو شهادة زور، أو نميمة، أو طعناً في الأعراف، أو سخرية من البعض… إلخ.
الحرامُ كالخمر، والفقهاء يقولون: "ما أسكر كثيرهُ فقليله حرام"، فكما أنّ الزِّنا كجريمة حرام، فكذلك كلّ مقدّمات الزِّنا والخطوات المؤدية إليه حرام، فمقدّمة الحرام حرام.
ولابدّ لنا ونحن نحاول إنهاء هذه الجولة في حركة الحلال والحرام في حياتنا من أن نتذكّر ونذكّر أنّنا لسنا مشرّعين، ولا يحق لنا أن نقول هذا حلال وهذا حرام ونحن ننطق عن الهوى، فلابدّ من مُستَند شرعي يستند إليه ويستدل به، وإذا أضعنا الطريق إلى الحلال والحرام فالحل هو كما لو أضعنا الطريق في شوارع المدينة، لنسأل العارفين بها، والله تعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء/ 7).
وحريٌ بي كمسلم أن أتذكّر دائماً، وفي أي مكان أو موقف أكون، أن هويّتي وديني الذي هو الإسلام حرَّم عليَّ أموراً وحلَّل أخرى، فلا مجال للمجاملة في أي مجتمعٍ أكون.
فإذا عُرضَ عليَّ محرَّم في مجتمع يتعاطى المحرَّم، لابدّ أن أكون قوياً في القول:
– هذا محرَّم في ديني.
– هذا يتنافى مع عقيدتي.
– هذا ليس من أخلاقي.
– هذا لا ينسجم مع تربيتي وطبعي.
فلا أشرب المُسكر أو المخدِّر للمجاملة.. ولا أجالس البطّالين المغتابين للمجاملة.. ولا أماشي وأجاري المنحرفين للمجاملة.. ولا أمتنع عن أداء شعائري وطقوسي الدينية حياءً أو خجلاً أو مجاملة لتاركي الصلاة والعبادات.. ولا أمارس (الممنوع) مخافة أن يقال عنِّي (معقّد) أو بلا ذوق أو أنّني لا أعرف (الإتيكيت) أو أجهل في آداب اللياقة، فليس من اللياقة أن أنزل ممّا أنا فيه من (رفعة الإسلام) وترفّعه لأكون مع المتسافلين.
قيل لأحد الشباب، وقد أراد زملاؤه تحريضه على إصطحابهم إلى المهلى الليليّ: هلمّ بنا نتخفَّف من أعباء الدراسة وضغوط الحياة.. دعنا (نفرفش) وننسى هموم الإمتحانات..
قال: هذا مكان لا تطأه رجلي!
فسخروا منه ووصفوه بأنّه (معقّد)!
فردّ عليهم بالقول: إذا كان عدم الذهاب إلى الأماكن التافهة والمتحلّلة والفاجرة عُقدة.. فأا أكبر المعقّدين!!
م/ن