الحجرة الشريفة التي دفن فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
شرح مفصل دقيق للحجرة الشريفه
تعد الحجرة الشريفة التي دفن فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الأماكن المقدسة للمسلمين وتقع في الجزء الجنوبي الشرقي من المسجد النبوي، وقد أحاطت بها السرية والكتمان على مدى التاريخ بسبب المنع للدخول إليها، فظلت ملامحها التي شغف بها المسلمون كثيرا كونها مسكن نبيهم في حياته ومماته ترويها الحكايات المروية وكتب التاريخ ممن استطاع من كتابها التعرف عليها عن قرب.
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، يقول الدكتور عبد الرحمن الأنصاري عالم التاريخ والآثار "خلال الفترة التي عشتها لم يكن أحد يدخلها وذلك في عهد الدولة السعودية" لكن ماذا عن ما قبل هذا العهد؟ يجيب "لقد عرفنا من آبائنا أنهم قبل ذلك كان هناك من يدخل الحجرة لكنه أمر قاصر على الأطفال والآغاوات" سبب ذلك كما يقول "أعتقد أنه نوع من التبرك" ولهذا ظلت هذه الحجرة سرا من الأسرار الدفينة عبر التاريخ تحكى على إثرها الروايات الشعبية والأساطير المتداولة بين أهالي المدينة.
وأكثرها تداولا تلك الحكاية التي قالها (كمال) عن جده من أنه كان يمنع الدخول إلى القبر "وذات مرة تسللت حمامة بين سقف القبة التي تعلو قبر الرسول والحجرة إلى داخلها وحبست إلى أن ماتت وأراد الناس إخراجها بسبب رائحتها النتنة، فاحتاروا في أمر الدخول إليها في ظل المنع، حتى أشار عليهم رجل من أهل العلم بأن يدخلوا طفلا لم يبلغ الحلم يلتقط الحمامة بسرعة ويخرج بها، ففعلوا ذلك، وبعد خروج الطفل التف حوله جمع غفير من الناس يسألونه عما شاهده في داخل الحجرة وعن قبر الرسول وصاحبيه وبدهشة يقول "إلا أن الطفل لم ينطق بكلمة، لأنه أصبح أبكم بعدها".
ولذاكرة السردية التاريخية اجتهدت وحاولت قدر ما تستطيع أن تذكر تفاصيلها وأسرارها كونها من الأماكن المهمة التي جذبت انتباه المؤرخين ممن اهتموا بتاريخ المدينة المنورة والمسجد النبوي كما أشار الناقد والباحث في تاريخ المدينة المنورة محمد الدبيسي إذا يقول "لقد وقف العديد ممن كتبوا عن المدينة المنورة عند هذه الحجرة الشريفة وأفاض العديد منهم بتفصيل الوصف عن شكلها وحدودها ومساحاتها وموجوداتها وقد رصد بعضهم مراحل بنائها وترميمها وما تعرضت له من سلب لبعض موجوداتها في بعض العصور".
ويذكر الدبيسي للزميلة حليمة مظفر التي أعدت التقرير أمثالا لهؤلاء كان أبرزهم "محمد الحسيني في كتابه الجواهر الثمينة في محاسن المدينة والسمهودي في كتابه وفاء الوفاء، وإبراهيم رفعت باشا في مرآة الحرمين، والسيد جعفر برزنجي في كتابه نزهة الناظرين في مسجد سيد الأولين وغيرهم" ويقف الدبيسي عند كتاب مرآة الحرمين لإبراهيم رفعت باشا الذي يجده بأنه كان أكثر من أبلغ في وصف الحجرة النبوية ويقول "لقد وصفها إبراهيم باشا في عام 1325هـ".
ويتحدث الدبيسي عنها قائلا "الحجرة الطاهرة واقعة شرق المسجد النبوي الشريف وكان بابها يفتح على الروضة الشريفة التي وصفها عليه السلام بأنها روضة من رياض الجنة، وهي حجرة السيدة عائشة بنت الصديق التي قبضت فيها روحه فدفن بها وكان قبره جنوب الحجرة وكانت عائشة بعد وفاته تقيم في الجزء الشمالي منها"، وكما يُذكر تاريخيا بأنه عليه السلام قد دفن ورأسه الشريف إلى الغرب ورجليه إلى الشرق ووجهه الكريم إلى القبلة وعندما توفى الصديق دفن خلف النبي صلى الله عليه وسلم بذراع، ورأسه مقابل كتفيه الشريفين ولما توفي عمر بن الخطاب أذنت له عائشة بعد أن استأذنها قبل وفاته بأن يدفن إلى جوار صاحبيه داخل هذه الحجرة.
ويشير الدبيسي إلى أن الحجرة الشريفة مرت بمراحل في بنائها فقد كانت إبان العهد الأول مبنية باللبن وجريد النخل على مساحة صغيرة ثم أبدل الجريد بالجدار في عهد عمر بن الخطاب ثم أعاد عمر بن عبد العزيز بناء الحجرة الشريفة بأحجار سوداء.
قدم عمر بن الخطاب
والحجرة النبوية لم تكن ملتصقة بالمسجد النبوي فقد كان عليه السلام يترجل منها إلى المسجد للصلاة إلا أنها اليوم ملاصقة للمسجد، ولهذا حكاية يذكرها ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، ففي عهد خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أمر عامله في المدينة عمر بن عبد العزيز بأن يشتري حجرات أزواج النبي من الورثة وما يجاور المسجد النبوي لتوسعته وإعادة بنائه وضم هذه الحجر إليه حتى يكون المسجد 200 ذراع مربعة. وقد أنكر حينها أهل العلم عليه بأمره هدم حجرات أزواج النبي لتوسعة المسجد وإلحاق الحجرة النبوية به، كونهم رأوا بأن تبقى على حالها لتكون عبرة للمؤمنين في الزهد فهي مبنية من جريد النخل وحيطانها من اللبن، لكن لم يكن بد من أن ينفذ عمر بن عبد العزيز أوامر الخليفة فكان ذلك سببا كي تلتصق الحجرة النبوية بالمسجد الذي ذهب بعضهم ظنا بأنه قد تم بناؤه بعد وفاة الرسول على قبره بينما بناء المسجد سبق موته عليه السلام.
وكما يُذكر بأن عمر بن عبد العزيز عندما همّ في هدم حجر أزواج الرسول وبدأ بالحجرة الأولى انهار جدار الحجرة النبوية من الشرق وظهرت القبور الثلاثة فأمر عمر بإعادة بنائها وقيل إنهم عند بنائهم لها وحفرهم للأساس تكشفت قدم من إحدى القبور مما أفزع عمر خوفا من أن تكون قدم الرسول الكريم إلا أن عبد الله بن عبيد الله طمأنه حينها وأخبره بأنها قدم جده عمر بن الخطاب فأمر بتغطيتها، وأتموا البناء. وقد عمل ابن عبد العزيز على بناء الحجرة النبوية بحجارة سوداء يقرب لونها للون الحجارة التي بنيت بها الكعبة المشرفة على نفس المساحة التي بنى عليها الرسول بيته، إلا أن عمر قام أيضا ببناء جدار حولها له خمسة أضلاع خوفا من أن تشبه الكعبة فيصلى عليها.
ويذهب أغلب رجال العلم إلى أن قبر الرسول الكريم وصاحبيه كانت لاطنة بالأرض ولم يبن عليها شواهد، وكان قد جاء في بيان مسؤول عن رئاسة الحرمين الشريفين نشر في الصحف المحلية السعودية ردا على مزاعم وجود أغطية لضريح قبر الرسول وصاحبيه "أن قبر النبي عليه السلام لم يكن له غطاء في يوم من الأيام وأن القبور الشريفة من عهد الصحابة رضوان الله عليهم أحيطت بجدار ثم أحيطت بجدار آخر وهي جدر مصمتة لا يمكن لأحد رؤيتها ومعروف تاريخيا أنه لم يكن لها شواهد وليست مبنية كما يفعل في بعض القبور الحديثة بل كانت لاطنة بالأرض وعليها حصباء كما يفعل الآن بالقبور في البقيع وكما وردت بذلك الآثار الصحيحة عمن شاهدها قبل احاطتها بالجدر".
ويشير الدكتور الأنصاري إلى عدم وجود أغطية لقبر الرسول وصحابته خلال العهد السعودي إلا أنه لا يستبعد وجودها قبل هذا العهد ويقول "وجود أغطية على قبر الرسول أمر غير مستبعد خلال العهود السابقة قبل العهد السعودي إذ لا يوجد دليل يثبت عدم وجودها خاصة في العهد العثماني، ونفي ذلك أعتقد أنه يحتاج إلى بحث علمي دقيق "ويستدل على اعتقاده هذا بحال قبور الصالحين في كافة أنحاء العالم الإسلامي كقبر الحسين في مصر والقبور في اليمن وفي كربلاء بالعراق حيث يوجد عليها أغطية ولهذا يرى "أنه من الممكن وجود هذه الأغطية على قبر الرسول وصاحبه خلال العهود القديمة ".
ويذكر الأنصاري أنه حينما كان طفلا في المدينة كانوا يشاهدون على جدار الحجرة الخارجية ستائر في فترة الخمسينات الهجرية إلا أنها تهلهلت وأصبحت قديمة فتم استبعادها ويقول "وجود هذه الستائر خارج الحجرة أمر لا يستبعد معه وجود أغطية على القبور الشريفة داخلها" وكما يشير الأنصاري إلى أن هناك صورة قديمة جدا تم تداولها مسبقا لقبر الرسول عليه السلام وعليه غطاء.
عندما رأى الزنكي الرسول
ويذكر في ذلك الدبيسي بأن "الملك نور الدين زنكي في عام 557هـ أقام خندقا عميقا حول الحجرة النبوية الشريفة وصبه بالرصاص كي يحول بين الجسد الشريف وبين من يريد الوصول إليه وهو موجود حتى الآن".
وسبب قيام نور الدين بذلك كما ذكره ابن كثير في كتابه البداية والنهاية أنه حلم بالرسول يطلب منه نجدته من رجلين أشقرين أشار إليهما فرآهما، ونهض حينها من نومه فزعا، واستفتى بعدها أهل العلم في المنام فأشاروا إليه بالذهاب إلى المدينة كي يرى بنفسه ما يدور بها، ففعل، وحين وصوله إليها، أراد أن يرى أهلها ليتبين الرجلين اللذين رآهما في منامه فأمر بجمع أهل المدينة لأخذ الصدقة ولم يجدهما بين الوجوه، وحينها سألهم إن كان هناك من لم يأخذ شيئا من الصدقة؟ فأخبروه بوجود رجلين مغربيين غنيين يكثران من الصدقة وأنهما صالحان وقد قدما إلى المدينة حجا.
حينها أمر بهما فعرفهما، وطلب من جنده تفتيش دارهما، فوجدوا بها كتبا باللغة اللاتينية لم يفهموها، وعندما كشفوا عن حصير من على الأرض وجدوا خندقا عميقا موصلا للحجرة النبوية، فتكشفت نيتهما في سرقة جثمانه بأمر من ملوك النصارى، وحينها أمر نور الدين بقطع عنقهما، وحفر خندقا يصل إلى منابع المياه حول الحجرة الشريفة، وصب فيه الرصاص كي يكون مانعا حصينا للجسد الشريف، إلا أن هذه القصة في محاولة سرقة جثمان النبي نفاها الأديب الدكتور محمد عيد الخطراوي وقال عنها "إنها من ابتداع الصوفية كما قيل وقد بحثت هذه المسألة كثيرا ونفيت حقيقتها".
ويذكر الدبيسي أنه "في عام 668هـ أقام الظاهر بيبرس مقصورة خشبية حولها ذات حواجز ولها ثلاثة أبواب، وفي عام 678 هـ بالقرن السابع الهجري أقام السلطان محمد بن قلاوون قبة فوق الحجرة النبوية الشريفة وكانت مربعة في أسفلها مثمنة في أعلاها، مصنوعة من الخشب وقد صفحت بألواح من الرصاص منعا لتسرب الأمطار إلى الحجرة الشريفة" وهذه القبة هي أول قبة تبنى على المسجد النبوي والمعروفة الآن بالقبة الخضراء.
ويتابع الدبيسي سرد تطورات البناء بقوله "أنه في عام 881 هـ جددت هذه القبة من قبل الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، وفي عام 886 هـ تأثرت القبة المبنية على الحجرة النبوية بالحريق الثاني الذي وقع في المسجد النبوي" حيث مرّ في تاريخ المسجد النبوي حريقان كان الأول عام 654 هـ بسبب إهمال خادم لموقد المصابيح الذي سبب الحريق، والثاني كان في عام 886هـ بسبب صاعقة انقضت على مئذنة المسجد الرئيسية فأشعلت حريقا امتد لسقف المسجد الذي التهمه ومن ثم إلى جدرانه والمقصورة وخزانة الكتب والمصاحف التي التهمتها نيران الحريق ولم يسلم حينها في المسجد سوى الحجرة النبوية والقبة التي في الصحن إلا أن القبة التي فوقها قد تأثرت بالحريق.
ويقول الدبيسي "إنه في عام 887 هـ جدد السلطان قايتباي بناء القبة ووضعت لها دعائم قوية ثبتت في أرض المسجد وبنيت بالآجر، كما جعلت للمقصورة الشريفة نوافذ من نحاس من جهة القبلة ونوافذ من حديد في الجهات الأخرى، وأنه في عام 892 هـ تمت إعادة بناء القبة بالجبس الأبيض وزخرفتها".
ستة أبواب للحجرة
كما أشار الدبيسي إلى أن للحجرة النبوية الشريفة ستة أبواب منها باب التوبة وباب فاطمة وباب الوفود، أما عن كسوة الحجرة النبوية فيقول الدبيسي "كما ذكر في كتاب مرآة الحرمين أن الخيزران أم هارون الرشيد هي أول من كسا الحجرة الشريفة بالدائر المخمس، ثم كساها ابن أبي الهجاء بالديباج الأبيض والحرير الأحمر وكتب عليه سورة يس، ثم كساها الخليفة الناصر بالديباج الأسود ثم صارت الكسوة ترسل من مصر كل ست سنوات من الديباج الأسود المرقوع بالحرير الأبيض وعليها طراز منسوج بالذهب والفضة ".
ويضيف قائلا "لقد حظي المسجد النبوي باهتمام الملوك خاصة العثمانيين هذا إلى جانب اهتمام الدولة السعودية به اهتماما كبيرا" وعن الهدايا التي أهديت للمسجد النبوي وخاصة الحجرة الشريفة يقول "كما أشار رفعت باشا أن الهدايا التي أهديت للمسجد النبوي والحجرة الشريفة في عهده عام 1325هـ تقدر بسبعة ملايين من الجنيهات و620 قنديلا معلقة ونجف من البلور وقد أهدي إليها أربع شجرات على أعمدة بلور مفرعات بأغصان مائلة عليها تنانير صافية وضعت بالروضة الشريفة وحول الحجرة الشريفة 106 من القناديل كلها بالذهب المرصع بالألماس والياقوت وحول الحجرة كذلك معاليق من الجواهر الثمينة ومن اللؤلؤ الفاخر".
ويذكر أيضا أن السلطان عبد المجيد قد أهدى سنة 1274 هـ شمعدانين عظيمين مصنوعين من الذهب الخالص المرصع بالألماس الفاخر وقد تم وضعهما بمقصورة الحجرة الشريفة أحدهما باتجاه الرأس الشريف والآخر محاذاة رجليه الكريمتين على حد ما ذكر في كتاب مرآة الحرمين. ويعلق الدبيسي على ما تم إهداؤه للحجرة النبوية من كنوز ثمينة بقوله "هذا التقديس المادي للحجرة الشريفة خاصة لا يعدل المكانة الروحية لها في نفوس المسلمين أو حضورها الكبير في النص الشرعي حيث وصف النبي صلى الله عليه وسلم أن ما بين منبره وقبره روضة من رياض الجنة".
ويضيف "كثرة هذه الهبات والهدايا التي قدمت للحجرة النبوية الشريفة تدل على مرّ التاريخ على مدى المكانة المقدسة التي تحتلها في قلوب المؤمنين الذين لا يزالون يتقاطرون على فنائها صباح مساء ويتنسمون عبق أجواء قبره الشريف".
وتعد مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة محفوظة ومصانة في خزائن رئاسة الحرمين الشريفين منذ دخول الملك عبد العزيز آل سعود وكما جاء في بيان رئاسة الحرمين الشريفين عبر الصحف ردا على من أراد بيع غطاء قبر الرسول في احد المعارض بأن "مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة محفوظة ولم يفقد منها شيء منذ دخول الملك عبد العزيز إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة".
منقول
اللهم صلي وسلم على نبنا وحبيبنا المصطفى محمد ابن عبدالله وعلى اله وصحبه اجمعين