الأمنية خلاصة تجمعُ الإيمان و الهمة و المقدرة بل هي اختبارٌ لكلِّ ذلك:
وقد تحدى الله تعالى اليهود بالأمنيات فقال: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ () وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (الجمعة:6-7).
ويقول تعالى في بني إسرائيل: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ () وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (سورة البقرة: 94 – 95).
وضرب الله مثلاً آخر في الأمنيات، ألا وهو قارون ومن تمنى أن يكون مثله، فقال تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ () وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ () فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ () وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ () تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ() (سورة القصص: الآيات 79 -83).
• الأماني بذور العمل فلتنظر ماذا تزرع لنفسك و كيف تزرع:
ومن خطورة الأمنية أنها سلاح من أسلحة الشيطان حيث يقول تعالى ذاكراً مقولة الشيطان: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً () يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً) (النساء:120).
كما أن الأمنية تقوم مقام النية وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبوكبشة الأنماري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر، رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء. ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يتخبط فيه ينفقه في غير حقه،ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الوزر سواء".
• الأمنياتُ الكبيرة هي ظلالٌ هائلة ترسمها إضاءات الطموحات السامية:
لقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أمنية عجيبة فقال: "والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا".
وجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع بعض أصحابه في مجلس من مجالس الأحلام والآمال السامية فقال لهم: تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون لي ملء هذا الوادي ذهباً فأنفقه في سبيل الله، وقال الآخر: أتمنى أن يكون عندي ملء هذا الوادي خيلاً أتصدق بها في سبيل الله، فقال عمر رضي الله عنه: أتمنى أن يكون عندي ملء هذه الغرفة رجالاً كأبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة.
• و أصحاب النفوس الكبيرة يتمنَّون بعقولهم و بإيمانهم و ليس بشهواتهم:
يقول الدكتور يوسف القرضاوي معلقاً على الرواية السابقة: رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة. إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها، والعزائم القوية التي تنفذها، إنها تحتاج إلى الرجال. الرجل أعز من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان وجوده عزيزاً في دنيا الناس، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة".
• الرجل الكفء الصالح هو أكسير الحياة، وروح النهضات، وعماد الرسالات، ومحور الإصلاح:
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي يوماً: أوصني يا أبه، فقال: يا بني، انوِ الخير، فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير.
وكانت أم سفيان الثوري تقول لسفيان: " يا بني، لا تتعلم العلم إلا إذا نويت العمل به، وإلا فهو وبال عليك يوم القيامة".
وانظر كذلك إلى أمنية الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه والد جابر بن عبد الله رضي الله عنه، حيث يقول جابر رضي الله عنه: لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حَرام يوم أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جابر! ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك؟" قلت: بلى، قال: "ما كلّم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحاً، فقال: يا عبدي تمنّ علي أعطك، قال: يا رب! تحييني فأُقتل فيك ثانية، قال: إنه سبق مني: أنهم إليها لا يُرجعون، قال: يا ربَ! فأبلغ مَن ورائي" فأنزل الله عز وجل هذه الآية: (وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً ) ( آل عمران: من الآية 169)