بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
الإكثار من الخُلطة مفسد للقلب : الشيخ صالح آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى:
في ( وصايا عامة ) [شريط مفرّغ]
الوصية الخامسة: الإقلال من الخِلطة
الإقلال من الخِلطة أو الخُلطة كما نصح ابن القيم رحمه الله.
لأن من مفسدات القلب الإكثار من الخُلطة,قال والخُلطة نوعان:
* نوع منها يفسد القلب.
* ونوع منها يصله القلب.
فأما التي تفسد القلب : فهي أن يسعى في مخالطة الناس والكلام معهم في فضول المباحات، أو أحيانا بالمشتبهات أو بالمحرمات.
يعني يجب أن يكثر الاختلاط، يحب أن يكثر معارفه، يحب أن يتعرف على هذا وهذا، ويأتي مجلس هذا وينتقل من مجلس هذا إلى ذاك.
ويتعرف على عشرة وعشرين وثلاثين، وهذه الكثرة في التعارف هي سبب لأن تتأثر بما عند أولئك؛ لأن كل إنسان فيه خير وفيه شر.
فإذا كان من يخالطه العبد عنده بعض الشرور فإنه مع كثرة الاختلاط لا بد أن يأخذ من هذا وهذا، وربما اجتمعت عليه، وهذه خلطة مذمومة.
والقلب المتعلق بالله جل جلاله لا يأنس بالخلق كثيرا إلا إذا كان في توجيهم وفي إرشادهم وفي التعامل معهم على البر والتقوى.
أما هو فيكون مشغولا بربه جل وعلا عما سواه وفي الله جل جلاله شغل عما سواه , فكثرة المخالطة سبب من أسباب فساد القلب، إذا كانت المخالطة بحسب ما اتفق.
القسم الثاني من أنواع المخالطة: أما إذا كان العبد يخالط رغبة في الخير، إذا حضر مكانا وتعرف على أحد، فإنما يتعرف ويخالط لأجل تحصيل الخير ولأجل دفع الشر.
فهذا مخالطته محمودة، وفيها صلاح لقلبه، وقد تحضر مجلسا أو مجالسا فنخجل من أن تجعل ذلك المجلس مجلس خير وهدى.
فتخالط وربما شاع في ذلك المجلس ما هو من فضول المباحات، أو ربما من الكلمات التي ضررها أكثر من نفعها، أو ما هو من المحرمات.
فلا بد أن يكون الراغب في صلاح قلبه وفي صلاح الآخرين أن يأخذ بهذه الوصية التي أوصى بها ابن القيم في أن يكون المرء مِقداما في الخير.
يعني إذا حضر مجلسا فليبدى الكلام , إذا نظرت إلى المجالس، ربما تحضر مثلا في وليمة في عزيمة، تحضر في لقاء مع أناس إلى آخره.
تلحظ أن الناس يبدؤون ويتكلمون في موضوع، ثم تمضي مدة وهم يتكلمون في ذلك الموضوع.
فإذا ابتدأت أنت الكلام في موضوع ما، فإنه غالبا ما ينشغل الناس بتحليلات ذلك الموضوع مدة من الزمن يكون فيها الخير وفيها التوجيه والدعوة والصلاح.
فإذن الذي يجب على الذي يسعى في صلاح نفسه وفي صلاح غيره أن يكون مقداما في الخير.
يأتيه الشيطان -كما قال بن القيم- في بأحبولته التي قليل من ينجو منها فيقول:
إذا تحدثت أو إذا قلت فإنك تريد الشهرة أو تريد أن تذكر أو تريد أن تصرف وجوه الناس إليك أو نحو ذلك.
قال: فإذا أتى بهذه الأحبولة فتعوّذ بالله جل وعلا منه، وتوكّل على الله جل جلاله.
واجعل مخالطتك ومجالسك في خير وهدى وإرشاد الخلق إلى ما يجب عليهم أو إلى ما ينبغي أو ما يجب أن يحذروه.
إذن المخالطة هذه يجب أن تصنّف نفسك معها إلى أي درجة تخالط ، وما هي مخالطاتك، بعض الناس يعرف مئة مائتين، ما شاء الله.
وبعضهم يعرف أكثر أو أقل، ويظن أن كثرة المعارف هذه وكثرة إتيان هذا وهذا وهذا أنها أصلح للقلب، ليست كذلك .
فصلاح القلب بقلة المخالطة، إلا ما كان بمخالطة في أمر بمعروف ونهي عن منكر أو في علم أو دعوة أو خير أو فلاح.
فهذه المخالطة محمودة، وإذا أقلّ العبد المخالطة أنس بربه عز وجل، أنس بالقرآن، اشتاق لله جل وعلا، اشتاق لكتابه.
إذا صلى فإنه يكون للصلاة في حقة معنى فإنه يناجي ويحس أنه لن يكون مسرعا في طلب مخالطة للخلق , وهو منشغل بمناجاة الله جل وعلا عن مناجاة أو مناداة الخلق ومخالطتهم.
تلحظ من نفسك أن الذي يكثر المخالطة ويكثر الحديث مع الناس حتى على أبواب المساجد قبل الإقامة أنه إذا دخل الصلاة لا يدخلها بقلب خاشع.
لا يدخلها بقلب قد ظهر عليه -بتقييمه لنفسه- لذة مناجاة خالقه جل وعلا؛ وذلك لأن كثرة الخلط تقتضي كثرة سماع كلامهم.
وكثرة السماع تشغل القلب وتشغل العقل إلا ما كان في حق وهدى.
إذن فالمخالطة يجب أن توزن بميزان، وأن تنتبه لها، في نفسك، كذلك في من تعول، كذلك فيمن حولك، كذلك فيمن توجّه .
أخ لك أو صديق أو ابن أو بنت إلى آخر أصناف الناس يأتي ويخالط هذا ويخالط الثاني والثالث، كم له من أصحاب؟ أو كم لها من الصاحبات؟
تجد أن لها عددا وأن له عددا، وهذا لا شك أنه يحدث أنواع من المفاسد، فالمربي كما أنه يربي نفسه على قلة الخلطة والاختلاط إلا فيما ينفع.
كذلك ينبغي له أن يكون في تربيته لمن حوله إذا كان لا بد أن تخالط فأن تكون مخالطتهم وأن تكون أصدقاؤهم عددا محدودا.
وهذا من الأمور التي ينبغي أن ينتبه لها المربّون خاصة في البيوت وأولياء البيوت.