تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » اشهى ماكولات العصر من الشريعة

اشهى ماكولات العصر من الشريعة 2024.

اشهى ماكولات العصر

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم

لحوم البشر: أشهى مأكولات العصر؟

لا تطيب مجالس الناس اليومَ إلا بتناول وجبةٍدسمة من لحم أحد المسلمين، ينهش الجالسون في لحم هذا الشخص،
كلٌّ منهم يتناول قطعةًمنه، فلا يشبعون ولا يملُّون من تَكرار تناولها كُلَّما اجتمعوا،
حتَّى أصبحت رائحةالغِيبة المنتنة تفوح من المجالس.

فإلى مَن أدمنوا أكل لحوم البشر أقول: إنَّالغيبة مرض خطير،

وداء فتاك، وسلوك يُفرق بين الأحباب، وقد نهانا الله – تعالى – عنالغيبة؛ فقال:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُواكَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلايَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِمَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌرَحِيمٌ} [الحجرات: 12].

والغيبة كما قال النبي – صلَّى الله عليهوسلَّم -: ((ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه))، قيل: يا رسولالله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكنفيه فقد بهتَّه))[1]،

وما يكرهه الإنسان يتناول خَلْقَه وخُلُقه ونسبه، وكلما يخصه.

وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قلت للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني: أنَّها قصيرة – فقالالنَّبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((لقد قلت كلمة لو مزجتبماءِ البحر لمزجته))؛

أي: خالطته مُخالطة يتغيَّر بها طعمه أو ريحه؛ لشدَّةقبحها.

والغيبة من كبائرِ الذُّنوب، وهي مُحرمة بإجماعالمسلمين؛ فقد قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((كل المسلمعلى المسلم حرام: ماله وعرضه ودمه))[2].

وعن سعيد بن زيد – رضي الله عنه – قال: قالرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال:

((إنَّ مِن أرْبَىالرِّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ)).[3]

والقائل والمستمع للغيبة سواء؛ قال عتبة بنأبي سفيان لابنه عمرو: "يا بني، نزِّه نفسك عن

الخنا، كما تُنَزِّه لسانك عن البذا؛فإنَّ المستمع شريك القائل".

لذلك لا تعجب حين تَجد القرآن الكريم يصوِّر الغيبةفي صورة مُنفرة، تتقزز منها النفوس، وتنبو عنها الأذواق؛ قال تعالى:

{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًافَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]،

فشبَّه أكل لحمه ميتًا المكروه للنُّفُوسغاية الكراهة باغتيابه، فكما أنَّ الناس يكرهون أكلَ لحمه، وخصوصًا إذا كان ميتًا،فكذلك فليكرهوا غيبته، وأكل لحمه حيًّا

قال السعدي – رحمه الله -:

"وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأنَّ الغيبة منالكبائر؛ لأنَّ الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر". اهـ.[4]

فمثل المغتاب كمثل الكلب، فالكلبُ هوالحيوان الوحيد الذي يأكلُ لحمَ أخيه بعد موته.

والمغتاب يُعذب في قبره بأن يخمش وجهه بأظفاره،حتَّى يسيل منه الدَّم، ففي ليلة المعراج مرَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال:

((من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فيأعراضهم)).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُاللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ:

((يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِالإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ،وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِالْمُسْلِمِ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ،يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ)).[5]

قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: "عليكم بذكر الله؛ فإنَّه شفاء، وإيَّاكم وذكرَ الناس فإنهداء".

وقال الحسن البصري – رحمه اللَّه -: "والله،للغيبة أسرع في دين الرَّجل من الأكِلَةِ في الجسد".

وعن الحسن البصري – رحمه اللَّه – أنَّ رجلاً قال له: إنَّك تغتابني فقال: ما بلغَقدرُك عندي أنْ أحكِّمَكَ في حسناتي.

وقال ابن المبارك – رحمه اللَّه -: "لو كنتُ مُغتابًا أحدًا، لاغتبتُ والديَّ؛ لأنَّهما أحقُّبحسناتي".

حصائد اللسان هلاكالإنسان:

مما لا شكَّ فيه أن اللسان هو الذي يقود إلى هذه العظائم منالآثام والذُّنوب؛

فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ،وَنَحْنُ نَسِيرُ،

فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍيُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِى مِنَ النَّارِ، قَالَ:

((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْيَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا،وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّالْبَيْتَ – ثُمَّ قَالَ -: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُجُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِاللَّيْلِ))

ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ – تَعَالَى -: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]،

حَتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قَالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِسَنَامِهِ؟))،

فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((رَأْسُ الأَمْرِ وَعَمُودُهُ: الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ: الْجِهَادُ))،

ثُمَّ قَالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَبِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟))،

فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ،فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَهَذَا))،

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَانَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ،وَهَلْ

يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ – أَوْ قَالَ: عَلَىمَنَاخِرِهِمْ – إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)).[6]

وحصائدُ اللسان: أقواله المحرمة، وهي أنواعكثيرة،

فمنها ما يُوصل إلى الكفر، ومنها دون ذلك، فالاستهزاء بالله ودينه، وكتابهورسله وآياته، وعباده الصالحين فيما فعلوا من عبادة ربِّهم،

كلُّ هذا كُفر بالله،ومخرج عن الإيمان، وهو من حصائد اللِّسان،

والكذب والغيبة والنميمة، والفحش والسبواللعن، كُلُّ هذامن حصائد اللسان؛ قال – صلَّى
الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله ليبغض الفاحش البذيء)).[7]

قال الحافظ ابن رجب: "والمرادُ بحصائد الألسنة: جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته، فإنَّالإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثُمَّ يحصد يوم القيامة ما زرع، فمنزرع خيرًا من قولٍ أو عملٍ، حَصَد الكرامة، ومن زرع شرًّا من قولٍ أو فعل، حَصَدالنَّدامة، وهذا يدلُّ على أنَّ كف اللسان وضبطه وحبسَه هو أصل الخير كلِّه، وأنَّمن ملك لسانه، قد ملك أمره وأحكمه وضبطه". اهـ.

وجاء عند الطبراني وحسنه الألباني عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((عليك بطول الصَّمت، إلاَّ مِن خير؛ فإنَّه مَطردة للشيطان عنك، وعونلك على أمر دينك))
.يَجبُ على كل مسلم أنْ يصونَ لسانه ويحفظه، وألاَّ يطلقله العنان، فلا يسمح لنفسه أن يتكلم بغير ما هو حق وخير ومعروف، وأن يكفَّ لسانهعما هو باطل وشر ومنكر؛ قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍإِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]،

وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أوليصمت))[8].

قال النَّووي في "الأذكار": فهذا الحديث المتفق على صحته نصٌّ صريح في أنَّه لا ينبغي أن يتكلمإلاَّ إذا كان الكلامُ خيرًا، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شكَّ في ظهور المصلحة،فلا يتكلم

قال الإِمام الشافعي – رحمه اللَّه -: إذا أراد الكلام، فعليه أنْ يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة،تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر. اهـ.

وعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: قلتُ: يا رسولَ اللّه، ما النجاة؟ قال: ((أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ،وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ))

وعن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله – صلَّىالله عليه وسلَّم – يقول:

((مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَلَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ))[9].

فالمؤمنُ الصادق الإيمان بالله ولقائه لايتكلم إلاَّ إذا كان الكلام خيرًا، أمَّا إذا كان الكلام شرًّا فلا يتكلم؛ فعن أبيهريرة – رضي الله عنه -: أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال:

((إنَّ العبدَ ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعهالله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بهافي جهنم))[10].

وقد سُئل – صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّالمسلمين خيرٌ؟ قال:

((مَن سَلِمَ المُسلمون من لسانهويده))[11]

وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتىيستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنَّة لا يأمن جاره بوائقه)).[12]

وقد أخذ ابنُ عباس بلسانه، وقال له: "اسكتتغنم، واسكت عن سوءٍ تسلم، وإلاَّ فاعلم أنك ستندم"، وفي رواية عن أبي وائلٍ: أنعبدالله – رضي الله عنه – ارتقى الصَّفا،

فأخذَ بلسانِه فقال: "يا لسانُ، قُلْخيرًا تَغْنَمْ، واسْكُتْ عن شرٍّ تسْلَم، مِن قَبْلِ أنْ تَنْدَمَ"، ثُمَّ قال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول:

((أكثرُخطايا ابنِ آدَم في لسانه)).[13]

وكان ابنُ مسعود يقول: "والله الذي لا إله إلا هو، لا يوجد في هذا الكون شيء أحق بطول حبس منلسان".

وقال الإِمامُ الشافعيُّ – رحمه اللَّه – لصاحبه الرَّبِيع: "يا ربيعُ، لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنكإذا تكلَّمتَ بالكلمة، ملكتكَ ولم تملكها".

لذلك ما من يوم تصبح الأعضاء إلاَّ وهي تُخاطباللسان، وتقول له:

"اتقِّ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمتاستقمنا، وإن اعوججت اعوججنا".

قال ابنُ القيم – رحمه الله -: "ومن العجب أنَّ الإنسانَ يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحراموالظلم والزِّنا، والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليهالتحفظ من حركة لسانه، حتَّى ترى الرجل يُشار إليه بالدِّين والزُّهد والعبادة، وهويتكلم بالكلمات من سخطِ الله لا يلقي لها بالاً، يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ممابين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجلٍ مُتورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري فيأعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول". اهـ.[14].

احْفَظْ لَسَانَكَ أيُّهَا الإِنْسَانُ ……لاَ يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ

كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ……. قَدْ كَانَ هَابَ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ

كفارةالغِيبة:

الغيبة من الكبائر، وليس لها كفارة إلاَّ التوبة النصوح، وهي منحقوق الآدميين،

فلا تصح التوبة منها إلاَّ بأربعة شروط، هي:
1 – الإقلاع عنها فيالحال.
2 – الندم على ما مضى منك.
3 – العزم على ألاَّ تعود.

4 – استسماحمن اغتبته إجمالاً أو تفصيلاً، وإن لم تستطع، أو كان قد مات أو غاب، تكثر له منالدعاء والاستغفار.

هل يجب على صاحب الحق أنيُسامح؟

لا يَجب عليه ذلك، ولكن يُستحب له، فإنْ شاءَ سامح، وإن شاء لميُسامح. وكان بعض السَّلف لا يُحلل أحدًا اغتابه.

قال سعيد بن المسيب – رحمه الله -: "لا أحلل من ظلمني".

وقال ابن سيرين – رحمه الله -: "إنِّي لم أحرمها عليه، فأحللها له، إنَّ اللهَ حرم الغيبة عليه، وماكنت لأحلل ما حرَّم الله أبدًا".

ولا شكَّ أنَّ العفو أفضلُ، فهو سبيل المحسنين،

فكن كبيرًا وانس الماضي، فالحياة أقصر من أن ندنسها بالحقد والضَّغينة.

قال النووي في "الأذكار":

يُستحبُّ لصاحبالغِيبة أن يبرئه منها، ولا يجبُ عليه ذلك؛ لأنه تبرُّعٌ وإسقاطُ حقٍّ، فكان إلىخِيرته؛ ولكن يُستحبُّ له استحبابًا متأكدًا الإِبراء؛ ليُخلِّصَ أخاه المسلم منوبال هذه المعصية، ويفوزَ هو بعظيم ثواب اللَّه – تعالى – في العفو ومَحبة اللَّه – سبحانه وتعالى –

قال اللَّه – تعالى -: {وَالكاظِمِينَالغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهِ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [آلعمران: 134]،

وقال تعالى: {وَلمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِن ذلكَلَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ} [الشورى: 43]. اهـ.[15]

قِيلَ لِي قَدْ أَسَاءَفِيكَ فُلانٌ …..ومُقَامُ الْفَتَى عَلَى الذُّلِّ عَارُ

قُلْتُ قَدْجَاءَنَا وَأَحْدَثَ عُذْرًا…. دِيَةُ الذَّنْبِ عِنْدَنَاالاعْتَذَارُ

أسباب الغيبةوبواعثها:

قال الغزالي – رحمه الله -: للغيبة أسباب وبواعث، وفيما يليخُلاصتها[16]:
– شفاء المغتاب غَيظَهُ بذكر مساوئ مَن يغتابه.
– مجاملةالأقران والرِّفاق، ومُشاركتهم فيما يَخوضون فيه من الغيبة.
– ظن المغتاب فيغيره ظنًّا سيئًا مدعاة إلى الغيبة.
– أن يبرئ المغتاب نفسَه من شيء، وينسبهإلى غيره، أو يذكر غيره بأنَّه مُشارك له.
– رفع النَّفس وتزكيتها بتنقيصالغَيْر.
– حسد من يثني عليه النَّاس ويذكرونه بخير.

– الاستهزاء والسخريةوتحقير الآخرين.

الحالات التي تجوز فيهاالغيبة:

هناك صُور استثناها علماء الإسلام من الغيبة، ويَجب الاقتصار فيهذا الاستثناء على

الضرورة، ولا إثم في ذلك، وأكثرُ هذه الأسباب مُجمع على جوازالغيبة بها.

قال النووي:

اعلم أنَّالغيبةَ وإن كانت محرمة، فإنَّها تباحُ في أحوال للمصلحة؛ وعدَّد هذهالأسباب:

أولاً:التظلُّم؛ أي: إنَّه يجوزُللمتظلم أنْ يقولَ: فَعَل بي فلان كذا وكذا لمن يتظلم إليه.

ثانيًا:يجوز فيحالة الاستعانة في تغيير المنكر وردِّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته علىإزالة المنكر: فلان يعملُ كذا فازجرْه عنه.

ثالثًا:الاستفتاء؛بمعنى: أنْ يذهبَ المستفتي إلى المفتي، فيقول: لقد ظلمني فلان بكذا أو كذا، فماذاأفعلْ لرد الظُّلم عن نفسي، والأسلم التعريض بأنْ يقولَ: ما قولك في رجل ظلمه أخوه،وإن كان التعيين مُباحًا بقدر الحاجة، والدليل على ذلك: أنَّ هند زوجة أبي سفيانشكَت للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ سفيان رجل شحيح لا يعطيها ما يَكفيهاوولدها، فهل تأخذ منه بغير علمه، فأذن لها النبيُّ أن تأخذ بالمعروف، فلأن النبيَّلم يزجرْها لا يُعدُّ ذلك غِيبة.

رابعًا:تحذيرالمسلمين من الوقوع في أيِّ شر، كأن يقول فلان مبتدع، وذلك للنصح، وكذلك جرحالمجروحين من الرُّواة للحديث، وكذلك المشاورة في مصاهرة إنسان أومُحاورته.

خامسًا:تجوز غيبةالفاسق الذي شهر بفسقه، كالمجاهر بشرب الخمر؛ قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: "ليس لفاجر حُرمة"؛ وأراد به المجاهر بفسقه دونالمستتر.

وقال الصلت بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاسق المعلن بفجوره، ذكري لهبما فيه غيبة؟ قال الحسن: لا، ولا كرامة.

سادسًا:التعريف،فإذا كان معروفًا بلقب؛ كالأعمش والأعرج ونحوها، جاز تعريفه بها، ويحرم ذكره بهاتنقصًا، ولو أمكنَ التعريفُ بغيره كان أَوْلى؛ ولذلك يقال للأعمى: البصير؛ عدولاًعن اسم النقص. اهـ[17].

وقال ابن كثير: الغيبة مُحرمة بالإجماع، ولايستثنى من ذلك إلاَّ ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنَّصيحة؛ كقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر: ((ائذنوا له، بئس أخو العشيرة))، وكقوله لفاطمة بنت قيس – وقدخطبها مُعاوية وأبو الجهم -: ((أما معاوية فصعلوك، وأمَّا أبوالجهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه))، وكذا ما جرى مجرى ذلك. اهـ.[18]

الذَّمُّ لَيْسَبِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ…. مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍوَمُحَذِّرِ

وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ …..طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إِزَالَةِ مُنْكَرِ

لحوم العلماءمسمومة:

ومن أشد أنواع الغيبة: الخوض في أعراض العلماء، فعلماء المسلمينلهم احترامهم ومكانتهم، وينبغي التعامُل معهم بكل أدب واحترام، فالطَّعن في أهلالعلم والانتقاص منهم غير جائز شرعًا، ولا يحقُّ لأحدٍ مهما كان أنْ يتناول العلماءبلسانه، وإنْ صدرت عنهم آراء مُجانبة للحق والصواب، فالخطأ قد لا ينقص من مَنزلةالعالم عند الله، ولا يُحل لنا دمه ولا عرضه، وكل يؤخذ منه ويُرد عليه إلا المعصوم – صلَّى الله عليه وسلَّم.

قال الحافظ ابن عساكر: "اعلم يا أخي – وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإيَّاك ممن يخشاهويتقيه حق تقاته – أنَّ لحومَ العلماء مَسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهممعلومة، وأنَّ من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموتالقلب"

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَيُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌأَلِيمٌ} [النور: 63]. اهـ.[19]

وقال الشيخ أبو إسحاق الحويني في مُحاضرة لهبعنوان: "عظم ذنب من تنقَّص أحدًا من الأنبياء": "لقد اشتهر عند العلماء والعامَّةقولٌ، وهو: "إنَّ لحوم العلماء مسمومة"، ومعنى هذا: أنه إذا حَرُم على الإنسان أنْيغتابَ أخاه المسلم، أو يأكل لحمه، فلا شك أنَّ حرمة العالم أجلُّ من حرمة المسلممطلقًا؛ لأنَّه جمع الإسلام والعلم، فهو يزيد على الرجل العامي بدرجة العلم، ولأنمنصبَ العلماء بين الناس هو كمنصب الرَّسول؛ لأنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –

قال: ((إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكنورَّثوا العلم))،

والعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الذين يبلغون رسالاتِالله، فيجبُ أنْ تصانَ أعراضهم؛ لأنَّ النيلَ من عِرْض العالم قد يضر بدعوته؛ لذلككان لحمه مسمومًا، وقلَّما تجد رجلاً طعن فيه أو نالَ منه إلاَّ هتكه الله – عزَّوجل". اهـ.

وأما بيان خطأ العالم – إن أخطأ – فهذه مسألةتزلُّ فيها الأقدام، فقد تختلط الغيبة ببيان الحقِّ، فعلى طالبِ العلم أنْ يبينالخطأ دونما تجاوز، وذلك بالتزام أدب الرَّدِّ، فإن العلماء لم يزل يرد بعضُهم علىبعض وكتبهم مملوءة بذلك.

مجالس الغيبة:

الواجب على الإنسان إذا سمع أحدًا يغتاب غيره أنْ ينكرَ عليهوينصحه، ويخبره أنَّ هذا لا يجوز، وأن الغيبة محرمة؛ لقول النبي – صلَّى الله عليهوسلَّم -:

((من ردَّ عن عرض أخيه بالغيب، رَدَّ الله عن وجههالنار يوم القيامة))[20]؛ ولقوله –

صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((ما من امرئ يخذل مُسلمًا في موضع تنتهك فيه حُرمته، وينتقص فيه منعِرضه إلاَّ خَذَلَه الله في موضع يُحب فيه نصره))[21]،

ولقوله – صلَّى اللهعليه وسلَّم -: ((مَن حَمَى مؤمنًا من مُنافق – أراه قال -: بعث الله – تعالى – مَلَكًا يَحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومَن رمى مسلمًابشيء يريد شيْنه، حبسه الله على جِسْرِ جهنم حتَّى يخرج مما قال))[22]،

وقددافع مُعاذ بن جبل عن كعب بن مالك حين ذمَّه رجل من بني سلمة في مجلس رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأقر النبي فعل معاذ.

أمَّا إذا لم يستطعْ الإنسانُ الإنكارَ، أو لميستجب له أحد، فيجب عليه في هذه الحالة مفارقة المغتاب وعدم الجلوس معه؛ وذلك لقولالله –

تعالى -: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيآيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّايُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِالظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]

وقوله – عز وجل -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْآيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْحَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]

وقول النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه،فإنْ لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))[23].

روى الأوزاعي أنَّ عمر بن عبدالعزيز قاللجلسائه: "مَن صحبني مِنكم، فَليصحبني بخمس خصال: يدلُّني منالعدل إلى ما لا أهتدي إليه، ويكون لي على الخير عونًا، ويبلغني حاجة من لا يستطيعإبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويُؤدي الأمانةَ التي حملها بيني وبين الناس، فإذاكان ذلك فحيَّهلا، وإلاَّ فقد خرج عن صحبتي والدخول عليّ"

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله – صلَّىالله عليه وسلَّم -: ((لا يبلِّغني أحد عن أحد من أصحابيشيئًا؛ فإني أحب أن أخرج إليهم، وأنا سليم الصدر))[24].

قال ابنُ عباس: قال لي أبي: "إنِّي أرى أميرَالمؤمنين – يعني: عمر – يدنيك ويقرِّبك، فاحفظ عني ثلاثًا: إياك أن يجرِّب عليك كذبة، وإيَّاك أنْ تُفشي له سرًّا، وإياك أنتغتاب عنده أحدًا".

وَسَمْعَكَ صُنْ عَنْ سَمَاعِ الْقَبِيحِ …..كَصَوْنِ اللِّسَانِ عَنِ النُّطْقِبِهْ

فَإِنَّكَ عِنْدَ سَمَاعِ الْقَبِيحِ….. شَرِيكٌ لِقَائِلِهِ فَانْتَبِهْ

من أضرارالغيبة:

1 – صاحب الغيبة يعذَّب في النَّار، ويأكل النتن والقذر.
2 – ينال عقاب الله في قبره.
3 – تُذهب أنوار إيمانه وآثار إسلامه.
4 – لا يُغفرله حتى يعفو عنه المغتاب.
5 – الغيبة مِعول هدام وشر مُستطير.
6 – الغيبةتؤذي وتضر وتجلب الخصام والنفور.
7 – الغيبة مرض اجتماعي يقطع أواصرَ المحبة بينالمسلمين.

8 – الغيبة دليل على خِسَّةِ المغتاب ودناءة نفسه.[25]

علاج الغيبة، هل مندواء؟

لكي تتخلص من هذا المرض الخطير، عليك بالعلم والعمل، بأنْ تعلمَأنك ستتعرض لسخط الله – تعالى – يوم القيامة بإحباطِ عملك، وإعطائك حسناتك مَناغتبته في الدُّنيا حتَّى تصلَ إلى درجة الإفلاس، وذلك في يوم تكون أحوج إلى حسنة

واحدة تخرج بها من النار وتدخل الجنة، واسأل نفسك: هل تحب أنْ يغتابَك أحد ويستهزئبك؟ بالطبع: لا، فعاملِ الناس بما تحب أن يعاملوك به، وإذا حدثتك نفسك باغتياب أحدالمسلمين، ففتش في نفسك، فستجد فيها من العيوب أكثر مما تريد أن تقولَ عن أخيكالمسلم، واستحضر ما سَبَقَ ذكره من أحاديث وأخبار في ذم الغيبة.[26]

وقال الشاعر:

يُشَارِكُكَ الْمُغْتَابُ فِي حَسَنَاتِهِ …وَيُعْطِيكَ أَجْرَيْ صَوْمِهِ وَصَلاَتِهِ

وَيَحْمِلُ وِزْرًا عَنْكَ ضَنَّ بِحَمْلِهِ…. عَنْ النَّجْبِ مِنْ أَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ

فَكَافِئْهُ بِالْحُسْنَى وَقُلْ رَبِّ جَازِهِ ….بِخَيْرٍ وَكَفِّرْ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ

فَيَاأَيُّهَا الْمُغَتَابُ زِدْنِي فَإِنْ بَقِي ……ثَوَابُ صَلاَةٍ أَوْزَكَاةٍ فَهَاتِهِ

وأخيرًا: أخي القارئالكريم:

لِمَ تعطي حسناتك لمن تغتابه، بلوتتحمل من سيِّئاته إذا فنيت حسناتك؟!

فَكِّرْ جَيِّدًا، وكن بطلاً من الآن، واعزمعلى أن تترك مجالسَ الغِيبة فإنَّها مجالس سوء،

واعْزم على أنْ تتركَ هذه العادةالسيئة التي تُودي بصاحبها إلى النار،

فأنا مشفق عليك من أن تكون من حَصَبِ جهنم،

دع ذكر مساوئ إخوانك، واذْكُر محاسنهم، واشتغل بعيب نفسك.

أسأل الله – تعالى – بأسمائه الحسنى وصفاته أنْيُطهِّر ألسنتنا وجوارحنا من كلِّ ما يكره،

وأن يُجمِّلها بكل ما يحب، وأن يجعل هذاالعمل خالصًا لوجهه الكريم،

وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادرعليه.

أســـــــــــــــتـــــغـــــــفــــر الـــــــلـــــه الـــــــــــعــــــــظــــــــيــــم
مشكوره اختي جزاك الله خير ع التنبيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.