قوله تعالى : إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير .
الخشية : شدة الخوف ، كما قال تعالى : الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون [ 21 49 ] .
وبين تعالى محل تلك الخشية في قوله : إنما يخشى الله من عباده العلماء [ 35 28 ] ; لأنهم يعرفون حق الله تعالى ويراقبونه .
وقد بين تعالى حقيقة خشية الله : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله [ 2 74 ] .
وقوله : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله [ 59 21 ] .
فالذين يخشون ربهم بالغيب هم الذين يعرفون حق الله عليهم ومراقبته إياهم في السر والعلن ، ويعلمون أنه مطلع عليهم مهما تخسفوا وتستروا وهم دائما منيبون إلى الله ، كما في قوله : هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب [ 50 32 – 33 ] ، وهذه أعلى درجات السلوك مع الله تعالى ، كما بين أنها منزلة العلماء .
وقد عاب تعالى أولئك الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله ، ويخشون [ ص: 236 ] الناس ، ولا يخشون الله : فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين [ 9 13 ] .
وإفراد الله بالخشية منزلة الأنبياء ، كما في قوله : الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا [ 33 39 ] .
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه : والعرب تمدح من يكون في خلوته كمشهده مع الناس .
ومنه قول مسلم بن الوليد :
يتجنب الهفوات في خلواته عف السريرة غيبه كالمشهد
والواقع أن هذه الصفة ، وهي خشية الله بالغيب والإيمان بالغيب أساس عمل المسلم كله ، ومعاملاته ; لأنه بإيمانه بالغيب سيعمل كل خير طمعا في ثواب الله ، كما في مستهل المصحف : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب الآية [ 2 1 – 3 ] .
وبمخافة الله بالغيب سيتجنب كل سوء ، فيسلم ويتحصل له ما قال الله تعالى عنهم : مغفرة وأجر عظيم [ 5 9 ] ، ( مغفرة ) من ذنوبه : وأجر عظيم على أعماله . رزقنا الله خشيته في السر والعلن .
وليعلم أن المراد بالغيب مما هو من جانب العبد لا سيده ، كما في الحديث في الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، وهذا الإحساس هو أقوى عامل على اكتساب خشية الله سبحانه .