سألتنى ابنتى … أيؤذوننا ويعطلوننا ؟
جلست أحكو لأبنتى عن يوم الفصل
سألتنى … ما معنى الفصل ؟
قلت : يوم القيامة يوم يحكم الله فيفصل بين العباد فهو القاضى العادل .
قالت : وما يحدث فى هذا اليوم ؟
قلت لها : يجمع الله العباد من الإنس والجن بعد أن ينتظروا نزوله عن عرشه الكريم فيأت ليحكم بين العباد بعد أن يكونوا تعذبوا من الإنتظار والخوف والقلق والتعب عراة ترهقهم ذنوبهم من الذل ، ويغرق كل فى عرقه وفقا لما اكتسب من ذنوب ، منهم من لا يمسه عرق ومنهم من يمس قدميه ومنهم من يملأ نصف قدميه ومنهم من يغرق فى عرقه لوسط جسده ، ومنهم من يسبح فيه إلى ذقنه … كلٌ وفق عمله من خير وشر ، فالشمس أصبحت على بعد ميل واحد من أرض المحشر حيث تبدل الأرض غير الأرض والسموات مطويات بيمينه عز وجل .
قالت ابنتى : وهل يستطيعون الإنتظار على هذا الحال يوما كاملا ؟
قلت : إنه يوما من أيام الله وليس من أيام الحياة الدنيا ، فيوم الله كألف سنة مما تعدون ، فيشعر الناس من شدة عذاب الإنتظار لو أنهم ألقوا فى النار بغير حساب لكان خيرا لهم مما هم عليه .
وتتوالى التراجى للأنبياء بالتشفع عند الله ليأت ليحكم بينهم فالله غضبان من أعمال العباد ، ويخشى كل نبى ورسول فيدفعوا الشفاعة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وتتطاير الصحف ليستلمها الناس بأعمالهم كبيرة وصغيرة محصاة عليهم كحجة عليهم بما عملوا ، ثم يشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبشره الله بأن يأت والملائكة .
قلت : يؤمر فيسير كل قوم خلف إلههم الذى يخيل لهم ويمثل لهم فيلقى فى النار ويلقون خلفه فى نار جهنم
ثم يكشف عن ساق لله تعالى فيخر الباقون المؤمنون سجدا لأنهم يشعرون أن هذا هو الخلاق العظيم الذى آمنوا به فى الدنيا ، إلا المساكين الذين لم يصلوا فى الدنيا ولم يسجدوا لله العلى القدير ، فإن الخشوع يرهقهم ذلة ويودون السجود فلا يستطيعون لأن ظهورهم تصبح كظهور البقر لا تنحنى إذ يرفض الله منهم سجودهم فيعذبهم ذلك .
ثم يؤمر فيسير بعض المؤمنون إلى الجنة طائرين إلى الجنات العلا بغير حساب كلمح البصر أو أسرع ، إنهم أناس لا يتطيرون ولا يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون ، ليس بينهم وبين العباد مظالم ومنهم من أعتق الله فى رمضان .
ثم يأت دور الحساب ، يقف كل عبد بين يدى الله ليحاسبه بأفعاله وتملى عليه أعماله حتى يظن أنه هالك ، منهم من يقال له اذهب فأنت آمن ، ومنهم من يقف على القنطرة إن كان له مظالم فيقف من ظلموه ويقف حتى يؤخذ له من حسناتهم حتى تنتهى يلقى عليهم من سيئاته ، … وهكذا حتى لا يبق لأحد مظلمة عند آخر .
ثم يأت الميزان ويوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازين الخير سيق إلى الجنة ومن خفت موازين الخير له يلقى فى النار ليحاسب على قدر سيئاته ، والجميع ينتظر حتى يأخذ حقه أو يدفع ما عليه من حقوق .
قلت لها : الحل مربح ..
قالت : وما هو ؟
قلت : نغفر ونسامح فى حقوقنا ولا نتظلم ، فيأت لنا الله بحقنا فى الدنيا وينصرنا فى الدنيا ويغفر لنا فى الآخرة فلا تكن لنا مظالم فيزداد رصيدنا من الحسنات أو تكفر عنا سيئات بقدر ما ظلمنا الظالمون فيغفر لنا حتى نلقى الله برحمته وكرمه فيغفر ويقال لنا هيا إلى الجنة بغير حساب ولا انتظار ولا ظلم ولا مظالم ، فأنتم التلقاء .
سعدت ابنتى وشهدت أنها تغفر لكل من وقع عليها منه ظلما وتحتسب الأمر كله لله الغفور الرحيم لتدخل الجنة بغير حساب ولا تتعطل عن دخول الجنة ولاتعانى مرارة الإنتظار .
يؤذوننا ولن يعطلوننا إن شاء الله .
لنقل معا : اللهم اشهد أننا نغفر ونسامح كل من أذانا واللهم سامح واغفر لكل من ظلمنا وآذينا
اللهم اغفر لنا وأدخلنا جنتك بغير حساب واجعلنا من الآمنين السابقين إلى الفردوس الأعلى .
يا ترى كم من لم يتسامح وينتظر حقه من الله
هل يمكنك احتمال مرارة الإنتظار ألف سنة ؟
لو تسامحت نجوت
لو تسامحت طيرت
لو تسامحت تنعمت أسرع ولم تلقفك النار
لو تسامحت سامحك الآخرين وغفر الله لك .
( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله ، وليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم )
ولا يحلف أصحاب الفضل والصدقات والإحسان على أن يصلوا رحمهم ويعطوا الأقرباء والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله
وليتسامحوا ويغفروا لمن أخطأ منهم
ألا تحبون أن يغفر لكم الله الكثير المغفرة والرحيم بالمؤمنين ؟ .
أسباب نزول الآية :
……………………
نزلت فى أبى بكر الصديق
بعد ما حدث من حديث لإفك من مسطح بن أثاثة ابن خالة الصديق ، حلف الصديق بأن لا ينفعه بنافعة أبدا وقد كان يعطف عليه ويجزل له العطاء لأنه كان مسكينا ولا مال له .
فلما حدث حديث الإفك عن السيدة عائشة ابنته وبعد أإن حسم الله الأمر وكشفه وأنزل الله براءتها ، وأقيم الحد على من قال ذلك ، شرع الله فى أن يرشد الصديق بالعطف على قريبه وقد كان من المجاهدين فى سبيل الله وزل زلته وتاب وأقيم عليه الحد ، فأنزل الله الآية يعطفه عليه فتراجع الصديق عن قسمه الذى أقسم وعاد للعطاء له ثانية نزولا على أمر الله عز وجل .
فيأمرنا الله بالتسامح فى الكبير لأن جزاءه أكبر